الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

37/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الخلع والمباراة.

مسألة (20): طلاق المباراة بائن ليس للزوج الرجوع فيه إلا أن ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدة، فله الرجوع إليها حينئذ[1] .

 

مسألة 20 - كونه، بائن إنما ذلك للإجماع وللروايات على ذلك منها معتبرة جميل بن دراج:

-(عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن جميل بن دراج، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: المباراة تكون من غير أن يتبعها الطلاق)[2] .

وخبر سماعة:

-(محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد ـ جميعاً ـ عن عثمّان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألته عن المباراة، كيف هي؟ فقال: يكون للمرأة شيء على زوجها من مهر، أو من غيره، ويكون قد أعطاها بعضه، فيكره كل واحد منهما صاحبه، فتقول المرأة لزوجها: ما أخذت منك فهو لي، وما بقي عليك فهو لك، وابارئك، فيقول الرجل لها: فان أنت رجعت في شيء مما تركت، فأنا أحقّ ببضعك)[3] .

والخلاصة: أن المباراة طلاق بائن من طرف الزوج ورجعي من طرف الزوجة ويجوز لها الرجوع عما بذلت فيرجع إليها إن شاء مع إمكان الرجوع كما تقدم، فلو رجعت بالبذل قبل إنقضاء العدة جاز لها ذلك.

وتقدم عدم جواز رجوعه إليها فيما لو كان طلاقاً ثالثاً فضلاً عما لو كانت صغيرة أو يائس لا عدة لهما أصلاً لعدم المجال للزوج بالرجوع إليها وذلك لإختصاص الرجوع بذات العدة.

 

الموضوع:كتاب الظهار.

كتاب الظهار الذي كان طلاقاً في الجاهلية وموجباً للحرمة الأبدية، وقد غير شرع الاسلام حكمه وجعله موجبا لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم الكفارة بالعود كما ستعرف تفصيله.[4]

 

-المظاهرة من باب المفاعلة، ومأخوذة من الظهر من الجسد، ولا ريب في كونها كناية عن مقاربة الزوجة، وهو في قِبال البطن لغة وعرفاً وشرعاً لقول المظاهر (أنت عليّ كظهر أمي) ويقصد بذلك حرمة زوجته عليه كحرمة ظهر أمّه حرمة أبدية بمجرد قوله ذلك، وهذه عادة العرب في الجاهلية حينما يريدون الطلاق والإنفصال بين الزوج وزوجته.

وجاء الاسلام فحرّم ذلك واعطى له احكاماً ستأتي في طي المسائل الآتية.

ومستند الكلام في المظاهرة في الاسلام هو قول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [5] .بالإضافة إلى بعض النصوص الواردة في المقام، والتي يُفهم منها كونها سبباً لنزول آيات المظاهرة منها صحيحة أبان:

-(محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن ابن أبي عمير، عن أبان وغيره، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: كان رجل على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقال له: أوس بن الصامت، وكان تحته امرأة، يقال لها: خولة بنت المنذر، فقال لها ذات يوم: أنت علي كظهر امي، ثمّ ندم، وقال لها: أيتها المرأة ما أظنك إلا وقد حرمت عليّ، فجاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا رسول الله إن زوجي قال لي: أنت علي كظهر امّي، وكان هذا القول فيما مضى يحرم المرأة على زوجها، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله ): ما اظنك الا وقد حرمت عليه، فرفعت المرأة يدها إلى السماء، فقالت: أشكو (إلى الله) فراق زوجي، فأنزل الله يا محمّد: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) الآيتين، ثمّ أنزل الله عزّ وجلّ الكفارة في ذلك، فقال: (والذين يظاهرون من نسائهم) الآيتين)[6] .

وأيضاً مصححة حمران:

-(محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد الحناط، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن امرأة من المسلمين أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا رسول الله إن فلاناً زوجي قد نثرت له بطني، وأعنته على دنياه وآخرته، فلم ير مني مكروها، وأنا أشكوه إلى الله وإليك، قال: فما تشكينه؟ قالت: إنه قال لي اليوم: أنت عليّ حرام كظهر امي، وقد أخرجني من منزلي، فانظر في أمري، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) ما أنزل الله عليَّ كتابا أقضي به بينك وبين زوجك، وأنا أكره أن أكون من المتكلفين، فجعلت تبكي، وتشتكي ما بها إلى الله وإلى رسوله، وانصرفت، فسمع الله محاورتها لرسوله وما شكت إليه، فأنزل الله عزّ وجلّ بذلك قرآنا: (بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) يعني: محاروتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في زوجها (إن الله سميع بصير الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن امهاتهم إن امهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور) فبعث رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى المرأة، فأتته، فقال لها: جيئيني بزوجك، فأتته به، فقال: أقلت لامرأتك هذه: أنت عليَّ حرام كظهر امي؟ فقال: قد قلت ذلك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أنزل الله فيك قرآناً، فقرأ عليه ما أنزل الله من قوله: (قد سمع الله قول التي تجادلك ـ إلى قوله: ـ إن الله لعفو غفور) فضم امرأتك إليك، فإنك قد قلت منكرا من القول وزوراً، قد عفا الله عنك، وغفر لك فلا تعد، فانصرف الرجل، وهو نادم على ما قال لامرأته، وكره الله ذلك للمؤمنين بعد، فأنزل الله عزّ وجلّ: (والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا) يعني: ما قال الرجل الأوّل لامرأته: أنت عليَّ حرام كظهر اميّ، قال: فمن قالها بعدما عفا الله وغفر للرجل الأوّل فان عليه (تحرير رقبة من قبل أن يتماسا) يعني: مجامعتها (ذلكم توعظون به والله بما تعلمون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكيناً) فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا، وقال: (ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله) فجعل الله عزّ وجلّ هذا حد الظهار)[7] .


[1] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص353.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص296، أبواب الخلع والمباراة، باب9، ح4، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص295، أبواب الخلع والمباراة، باب8، ح3، ط آل البيت.
[4] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص354.
[5] سورة المجادلة، الآية2.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص303، أبواب الظهار، باب1، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص304، أبواب الظهار، باب1، ح2، ط آل البيت.