الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص.

مسألة (34): لو أكرهه على القتل فالقود على المباشر إذا كان بالغا عاقلا دون المكره وإن أوعده على القتل، ويحبس الآمر به أبدا حتى يموت، ولو كان المكره مجنونا أو طفلا غير مميز فالقصاص على المكره الآمر، ولو أمر شخص طفلا مميزا بالقتل فقتله ليس على واحد منهما القود، والدية على عاقلة الطفل، ولو أكرهه على ذلك فهل على الرجل المكره القود أو الحبس أبدا؟ الأحوط الثاني[1] .

في المسألة صورٌ مختلفة:

الصورة الأولى: وهي فيما لو أكره زيدٌ شخصًا بالغًا عاقلًا على قتل بكر مثلًا فالحال يكون القود على المباشر وذلك للنصوص المعتبرة في المقام منها صحيحة محمد بن مسلم:

-(محمد بن يعقوب، عن أبي علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن شعيب الحداد، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه‌ السلام) قال: انما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فاذا بلغ الدم فليس تقية)[2] .

وموثقة ابي حمزة الثمالي:

-(محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب ـ يعني ابن يزيد ـ عن الحسن بن علي بن فضال، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو عبدالله (عليه‌ السلام): لم تبق الارض إلا وفيها منا عالم، يعرف الحق من الباطل، قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم: لا نفعل إنما نتقي، ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك، ولاقام في كثير منكم من اهل النفاق حد الله)[3] .

هذان الحديثان يدلان على نفي الإكراه في القتل وإنما يكون القود على المباشر دون المكرهِ

(بالكسر) حتى وإن وعده بالقتل.

وما يدل بالخصوص على ما نحن فيه صحيح زرارة عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام): (في رجل أمر رجلًا بقتل رجل (فقتله) فقال (عليه السلام): يقتل به الذي قتله، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت).

-(محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه‌ السلام) في رجل أمر رجلا بقتل رجل، فقال: يقتل به الذي قتله، ويحبس الامر بقتله في الحبس حتى يموت)[4] .

ورواه الشيخ الصدوق (قده) بإسناده عن احمد بن محمد، عن ابن محبوب مثله ورواه الشيخ الصدوق (قده) بإسناده عن ابن محبوب نحوه إلا أنه قال: (أمر رجلًا حرًا)، هذا مضافًا إلى الإجماع.

الصورة الثانية: ولو كان المكرَه (بالفتح) مجنونًا أو طفلًا غير مميّز فالقصاص على المكرِه (بالكسر) الآمر، وذلك لأنه القاتل في المفروض ولقوة السبب على المباشر حينئذٍ، بإعتبار أن كلًا من المجنون والطفل غير المميّز بمثابة الآلة بالنسبة إليه والقتل مستندًا إلى التسبيب هذا مضافًا إلى الإجماع.

الصورة الثالثة: وهي فيما لو أمر شخص طفلًا مميزًا بالقتل فقتله ليس على واحد منهما القود والدية على عاقلة الطفل.

وذلك لأن الطفل كما المفروض وإن كان مميّزا إلا أنه لا يؤخذ بالقود لأنه لا قود عليه لأنه غير مكلف، وإنما القود على البالغ العاقل.

وبالنسبة إلى الآخر المكرِه (بالكسر) فلأنه غيرُ قاتل فعلًا والقاتل فعلًا هو الصبي المميّز والحال أنه ليس كالآلة بالنسبة إلى الآمر لفرض إدراكه ومعرفته. وأما قول الماتن (قده) بأن الدية على عاقلة الطفل فذلك كما دل أن عمد الصبي خطأ وإذا كان كذلك فتتحمله العاقلة.

بقي الصورة الرابعة والأخيرة: وهي فيما لو أكرهه على ذلك فهل على الرجل المكرِه القود أو الحبس أبدًا؟

اختار السيد الماتن (قده) الثاني (الحبس) ويمكن الإستدلال على ذلك بصحيحة زرارة المتقدمة

-(محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه‌ السلام) في رجل أمر رجلا بقتل رجل، فقال: يقتل به الذي قتله، ويحبس الامر بقتله في الحبس حتى يموت)[5] .

وهنا لا بد من تفسير الرجل الوارد في الرواية بالفاعل المختار سواءً كان رجلًا أم صبيًا مميّزا لعدم خصوصية الرجل في المقام بل هو كناية عن المريد المختار ليس إلا، بل الأقوى كذلك، وليس الإحتياط تعبيرًا مصيبًا لواقع الحال.

بإعتبار ما تقدم من أن القود على الآمر فيما لو كان المأمور صبيًا غير مميّز وكان بمثابة الآلة للآمر أو المكره وأما ههنا فالصبي مدركًا مختارًا ولكنه ليس مكلفًا ليقتاد به مضافًا إلى ما ورد في أهمية الإحتياط في موارد الدماء. والله العالم.

 


[1] - تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص514.
[2] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص234، ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، باب31، ح01، ط آل البيت.
[3] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص234، ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، باب31، ح02، ط آل البيت.
[4] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص45، ابواب القصاص في النفس، باب13، ح01، ط آل البيت.
[5] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص45، ابواب القصاص في النفس، باب13، ح01، ط آل البيت.