الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/04/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص.

مسألة (41): لو جرحه اثنان فاندمل جراحة أحدهما وسرت الأخرى فمات فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها، وعلى الثاني القود فهل يقتل بعد رد دية الجرح المندمل أم يقتل بلا رد؟ فيه إشكال وإن كان الأقرب عدم الرد[1] .

 

لا بد أولًا من تحرير موضوع الحكم في المسألة المفترضة، ليستقيم الحكم على موضوعه، وإلا فلا وجه للحكم المفروض في المقام.

فيكون مراد كلامه في جرحه بموضعين من شخصين هو بأن أقدم الأول على قطع يده والآخر قطع رجله ومن ثم إندملت جراحة أحدهما وسرت الاُخرى فمات، وعندئذٍ فالحكم على من إندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها بحسب التفصيل القادم في المقام من إلزام الجاني بالدية فيما لو لم يمكن القصاص، أو القصاص في مورد القصاص كما سيأتي. وهذا مما لا خلاف فيه بينهم كما هو واضح.

وأما الثاني الذي لم يندمل جرحه بل سرى ومات المجروح فعلى الجاني القود لأنه القاتل فعلًا بما سببه بجرحه للمجنى عليه وعليه الأدلة الشرعية مما تقدم من الآية والنصوص الصريحة على ذلك بالإضافة إلى الإجماع.

وهذا لا خلاف فيه ولكن الكلام وقع بين الاعلام في أنه هل يُقتل الجاني بعد رد دية الجرح المندمل إلى وليِّه، كما اختاره المحقق الحلي (قده) في شرائعه حيث قال في المسألة: (فمن إندمل جرحه فهو الجارح، والآخر قاتل يُقتل ولكن بعد رد دية الجرح المندمل)[2] لأن الفرض (المفترض) كمال الجاني ونقص المقتول أم (أو) يقتل بلا رد؟ كما عن صاحب القواعد (قده) ووجهه أن الدية إنما كانت للنفس وليست للأعضاء، ولو كانت للأعضاء لسقط القصاص عمّن قتل مقطوع اليدين أو الرجلين، أو أن القصاص في هذه الموارد بعد رد دية الأعضاء المقطوعة مع أنه محل تأمل عنده.

واستقرب الماتن (قده) عدم الرد لعدم الدليل إلا ما تقدم قبل قليل من الوجه الإعتباري وتقدم الإشكالُ فيه. نعم يمكن الإستفادة من وجوب الرد إذا أرادوا قتله برواية سورة بن كليب عن مولانا الصادق (عليه السلام).

-(محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن سورة بن كليب، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال: سئل عن رجل قتل رجلا عمدا وكان المقتول أقطع اليد اليمنى؟ فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فان أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي، قال: وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئا، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة، قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي (عليه‌ السلام))[3] .

والرواية معتبرة فيتعين لزوم الرد إذا شاؤوا قتله، اللهم إلا أن يُقال بضعف الرواية وعدم الإعتماد عليها، فيرجع إلى عدم وجود دليل على الرد والاصل عدمه، ولكن الارجح بالنظر إعتبار روايته ولا يكفي في البناء على ضعفه لعدم ثبوت مدحه بل يكفي عدم الطعن به. والله العالم.

مسألة (42): لو قطع أحد يده من الزند وآخر من المرفق فمات فإن كان قطع الأول بنحو بقيت سرايته بعد قطع الثاني كما لو كانت الآلة مسمومة وسرى السم في الدم وهلك به وبالقطع الثاني كان القود عليهما، كما أنه لو كان القتل مستندا إلى السم القاتل في القطع ولم يكن في القطع سراية كان الأول قاتلا، فالقود عليه، وإذا كان سراية القطع الأول انقطع بقطع الثاني كان الثاني قاتلا[4] .

 

فإن كل هذه الصور الثلاث المذكورة في المسألة من إستناد الموت إلى سراية السُّم في الدم بسبب كل من قطع الأول وقطع الثاني فيكون على هذا أنهما شريكين في تسبيبهما لقتله وعليه فالقود عليهما معًا، أو كان القتل مستندًا إلى السُّم الناتج عن قطع الأول دون الثاني فيكون هو القاتل لإستناده إليه فيؤخذ بالقصاص خاصة أو الصورة الثالثة التي تفترض أن سراية السُّم من القطع الأول قد توقفت بسبب قطع الثاني فيكون الأخير هو القاتل بسبب سراية السُّم جراء قطعها من المرفق فالقود عليه خاصة.

نعم فإن من يُرجع إليه في تحديد أي السرايتين هي القاتلة إنما هم أهل الخبرة في المقام، ومع الشك في ذلك وعدم القدرة على التمييز وإستناد القتل إلى أحدهما بالخصوص أو إستناده إليهما معًا على نحو الإشتراك في السراية القاتلة فلا بد حينئذ من التراضي. فإذا ما اختلفا وتنازعا ولم يتراضيا كان على الحاكم الشرعي أن يجبرهما على ذلك.

 


[1] - تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص515.
[2] - شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج4، ص977.
[3] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص11، ابواب القصاص في النفس، باب50، ح01، ط آل البيت.
[4] - تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص516.