الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص.

مسألة (35): لو قال بالغ عاقل لآخر: " اقتلني وإلا قتلتك " لا يجوز له القتل، ولا ترفع الحرمة، لكن لو حمل عليه بعد عدم إطاعته ليقتله جاز قتله دفاعا بل وجب، ولا شئ عليه، ولو قتله بمجرد الايعاد كان آثما، وهل عليه القود؟ فيه إشكال وإن كان الأرجح عدمه، كما لا يبعد عدم الدية أيضا[1] .

 

أما حرمة قتله فهو مقتضى إطلاق الأدلة لعدم جواز الإقدام على قتل الآخرين بغير موجب له وليس المقام منه، والحال عدم تقييد الإطلاقات بحرمة القتل (بعدم إذنه) أو (بعدم أمره وإكراهه). وحينئذ فالحرمة باقية على حالها، وعليه فالإذن بالقتل لايرفع الحرمة الشرعية في الدماء، هذا مضافًا إلى عدم الخلاف عند الأصحاب في ذلك.

نعم لو هجم عليه الآمر ليقتله بعد أن عصى أمره ولم يُطعه في ذلك فدافع الآخر عن نفسه وقتله، فليس على المدافع من إثم أو قصاص أو دية وذلك لورود النصوص العديدة التي تُجيز الدفاع عن النفس بل توجبه ولو إنجرّ ذلك إلى قتل المهاجم وبالتالي فلا شيئ على المدافع من إثم أو قصاص أو دية.

ولكن لو قتله بمجرد الإيعاد فإنه لا محالة آثمٌ لأصالة بقاء الحرمة من غير دليل حاكم عليها، وأما الإشكال بل المنع في ثبوت القصاص أو الدية فذلك لأجل سقوطهما بعد أن أسقط حرمة نفسه بإجازته وإذنه بقتل نفسه وتوعد الآخر بقتله فيما لو لم يقتله، ولا أقل من الشك في بقاء التمسك بإطلاق دليل القصاص والدية بعد طروء الشك على الموضوع، فيكون من قبيل التمسك بالإطلاق في الموضوع المشكوك، ولا بد هنا من الرجوع إلى أصالة البراءة عن كل من القصاص والدية. والله العالم.

مسألة (36): لو قال: " اقتل نفسك " فإن كان المأمور عاقلا مميزا فلا شئ على الآمر، بل الظاهر أنه لو أكرهه على ذلك فكذلك، ويحتمل الحبس أبدا لاكراهه فيما صدق الاكراه، كما لو قال: " اقتل نفسك وإلا قتلتك شر قتلة ".[2]

 

أما أنه (لا شيئ على الآمر) فذلك لأجل أن القتل فعلًا صدر من المباشر والحال أنه عاقلٌ مميز فيقوى المباشر على السبب عرفًا وهكذا الحكم لو أكرهه على قتل نفسه فلا قصاص ولا دية أيضًا وذلك لإعتبار أنه لا معنى للإكراه على قتل نفسه خوفًا من قتل نفسه من قبل الآمر، فهو على كل حال مقتول فيما لو حقّق الآمر ما توعد به للمأمور، وعليه يمكن القول بعدم إمكانية تصور الإكراه في المقام لأنه فرارٌ من القتل إلى القتل بل يمكن القول بأنه كيف يصح الإقدام على القتل اليقيني وتقديمه على القتل المشكوك حتى ولو كان الآمر قاطعًا بأنه سيحقق توعده بقتل المأمور فيما لو لم يقتل نفسه ولكنه ربما يقع وربما لا يقع.

نعم لو كان الإكراه بنوع من التخويف الشديد بأن يقتله شر قتله كأن يمثل به مثلًا، فخاف المأمور (المكرَه) بالفتح من أن يموت شر موته ويمثّل به بقطع أعضائه حيًا مثلًا فلجأ إلى قتل نفسه بطريقة رحيمة بدلًا من القتل الصعب القاسي المستوحش فقد اختار الشهيد الثاني (قده) في مسالكه والفاضل الهندي في كشف اللثام تحقق الإكراه ههنا وقالا بترتب القصاص حينئذ على المكرِه (بالكسر) لأنه صار أقوى من المباشر.

ولكن ذلك مدفوع بل وممنوع لعدم الدليل على ذلك بل إطلاق الدليل غير مقيد بهذا المورد فيبقى إطلاق الدليل على حاله بعدم الجواز في إقدام الإنسان على قتل نفسه، وإلا فلو إفترضنا أن شخصًا ما علم بموته فهل يجوز له أن يقتل نفسه بطريقة سهلة بأن يأخذ إبرة في العضل تقتله فورًا دون أن يحس؟، فإن ذلك في غاية الإشكال بل المنع لصدق الإنتحار عرفًا، فاذا صدق عرفًا امتنع شرعًا.

وأما قول الماتن (قده): (ويحتمل الحبس أبدًا لإكراهه في صدق الإكراه كما لو قال أقتل نفسك وإلا قتلتك شر قتله).

توجيهه لإحتمال عدم الخصوصية في صحيحة زرارة المتقدمة في خصوص ما إذا كان مأمورًا لقتل رجلًا آخر، ولكن الأرجح في النظر هو الحكم بحبس الآمر (المكرِه) مؤبدًا لوحدة المناط في صحيحة زرارة وعدم الخصوصية في موردها بل هي غير مخصصة به (اي بهذا المورد). والله العالم.

 


[1] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص514.
[2] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص515.