الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

38/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الخمس.

مسألة (24): لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في الأرباح وغيرها وإن جاز التأخير إلى آخره في الأرباح احتياطا للمكتسب، ولو أراد التعجيل جاز له، وليس له الرجوع إلى الآخذ لو بان عدم الخمس مع تلف المأخوذ وعدم علمه بأنه من باب التعجيل[1] .

مسألة 24 – نقول: وأما عدم اعتبار الحول في وجوب الخمس في غير الارباح كالمعادن والكنز والغوص وغيرها فقد اتضح ذلك مما تقدم في قيام الدليل على ذلك لكونها من الغنائم الملحوظ فيها الخمس بمجرد الحصول عليها.

أما عدم اعتبار الحول في وجوب الخمس في الأرباح فذلك لإطلاق أدلة وجوب الخمس، وبالتالي فتمام الحول ليس شرطًا في وجوبه (الخمس) لأصالة البراءة عن الشرطية ولا دليل على تمام الحول شرطًا وإنما هو إرفاق بالمالك لاحتمال تجدد مؤنة أخرى زائدًا على ما ظنه. نعم قول الإمام (عليه السلام) (الخمس بعد المؤنة) وإن كان المراد منها مؤنة السنة وأن المؤنة لا يعلم مقدارها إلا بعد معرفة ما هو المصروف في تمام السنة ولكن ذلك ليس مأخوذًا على نحو اللزوم في إستثناء السنة من جهة ولا أن لزومها يحدث بعد مؤنة السنة من جهة ثانية، بل مرجع ذلك إلى جواز التأخير إلى آخر السنة لإحتمال زيادة المؤنة واحتياطًا للمكتسب وإن كانت المؤونة الفعلية المستثناة من الارباح لا تعلم إلا بعد الحول.

وعليه فقول الإمام (عليه السلام) (الخمس بعد المؤنة) المراد منه وضع مؤنة السنة من الربح سواءً كان ذلك في أثناء السنة أم لا، وليس المراد من ذلك بعد صرف المؤنة خارجًا في تمام السنة.

ومقتضى الجمع بين الآية الكريمة (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[2] وبين الصحيحة المتقدمة (الخمس بعد المؤنة) هو الحكم بأن الوجوب يتحقق بمجرد الربح، غاية ما في الأمر جواز التأخير في الأداء إلى آخر السنة لإستثناء المؤنة. وهذا هو المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة.

ولعل قول الإمام (عليه السلام) (الخمس بعد المؤنة) هو الذي دعا صاحب السرائر[3] (قده). لخلاف المشهور وذهابه إلى كون تعلق الخمس في آخر السنة.

ولكن نقول: حتى لو حملنا المؤونة على المؤنة الفعلية السنوية وحملنا الخمس على خمس الارباح، فإن الظاهر أن المراد من البعدية (الخمس بعد المؤنة) ليست البعدية الزمانية ليُقال بأن حدوث وجوب الخمس متأخر عن إخراج المؤنة، بل المراد منها البعدية في المرتبة كما في قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين).

وعليه فالملحوظ في المقام كون الخمس بعد الفاضل من الارباح بعد إستثناء المؤنة دون النظر إلى الزمان أصلًا، وإلا فهل من قائل بعدم إجراء وصحة من أدى خمس الارباح الحاصلة في أثناء السنة قبل إستثناء المؤنة أو بعد إستثناء المؤنة القطعية ولو إجمالًا وتخمينًا إلى آخر السنة؟. فلا أظن احدًا شك في الأجزاء في المقام.

مع أنه لو فرض ظهورها في ذلك في نفسه يكون مقتضى الجمع بين الأدلة ذلك، لكونها دالة من جهة على كون عنوان الغنيمة والفائدة كافيًا في الوجوب والثبوت، ومن جهة ثانية لدلالتها على كون الخمس إنما هو بعد المؤنة، وهو من قبيل الشرط المتأخر، كما في بيع الفضولي بناءً على كون الإجازة فيه كاشفة شرطًا له بنحو الشرط المتأخر، ويكفي في الشرط أن يكون علميًا وليس واقعيًا، كما حُرر في محله.

بقي أنه لو أخذنا بما ذهب إليه الحلي (قده) من كون المراد من البعدية – في الصحيحة المتقدمة (الخمس بعد المؤنة) – البعدية الزمانية للزم القول بجواز إتلاف الربح في أثناء السنة أو صرفه في غير المؤنة وذلك لعدم وجوب فقط القدرة قبل تعلق التكليف كما حرّرناه في الأصول وهذا يستلزم سقوط وجوب الخمس عنه، وهذا ما لا يلتزم به أحد حتى الحلي (قده) نفسه. والله العالم.

هذا.. ومما يستدل به على المختار (عدم اعتبار الحول في وجوب الخمس) السيرة الشرعية القطعية القائمة على العمل بذلك فإننا نجد أن المتشرعة قديمًا وحديثًا يعملون بذلك ولا تجد من يشك في جواز التأخير إلى آخر السنة، وإن كنا نرى بعض المتديين يؤدون الخمس في كل ربح يحصلون عليه في أثناء السنة احتياطًا وهذه السيرة كفيلة بالإجابة عن إشكال جواز تأخير الحق الثابت بمجرد تحقق عنوان الغنيمة وظهور الربح.

وأما قوله (قده): (ولو أراد التعجيل جاز له، وليس له الرجوع على الآخذ لو بان عدم الخمس مع تلف المأخوذ وعدم علمه بأنه من باب التعجيل).

هذا يمكن تصوره فيما لو أخرج المكلف الخمس بعد تقدير المؤنة بما يظنه وبان عدم كفاية الربح لتجدد مؤنة لم يكن يظنها فإن ذلك يكشف عدم صحته خمسًا وعليه جاز له الرجوع به على المستحق مع بقاء العين بخلاف ما لو كان قد أتلفها في يده، وأيضًا مع عدم علم الآخذ بأنه من باب التعجيل.

وذلك لأن إشتراط صحة بما يفضل عن المؤنة السنوية من الأمور الواقعية، فإذا ما تبين الخلاف فإنه ينعدم المشروط بإنعدام شرطه.

فمع بقاء العين يجوز للمكلف الرجوع على المستحق بأخذ العين لكونه مالكًا لها حقيقةً وهو متسلط عليها.

وأما مع تلفها وعدم علمه بأنه من باب التعجيل فلأصالة البراءة عن الضمان وتحقق الغرور.

اللهمّ إلا إذا كان عالماً بالحال فاللازم الضمان حتى مع الإتلاف لكونه إتلاف مع مال الغير إما مع العلم بالحال أو مع حال التردد في ذلك فإن الضمان ثابت في المقام لوجوب حفظ حق الغير ولو في حال التردد وإنكشافه أنه ليس مالًا له بل لغيره. واالله العالم.


[1] تحرير الوسيلة، الامام الخميني، ج1، ص361.
[2] سورة الانفال، الآية41.
[3] السرائر، ابن إدريس الحلي، ج1، ص489.