الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/01/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص.

مسألة (3): لو رماه بسهم أو بندقة فمات فهو عمد عليه القود ولو لم يقصد القتل به، وكذا لو خنقه بحبل ولم يزح عنه حتى مات، أو غمسه في ماء ونحوه ومنعه عن الخروج حتى مات أو جعل رأسه في جراب النورة حتى مات، إلى غير ذلك من الأسباب التي انفرد الجاني في التسبيب المتلف، فهي من العمد.[1]

بدأ السيد الماتن (قده) بذكر الأمثلة على التسبيب في القتل، وتحديد الحكم الشرعي فيها، وما هو مما يصدق عليه العمد وعدمه.

وبعد أن بيّنا الضابطة الكلية التي بموجبها يمكن التمييز بين المباشرة من جهة والتسبيب وأحكامه من جهة أخرى. حكم _ السيد الماتن (قده) فيما طرحه من أمثلة في هذه المسألة من رميه بسهم أو بندقية أو خنقه بحبل وغمسه بالماء ونحو ذلك _ بأن ذلك من العمد الموجب للقصاص حتى ولو لم يقصد القتل به، وذلك لكون المذكورات من أعلى مراتب التسبيب، لإنفراد الجاني بالتسبيب المتلف بإعتبار كونها محققة لمصاديق القتل العمدي لتحقق ملاكه، وهو القصد إلى الفعل الذي يترتب عليه الموت عادة وإن لم يقصد القتل كما تقدم.

 

مسألة (4): في مثل الخنق وما بعده لو أخرجه منقطع النفس أو غير منقطع لكن متردد النفس فمات من أثر ما فعل به فهو عمد عليه القود[2] .

 

لا فرق في صدق القتل العمدي، بين ما لو سبب القتل الفوري أو تخلل الزمان به، للصدق العرفي على كون الجاني قد أتى بما يقتل غالبًا.

فإن الأسباب على مراتب، فمنها ما تكون فورية التأثير بمؤداها ومنها ما يكون تأثيرها بتراخي الزمن عرفًا مع تأدية النتيجة الطبيعية للسبب المأتي به.

مسألة (5): لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالبا لمثله ثم أرسله فمات بسببه فإن قصد ولو رجاء القتل به ففيه القصاص، وإلا فالدية، وكذا لو داس بطنه بما لا يقتل به غالبا أو عصر خصيته فمات أو أرسله منقطع القوة فمات[3] .

 

أما قوله: (فإن قصد ولو رجاء القتل به ففيه القصاص) وذلك لأنه محقّقٌ لملاك القتل العمدي كما تقدم، وأما قوله: (وإلا فالدية) وذلك لعدم تحقق ملاك قصد القتل أولًا وثانيًا لعدم كون الفعل مما يقتل غالبًا وهذا ما دلت عليه صحيحة الحلبي:

 

-(عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبدالله بن مسكان، عن الحلبي، قال: قال أبو عبدالله (عليه‌ السلام): العمد كل ما اعتمد شيئا فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة، فهذا كله عمد، والخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره)[4] .

مسألة (6): لو كان الطرف ضعيفا لمرض أو صغر أو كبر ونحوها ففعل به ما ذكر في المسألة السابقة فالظاهر أن فيه القصاص ولو لم يقصد القتل مع علمه بضعفه، وإلا ففيه التفصيل المتقدم[5] .

 

قلنا سابقًا أن تشخيص الموضوعات بيد العرف، فلو رأى أهل العرف بأن هكذا فعل من شأنه أن يقتل أن يقتل هكذا إنسان (لضعفه أو صغره أو كبره).

فهو من مصاديق القتل العمدي وإلا فكما تقدم .

ويمكن الإستدلال على ذلك بصحيحة أبي العباس:-(عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن الحصين، عن أبي العباس، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال: سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة، أهو أن يعتمد ضرب رجل ولا يعتمد قتله؟ فقال: نعم، قلت: رمى شاة فأصاب إنسانا، قال: ذاك الخطأ الذي لا شك فيه ، عليه الدية والكفارة)[6] .

ورواية ابي الصباح الكناني:

-(عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني جميعا، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال: سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، أيدفع إلى ولي المقتول فيقتله؟ قال: نعم، ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجيز عليه بالسيف)[7]

 


[1] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص509.
[2] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص509.
[3] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص509.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص36، أبواب القصاص، باب11، ح3، ط آل البيت.
[5] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص509.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص38، أبواب القصاص، باب11، ح9، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج29، ص36، ابواب القصاص، باب11، ح2، ط آل البيت.