الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

38/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الخمس.

مسألة (2): قد مر أنه لا فرق في تعلق الخمس بما خرج عن المعدن بين كون المخرج مسلماً أو كافرا بتفصيل مر ذكره، فالمعادن التي يستخرجها الكفار من الذهب والفضة والحديد والنفط والفحم الحجري وغيرها يتعلق بها الخمس، ومع بسط يد والي المسلمين يأخذه منهم، لكن إذا انتقل منهم إلى الطائفة المحقة لا يجب عليهم تخميسها حتى مع العلم بعدم التخميس، فإن الأئمة (عليهم السلام) قد أباحوا لشيعتهم خمس الأموال غير المخمسة المنتقلة إليهم ممن لا يعتقد وجوب الخمس كافراً كان أو مخالفاً، معدناً كان المتعلق أو غيره من ربح التجارة ونحوه، نعم لو وصل إليهم ممن لا يعتقد الوجوب في بعض أقسام ما يتعلق به الخمس من الإمامية اجتهاداً أو تقليداً أو يعتقد عدم وجوبه مطلقاً بزعم أنهم (عليهم السلام) أباحوه مطلقاً لشيعتهم ما يتعلق به الخمس يجب عليهم التخميس مع عدم تخميسه، نعم مع الشك في رأيه لا يجب عليه الفحص ولا التخميس مع احتمال أدائه، ولكن مع العلم بمخالفة رأيهما فالأحوط بل الأقوى التجنب حتى يخمس[1] .

- مسألة 2:

هذه المسألة بتمامها هي من المسائل التي سيأتي الكلام عنها مفصلاً إن شاء الله تعالى، في مبحث (الأنفال) وأن الأئمة (عليه السلام) أباحوا لشيعتهم ما كان لهم، ومنها الأنفال وهي عديدة:

1 – الأرض إن لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، سواءً انجلى عنها أهلها أم اسلموها للمسلمين طوعًا.

2 – الأرض الموات التي لا يُنتفع بها إلا بتعميرها.

3 – سيف البحار، وشطوط الأنهار وكل أرض لا رب لها وإن لم تكن مواتاً.

4 – رؤوس الجبال، وبطون الأدوية، والآجام.

5 – قطايع الملوك: وهي كل ما يُنتقل من المال كالقرى والأبراج والأراضي والحصون.

6 – صفو الغنيمة كالجارية الفارهة والدابة الفارهة، والثوب والمتاع المميزين.

7 – الغنائم التي غنمت بغير إذن الإمام (عليه السلام).

8 – إرث من لا وارث له، ولا مولى عتاقه، ولا ضامن جريرته.

9 – المعادن مما لم يكن موردًا لحق ذي حق.

وهذه الموارد ثبت بالدليل إباحة الأئمة (عليه السلام) لشيعتهم، سواءً كانوا أغنياء أم فقراء، فيملكونها بالحيازة، بل يملكها غيرهم بالحيازة وأما ما تملك غيرهم بالحيازة فإنما لعموم قوله (عليه السلام): (من حاز ملك). أما اباحتهم (عليه السلام) لشيعتهم فإنما لقوله (عليه السلام) (أحللنا لشيعتنا).

-(عن أبي جعفر، عن الحسن بن علي الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي سلمة سالم بن مكرم وهو أبو خديجة، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج؟ ففزع أبو عبد الله (عليه‌ السلام)، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما والله لا يحلّ إلاّ لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمّة، (وما عندنا لأحد عهد) ولا لأحد عندنا ميثاق).[2]

-(عن أبي جعفر، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه‌ السلام) فدخل عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت، وأنّا عن ذلك مقصّرون، فقال أبو عبد الله (عليه‌ السلام): ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم)[3] .

-(عن الهيثم بن أبي مسروق، عن السندي بن أحمد، عن يحيى بن عمر الزيّات، عن داود بن كثير الرقّي، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: سمعته يقول: الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلاّ أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك)[4] .

-(وعنه، عن أحمد بن محمّد)، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر، عن أبي عمارة، عن الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: قلت له: إنّ لنا أموالاً من غلاّت وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أن لك فيها حقّاً؟ قال: فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلاّ لتطيب ولادتهم، وكلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم في حقّنا فليبلغ الشاهد الغائب)[5] .

-(عن محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: سمعت رجلاً من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله (عليه‌ السلام) عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها فعمّرها وكرى أنهارها وبنى فيها بيوتاً وغرس فيها نخلاً وشجراً؟ قال: فقال أبو عبد الله (عليه‌ السلام): كان أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) يقول: من أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإِمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه)[6] .

– (عن علي بن الحسن بن فضّال، عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن الحارث بن المغيرة النصري قال: دخلت على أبي جعفر (عليه‌ السلام) فجلست عنده، فإذا نجية قد استأذن، عليه فأذن له، فدخل فجثا على ركبتيه، ثمّ قال: جعلت فداك إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة، والله، ما اُريد بها إلاّ فكاك رقبتي من النار، فكأنّه رقّ له فاستوى جالساً فقال: يا نجية، سلني، فلا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به، قال: جعلت فداك، ما تقول في فلان وفلان؟ قال: يا نجية، إنّ لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال، وهما، والله، أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله ـ إلى أن قال: ـ اللهمّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا، قال: ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال: يا نجية، ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا)[7] .

ومن الواضح كما سيأتي بأن إحلالهم لشيعتهم إنما من باب كون الشيعة علة للتحليل وعليه فيكون مراده (عليه السلام): لأجل شيعتنا أبحنا ذلك للعموم.

هذا وقد حصر السيد الماتن (قده) التحليل فيما لو وصل إلى الشيعة المال غير المخمّس ممّن لا يعتقد وجوب الخمس كافرًا كان أو مخالفًا، معدنًا كان المتعلق أو غيره من الأرباح. فلا يجب على الإمامي أن يخمس ما وصل إليه منهما المال وسواءً كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها. فإن الأئمة (عليه السلام) قد أباحوا ذلك لشيعتهم كما أباحوا لهم في أزمنة عدم بسط أيديهم تقبل الأراضي الخراجية من يد الجائر والمقاسمة معه، وعطاياه في الجملة، وأخذ الخراج منه، وغير ذلك مما يصل إليهم منه ومن أتباعه، وبالجملة نزلوا الجائر منزلتهم، وأمضوا أفعاله بالنسبة إلى ما يكون محل الإبتلاء للشيعة صونًا لهم عن الوقوع في الحرام والعسر والحرج.

وكل ذلك سيأتي الكلام عنه مفصلاً مع الدليل عليه، كما سنوضح ما هو المختار من أدلة تحليل الخمس في المقام.

وأفتى بوجوب التخميس مما وصل إلى الإمامية ممن لا يعتقد الوجوب في بعض أقسام ما يتعلق به الخمس من الإمامية، إجتهادًا أو تقليدًا، أو يعتقد عدم وجوبه مطلقًا بزعم أنهم (عليه السلام) أباحوه مطلقًا لشيعتهم ما يتعلق به الخمس وهو الأحوط إن لم يكن الأقوى لكون القدر المتيقن من الأدلة السابقة في إباحة مال الإمام (عليه السلام) لشيعتهم إنما هو الإنتقال من الكافر أو المخالف غير المعتقدين للخمس دون سواهما.


[1] تحرير الوسيلة، الامام الخميني، ج1، ص353.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص544، أبواب الانفال، باب4، ح4، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص545، أبواب الانفال، باب4، ح6، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص546، أبواب الانفال، باب4، ح7، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص547، أبواب الانفال، باب4، ح9، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص549، أبواب الانفال، باب4، ح13، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص544، أبواب الانفال، باب4، ح14، ط آل البيت.