الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

37/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الخلع والمباراة.

مسألة (18): المباراة قسم من الطلاق، فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدمة ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة، وتقع بلفظ الطلاق بأن يقول الزوج بعد ما بذلت له شيئاً ليطلقها: " أنت طالق على ما بذلت " ولو قرنه بلفظ " بارأتك " كان الفراق بلفظ الطلاق من غير دخل للفظ " بارأتك " ولا يقع بقوله " بارأتك " مجرداً.[1]

مسألة 18 – المباراة لغة بمعنى المفارقة، وهي من التبرأ، والحال أنه يتبرأ منها وتتبرّأ منه، وعليه يتفارقان.

وأما شرعاً فهي قسم من أقسام الطلاق حسبما دلت عليه الروايات العديدة التي تقدّم البعض منها كصحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع:

-(عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع، هل تبين منه بذلك، (أو تكون) امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال: تبين منه، وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها، وتكون امرأته فعلت، فقلت: فانّه قد روي لنا أنها لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق، قال: ليس ذلك إذا خلع، فقلت: تبين منه؟ قال: نعم)[2] .

ويعتبر فيها ما يعتبر في الطلاق من وقوعها بحضور شاهدي عدل، وأن تكون بطهرٍ لم يواقعها فيه، ويزيد عليه أنه بعوض ما تبذله المرأة من الفداء لاجل الكراهة وبذلك فهو كالخلع أو بمنزلته كما دلت عليه النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) منها صحيح زرارة:

-(عن الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشا، عن أبان، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن عدة المختلعة، كم هي؟ قال: عدة المطلقة، ولتعتدّ في بيتها، والمبارئة بمنزلة المختلعة)[3] .

غاية ما في الأمر أنه طلاق بائن وذلك للإجماع وظاهر النصوص منها رواية اسماعيل الجعفي (مصححة):

-(عن محمّد بن يحيى مثله. وبإسناده عن علي بن الحسن، عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن جميل بن دراج، عن إسماعيل الجعفي[4] ، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: المباراة تطليقة بائن، وليس فيها رجعة)[5] .

وايضاً لصحيح حمران:

-(عن عمرو بن عثمّان، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يتحدّث، قال: المباراة تبين من ساعتها من غير طلاق، ولا ميراث بينهما، لانّ العصمة منها قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج)[6] .

وأما قول الماتن (قده): (وتقع بلفظ الطلاق مجرداً بأن يقول الزوج بعدما بذلت المرأة شيئاً ليُطلقها: (أنت طالق على ما بذلت)، وتقع أيضاً بلفظ (بارأتك) متبعاً بلفظ الطلاق بأن يقول الزوج: (بارأتك على كذا فأنت طالق). فذلك أولاً للإجماع وقد ارسلوا ذلك ارسال المسلمات (أنها ضرب من الخلع)، والمباراة كما قلنا منزلة منزلة الخلع وحقيقتها هو الخلع لجهة تحقق الكراهة من الزوجة والفدية منها له، غاية ما في الأمر أنها تشتمل على كراهة الزوج أيضاً.

هذا إضافة إلى اطلاق النصوص المتقدمة في المقام وأنه كالخلع وتقدم في الخلع كفاية الطلاق فيه مجرداً أيضاً والمباراة فردٌ منه.

وأما قول الماتن (قده): (ولا يقع بلفظ بارأتك مجرداً).

نقول: إن تم الإجماع على ذلك كما ادعاه الشيخ (قده) حيث قال: ( الذي اعمل عليه في المباراة أنه لا يقع بها فرقة ما لم يُتبعها بطلاق، وهو مذهب جميع اصحابنا المحصلين ... )[7] .

وهكذا حكي عن أكثر الفقهاء ممّن جاء بعده (قده) فإن تم ذلك وقلنا بتقديم الإجماع على النص فبه، وإلا فالمسألة لا تخلو من تأمل، وذلك لورود الروايات على خلاف ذلك باعتبار أن الظاهر منها حصول الفرقة بين الزوجين وإن لم يتبع بالطلاق منها: موثق جميل بن دراج:

-(عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن جميل بن دراج، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: المباراة تكون من غير أن يتبعها الطلاق)[8] .

وصحيح حمران:

-(عن عمرو بن عثمّان، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يتحدّث، قال: المباراة تبين من ساعتها من غير طلاق، ولا ميراث بينهما، لانّ العصمة منها قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج)[9] .


[1] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص353.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص286، أبواب الخلع والمباراة، باب3، ح9، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص298، أبواب الخلع والمباراة، باب10، ح4، ط آل البيت.
[4] الاقوى صحة ماورد عن محمّد بن حكيم وإسماعيل الجعفي.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص296، أبواب الخلع والمباراة، باب9، ح2، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص296، أبواب الخلع والمباراة، باب9، ح3، ط آل البيت.
[7] نهاية المرام في تتميم مجمع الفائدة والبرهان، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج2، ص145.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص296، أبواب الخلع والمباراة، باب9، ح4، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص296، أبواب الخلع والمباراة، باب9، ح3، ط آل البيت.