الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص.

مسألة (47): الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد المقتضى للقطع بأن يكرهوا شخصا على قطع اليد أو يضعوا خنجرا على يده واعتمدوا عليه أجمع حتى تقطع، وأما لو أنفرد كل على قطع جزء من يده فلا قطع في يدهما، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها فقطع كل جزء منها حتى وصل الآلتان وقطعت اليد فلا شركة ولا قطع، بل كل جنى جناية منفردة، وعليها القصاص أو الدية في جنايته الخاصة[1] .

 

إن مفهوم الشراكة في المقام إنما يحدّده العرف والسيد الماتن (قده) طرح صورًا مختلفة منها ما يحقق الشراكة في القطع وبعضها مأخوذ على نحو الإنفراد والإستقلالية في القطع والجناية.

فلو أكره رجلان أو أكثر رجلًا لقطع يد شخصٍ ما أو وضعوا خنجرًا على يده واعتمدوا عليه أجمع حتى تقطع والحال أن الإكراه أو الاعتماد مستند إلى الجميع، مع الغض عن الفرق بين الإكراه والاعتماد في التسبيب والمباشرة، نعم مع استناد القطع إلى الفاعل لا فرق فيه من جهة المباشرة والتسبيب لإطلاق الأدلة.

وأما فيما لو إنفرد كل واحد منهم على قطع جزء من يده فلا قطع في يدهما لعدم تحقق مفهوم الشركة عرفًا لإعتبار إستقلال كل واحد بفعل خاص.

وهكذا لو وضع أحدهما حديدة حادة (خنجر مثلًا) فوق يده ووضع الآخر مثلها تحت يده حتى وصلت الحديدتان وقطعت اليد فلا إشتراك ههنا فيما لو كان أحدهما كافيًا للقطع وذلك لإستقلال كل منهما بفعل يفضي للقطع بذاته فلا يتحقق مفهوم الشركة عرفًا، وإن أبيت إلا الشراكة كما مال إليه صاحب الجواهر[2] (قده) مع التأمل فيه، قال: (وكذا تتحقق الشركة لو قطع أحدهم بعض اليد من غير إبانة والثاني في موضع آخر كذلك والثالث في موضع ثالث وسرى الجميع حتى سقطت اليد، نحو تحققها في النفس إذا جرحوه جراحات فسرت الجميع، كما صرح به الفاضل في القواعد وشرحها للاصبهاني، فتأمل). فلا أقل من الشك ومعه فلا يجري عليه حكم الشراكة مع الشك في الموضوع، ولعل دعوته للتأمل توحي ما ذكرنا.

 

مسألة (48): لو اشترك في قتل رجل امرأتان قتلتا به من غير ردّ شئ، ولو كنّ أكثر فللولي قتلهن وردّ فاضل ديته يقسم عليهن بالسوية فإن كنّ ثلاثا وأراد قتلهن رد عليهن دية امرأة، وهي بينهن بالسوية، وإن كن أربعا فدية امرأتين كذلك وهكذا، وإن قتل بعضهن رد البعض الآخر ما فضل من جنايتها، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردت المتروكة ثلث ديته على المقتولين بالسوية، ولو اختار قتل واحدة ردت المتروكتان عن المقتولة ثلث ديتها وعلى الولي نصف دية الرجل[3] .

أما قول الماتن (قده): (قتلنا به من غير رد شيئًا) فلعدم الخلاف بين الأصحاب في ذلك بل اُدعي عليه الإجماع، ولكون دية المرأة نصف دية الرجل فلا فاضل في البين، ولمعتبرة محمد بن مسلم:

-(عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد ابن عبدالله، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه‌ السلام) عن امرأتين قتلتا رجلا عمدا؟ قال: يقتلان به، ما يختلف في هذا أحد)[4] .

ومحمد بن عبدالله هو ابن هلال الثقة الممدوح بين الأصحاب وقد روى عن العلا وروى عنه محمد بن الحسين الثقة العين ولذا ذهب بعضهم لوصف الرواية بالصحيحة. وهو ليس بعيدًا.

وأما قوله (قده): (ولو كن أكثر فللولي قتلهن ورد فاضل ديته يُقسّم عليهن بالسوية). فلما مرّ من سلطنة ولي المقتول على القصاص ورد الفاضل لدفع قضية الإسراف في القتل إذ مع الرد فلا إسراف فيه.

هذا بالإضافة إلى ما تقدم من الروايات الصريحة الصحيحة على الرد في حالة ما لو اختار الولي قتل أكثر من واحد منها صحيحة الحلبي:

-(محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام)، في عشرة اشتركوا في قتل رجل، قال: يخير أهل المقتول فأيهم شاؤوا قتلوا، ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدية)[5] .

ومنها صحيحة ابن مسكان:

-(عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) في رجلين قتلا رجلا، قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما وتكون الدية بين أولياء المقتولين، فان أرادوا قتل أحدهما قتلوه وأدى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول، وإن لم يؤد دية أحدهما ولم يقتل أحدهما قبل الدية صاحبه من كليهما، (وإن قبل أولياؤه الدية كانت عليهما))[6] .

ومنها رواية الفضيل بن يسار:

-(عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لابي جعفر (عليه‌ السلام): عشرة قتلوا رجلا، قال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا وغرموا تسع ديات، وإن شاؤا تخيروا رجلا فقتلوه وأدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الاخير عشر الدية كل رجل منهم، قال: ثم الوالي بعد يلي أدبهم وحبسهم)[7] .

ومن خلال معرفة دية المرأة نصف دية الرجل يعلم حال ما لو اختار الولي قتل البعض دون البعض الآخر ولزوم الرد على أولياء المقتولين كما تقدم ولا خصوصية للمورد بل تعم الرجال والنساء فراجع.

 


[1] - تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص518.
[2] - جواهر الكلام، الشيخ محمّدحسن النّجفي، ج42، ص71.
[3] - تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص518.
[4] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص84، ابواب القصاص في النفس، باب33، ح15، ط آل البيت.
[5] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص42، ابواب القصاص في النفس، باب12، ح03، ط آل البيت.
[6] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص42، ابواب القصاص في النفس، باب12، ح04، ط آل البيت.
[7] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص43، ابواب القصاص في النفس، باب12، ح06، ط آل البيت.