الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

38/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القول في قسمته ومستحقيه

مسألة (3): الأقوى اعتبار الفقر في اليتامى أما ابن السبيل أي المسافر في غير معصية فلا يعتبر فيه في بلده، نعم يعتبر الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنيا في بلده كما مر في الزكاة[1] .

مسألة 3 - أما إشتراط وإعتبار الفقر في اليتامى، فهو ما عليه المشهور بين الفقهاء والأصحاب شهرة كبيرة، ولعلهم إستندوا في ذلك إلى بعض الروايات التي يمكن الإستفادة منها ذلك كما في:

مرسلة حماد بن عيسى:

-(محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن عبد الصالح (عليه ‌السلام) ـ في حديث طويل ـ قال: وله ـ يعني: للإِمام ـ نصف الخمس كملا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، يقسّم بينهم على الكتاب والسنّة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنّما صار عليه أن يموّنهم لأنّ له ما فضل عنهم)[2] .

مرسلة حمّاد بن عيسى:

-(عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح (عليه ‌السلام) قال: الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة، يؤخذ من كلّ هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله الله له وتقسّم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، ويقسّم بينهم الخمس على ستّة أسهم: سهم لله، وسهم لرسول الله (صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم)، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، فسهم الله وسهم رسول الله لأولى الأمر من بعد رسول الله وراثة، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من الله، وله نصف الخمس كملا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم على الكتاب والسنّة ـ إلى أن قال: ـ وإنّما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس تنزيهاً من الله لهم لقرابتهم برسول الله (صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم)، وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيّرهم في موضع الذلّ والمسكنة، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض، وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي (صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم) الذين ذكرهم الله فقال: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والاُنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم، وقد تحلّ صدقات الناس لمواليهم وهم والناس سواء، ومن كانت اُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له وليس له من الخمس شيء، لأنّ الله يقول: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِم) ـ إلى أن قال: ـ وليس في مال الخمس زكاة لأنّ فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد، وجعل للفقراء قرابة الرسول (صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم) نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس وصدقات النبي (صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم) ووليّ الأمر فلم يبق فقير من فقراء الناس ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم) إلاّ وقد استغنى، فلا فقير، ولذلك لم يكن على مال النبي والولي زكاة لأنّه لم يبق فقير محتاج، ولكن عليهم أشياء تنوبهم من وجوه، ولهم من تلك الوجوه كما عليهم)[3] .

مرسلة علي بن موسى بن طاووس.

-(علي بن موسى بن طاوس في كتاب (الطُرف) بإسناده عن عيسى بن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما ‌السلام) أنّ رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم) قال لأبي ذر وسلمان والمقداد: أشهدوني على أنفسكم بشهادة أن لا إله إلاّ الله ـ إلى أن قال: ـ وأنّ علي بن أبي طالب وصي محمّد وأمير المؤمنين، وأنّ طاعته طاعة الله ورسوله، والأئمة من ولده، وأنّ مودّة أهل بيته مفروضة واجبة على كل مؤمن ومؤمنة، مع إقام الصلاة لوقتها، وإخراج الزكاة من حلّها ووضعها في أهلها، وإخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى وليّ المؤمنين وأميرهم، ومن بعده من الأئمة من ولده، فمن عجز ولم يقدر إلاّ على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة، فمن لم يقدر (على ذلك فلشيعتهم) ممّن لا يأكل بهم الناس، ولا يريد بهم إلاّ الله ـ إلى أن قال: ـ فهذه شروط الإِسلام وما بقي أكثر)[4] .

وهذه الروايات وإن قلنا بضعفها سندًا إلا أنها تناسب علة التشريع التي هي لسد حاجة بني هاشم (أعزهم المولى)، كالزكاة لغيرهم (صانهم الله تعالى).

ويؤيد ذلك إستبعاد إستحقاق اليتيم للخمس مع كونه غنيًا وميسورًا ويملك الملايين والدور الكثيرة والعقارات كذلك.

بالإضافة إلى ذلك كله فإن المشهور عمل على ذلك، وعليه فلا وجه لما ذهب إليه البعض تمسكًا بالإطلاقات، نعم قد يقال بأن العطف يقضي المغايرة فهذا صحيح ولكن الظاهر العطف ههنا إنما هو بلحاظ الإهتمام بيتامى الفقراء في مقابل غيرهم من المساكين. والله العالم.

وأما إبن السبيل فقد نص سيدنا الماتن (قده) على خصوص كونه في غير معصية، مع أنه يمكن التمسك يالإطلاق فيشمل المسافر سفر معصية، إلا أن المناسب بحسب الظاهر عدم إعطاء هكذا شخص من الخمس لا أقل لعدم إعانته على الإثم والعدوان.

وكيفما كان فلا بد من إعتبار الحاجة له في سفره حتى ولو كان غنيًا في بلده وذلك لكفاية كونه محتاجًا له لعوده إلى بلده فينطبق عليه ما تقدم من الأدلة على جواز إعطائه من الخمس لذلك ولعدم إعتبار مطلق الفقر في ظاهر الأدلة. والله العالم.


[1] تحرير الوسيلة، الامام الخميني، ج1، ص365.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص520، ابواب قسمة الخمس، باب3، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص513، ابواب قسمة الخمس، باب1، ح8، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص553، ابواب الانفال، باب4، ح21، ط آل البيت.