الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

37/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق.

القول في الرجعة:

مسألة (7): الظاهر أن جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير قابل للاسقاط، وليس حقاً قابلاً له كالخيار في البيع الخياري فلو أسقطه لم يسقط، وله الرجوع، وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو بغير عوض.[1]

 

مسألة 7 – لا إشكال في كون الحقوق مما تقبل الإسقاط، بخلاف الأحكام فإنها غير قابلة للسقوط والإسقاط، ولكن عند الشك في شيءٍ أنه حقٌ أو حكمٌ، فإن معنى ذلك رجوع الأمر بحقيقة الحال إلى أنه قابل للسقوط والإسقاط أو، لا؟.

وعندئذ فمن المعلوم هو أصالة عدم السقوط بعد ثبوته، فإذا شككنا بسقوطه أولاً: فالأصل عدمه.

وقد ذهب البعض إلى الإستدلال على كون الرجوع من الحقوق فهي قابلة للسقوط متمسكاً بقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)[2] .

ولكن غير متجه وذلك لأن الآية الكريمة ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بل هي ناظرة إلى أولوية الإرجاع.

ومنه يعلم عدم صحة المصالحة عليه بعوضٍ أو بغير عوض.

 

كتاب الخلع والمباراة

مسألة (1): الخلع هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها.فهو قسم من الطلاق يعتبر فيه جميع شروطه المتقدمة، ويزيد عليها بأنه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصة، فإن كانت الكراهة من الطرفين فهو مباراة، وإن كانت من طرف الزوج خاصة لم يكن خلعا ولا مباراة.[3]

 

مسألة 1 – الخلع إسم مصدر، ومصدرُه خلع بالفتح كالغَسل والغُسل.

وأصله في اللغة بمعنى النزع وعرفاً وشرعاً كذلك لقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[4]

والمرأة عندما تخلع زوجها فهي تنتزع هذا اللباس من نفسها بطلبها الطلاق، والمحصل أن النزع هو المشترك بين اللغة والعرف والشرع.

نعم أضاف الإسلام شروطاً للمخالعة، ومنها أن تقدم لزوجها فداءً ليختلعها عليه. ومن ذلك يفهم ما قاله الجوهري (وبالضم طلاق المرأة ببذل منها أو من غيرها).

وقال الفيومي: (والإسم الخُلع بالضم، وهو إستعارة من خلع اللباس لأن كلَّ واحد منهما خالعٌ للآخر، فإذا فعلا ذلك فكأن كل واحد منهما نزع لباسه عنه).

ثم إن الكراهة بين الزوجين تكون :1 - من الزواج خاصة فهو ليس من الخلع ولا المباراة، بل هو الطلاق المعروف من الزوج بلا خصوصية زائدة.

2 – من الزوجة فتبذل له الفداء لتمنع نفسها عن زوجها أو ليختلعها على ما بذلت وهو المسمى (خُلعاً).

3 – الكراهة من الطرفين وهو المسمى بالمباراة بمعنى أن كلَّ واحد منهما يتبرأ من الآخر مع بذل الفدية من الزوجة وسيأتي بيانها.

وأصل مشروعية الخلع قولُه تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[5] .

بالإضافة إلى الإجماع بين المسلمين والروايات العديدة على ذلك ويعتبر فيه جميع شروط الطلاق المتقدمة منها:

-(محمّد بن الحسن، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إذا قالت المرأة لزوجها جملة: لا اطيع لك أمراً، مفسرا وغير مفسّر، حلّ له ما أخذ منها، وليس له عليها رجعة)[6] .

-( محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: عدة المختلعة عدة المطلقة، وخلعها طلاقها من غير أن يسمى طلاقاً)[7] .

-(عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع، هل تبين منه بذلك، (أو تكون) امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال: تبين منه، وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها، وتكون امرأته فعلت، فقلت: فانّه قد روي لنا أنها لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق، قال: ليس ذلك إذا خلع، فقلت: تبين منه؟ قال: نعم)[8] .

وغيرها من الروايات).

راجع (ئل ب 6 من ابواب الخلع والمباراة في رواية محمد بن مسلم وصحيحه)

طبعاً فيما لو كانت مدخولاً بها وغير يائس ولا صغيرة كما تقدم.

 


[1] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص348.
[2] البقرة، ﴿228﴾.
[3] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص349.
[4] البقرة، الآية ﴿187﴾.
[5] البقرة، الآية ﴿229﴾.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص283، أبواب الخلع والمباراة، باب1، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص285، أبواب الخلع والمباراة، باب3، ح4، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص286، أبواب الخلع والمباراة، باب3، ح9، ط آل البيت.