الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

37/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الطلاق.
القول في الرجعة:

مسألة (2): لا تتوقف حلية الوطء وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ولا على قصد الرجوع به لأن الرجعية بحكم الزوجة، وهل يعتبر في كونه رجوعاً أن يقصد به الرجوع؟ قولان، أقواهما العدم، ولو قصد عدم الرجوع وعدم التمسك بالزوجية ففي كونه رجوعاً تأمل، نعم في خصوص الغشيان غير بعيد، ولا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم. مما لا قصد فيه للفعل، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلقة كما لو واقعها باعتقاد أنها غيرها .[1]

مسألة 2 - تقدم الكلام عن هذه المسألة في المسألة السابقة فراجع.
وما ذكره السيد الماتن (قده) إنما دليله إطلاق الأدلة وإتفاق الفقهاء على ذلك نعم إن قلت: إن الزوجية قد زالت بالطلاق فلا يصح الرجوع إلا بالقصد، فيكون الرجوع متقوماً بالقصد.
قلت: بأن الزوجية باقية بجهة من الجهات، بعد فرض كون المطلقة الرجعية زوجة، ولا تنتفي الزوجية بالمرَّة وكلياً بمجرد الطلاق الرجعي كما في الطلاق البائن، أو بمن إنقضت عدتها.
وبالتالي فالرجعية ما دامت في العدة بحكم الزوجة كما تقدم ويترتب عليها الآثار من غير حاجة إلى قصد الرجوع.
نعم لا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ونحوها مما لا قصد فيه للفعل وذلك لأن قصد الرجوع بالفعل شيء آخر يختلف عن قصد أصل الفعل، كما في القبلة واللمس مثلاً، وحينئذ فعدم قصد الرجوع لا يستلزم عدم قصد الفعل، فيرجع إلى أصالة بقاء العدة، وعدم تحقق الرجوع في الفعل الصادر من النائم والغافل ونحوه.
وخلاصة القول: فالسهو والغفلة مانعان عن الرجوع، وليس قصد الرجوع شرطاً. نعم لا عبرة بالفعل بالمقصود به غير المطلقة كما لو واقعها بإعتقاد انها غيرها، وذلك لعدم قصد الفعل بالنسبة الى المطلقة، فيكون من وقوع الفعل عليها كالنائم والساهي، والمعتبر هو قصد الفعل لا مجرد وقوع الفعل.

مسألة (3): لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدة كان ذلك رجوعاً وإن علم كذبه[2].

مسألة 3 – ويدل عليه الإجماع، وصحيح أبي ولاّد (الحناط) عن مولانا الصادق (عليه السلام)
-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب عن أبي ولاد الحناط، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سألته عن امرأة ادعت على زوجها أنه طلقها تطليقة طلاق العدة طلاقاً صحيحاً ـ يعني: على طهر من غير جماع ـ وأشهد لها شهوداً على ذلك، ثمّ أنكر الزوج بعد ذلك، فقال: إن كان إنكار الطلاق قبل انقضاء العدّة، فإن إنكاره الطلاق رجعة لها، وإن كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة، فإن على الامام أن يفرق بينهما بعد شهادة الشهود، بعد أن تستحلف أن إنكاره للطلاق بعد انقضاء العدّة، وهو خاطب من الخطاب)[3].
ومنه نقول بعدم الفرق في ذلك بين صورة الشك وصورة العلم بالكذب وذلك لإطلاق الدليل المبين لذلك لوضوح دلالته وصحة سنده.

مسألة (4): لا يعتبر الاشهاد في الرجعة وإن استحب دفعا لوقوع التخاصم والنزاع، وكذا لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها، فإن راجعها من دون اطلاع أحد صحت واقعا، لكن لو ادعاها بعد انقضاء العدة ولم تصدقه الزوجة لم تسمع دعواه، غاية الأمر له عليها يمين نفي العلم لو ادعى عليها العلم، كما أنه لو ادعى الرجوع الفعلي كالوطء وأنكرته كان القول قولها بيمينها لكن على البت لا على نفي العلم.[4]


مسألة 4 – أما عدم إعتبار الإشهاد فللإجماع والنصوص المستفيضة على ذلك وتتضمن إستحباب الإشهاد منها صحيحة محمد بن مسلم:
-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: سألته عن رجل طلق امرأته واحدة، قال: هو أملك برجعتها ما لم تنقض العدة، قلت: فإن لم يشهد على رجعتها؟ قال: فليشهد، قلت: فإن غفل عن ذلك؟ قال: فليشهد حين يذكر، وإنّما جعل ذلك لمكان الميراث).[5]
ومنها صحيحة الحلبي:
-(عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الذي يراجع ولم يشهد، قال: يشهد أحب إلي، ولا أرى بالذي صنع بأساً).[6]
ومنها صحيحة محمد بن مسلم:
-(عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة، ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن الطلاق لا يكون بغير شهود، وإن الرجعة بغير شهود رجعة، ولكن ليشهد بعد، فهو أفضل).[7]
وغيرها كثير راجع
-(عن أبي علي الاشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، وعن محمّد بن جعفر أبي العباس الرزاز، عن أيوب بن نوح، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه ـ جميعاً ـ عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: طلاق السنّة: يطلقها تطليقة ـ يعني: على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ـ ثمّ يدعها حتى تمضى أقراؤها، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه، وهو خاطب من الخطّاب، إن شاءت نكحته، وإن شاءت فلا، وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها، فتكون عنده على التطليقة الماضية. قال: وقال أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) وهو قول الله عزّ وجلّ: (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) التطليقة الثانية: التسريح باحسان).[8]
-(عن أبي علي الاشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه ـ جميعا ـ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم جميعا، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سألته عن طلاق السنّة، كيف يطلق الرجل امرأته؟ قال: يطلقها في [طهر] قبل عدتها من غير جماع بشهود، فان طلقها واحدة، ثمّ تركها حتى يخلو أجلها فقد بانت منه، وهو خاطب من الخطاب، فان راجعها فهي عنده على تطليقة ماضية وبقي تطليقتان، فإن طلقها الثانية ثمّ تركها حتى يخلو أحلها فقد بانت منه، وإن هو شهد على رجعتها قبل أن يخلو أجلها فهي عنده على تطليقتين ماضيتين وبقت واحدة، فان طلقها الثالثة فقد بانت منه، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وهي ترث، وتورث ما كان له عليها رجعة من التطليقتين الأوّلتين).[9]
-(عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: طلاق السنّة: إذا طهرت المرأة فليطلقها مكانها واحدة في غير جماع، يشهد على طلاقها، وإذا أراد أن يراجعها أشهد على المراجعة. أقول: المراد بالسنة هنا: المعنى الاعم الشامل لطلاق العدة، لا الاخص المقابل له).[10]
-(محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه ـ جميعاً ـ عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: وأما طلاق العدة الذي قال الله عزّ وجلّ: (فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) فاذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها، ثمّ يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين، ويراجعها من يومه ذلك إن أحب أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها حتى تحيض، فاذا حاضت وخرجت من حيضها طلقها تطليقة اخرى من غير جماع يشهد على ذلك، ثمّ يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض، ويشهد على رجعتها ويواقعها، وتكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة، فاذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع ويشهد على ذلك، فاذا فعل ذلك فقد بانت منه، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، قيل له: وإن كانت ممن لا تحيض؟ فقال: مثل هذه، تطلق طلاق السنة).[11]
-(محمّد بن علي بن الحسين بإسناده، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، أنّه سأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل تكون عنده المرأة، يصمت ولا يتكلّم، قال: أخرس هو؟ قلت: نعم، ويعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها، أيجوز أن يطلق عنه وليه؟ قال: لا، ولكن يكتب ويشهد على ذلك، قلت: أصلحك الله، فانّه لا يكتب، ولا يسمع، كيف يطلقها؟ قال: بالذي يعرف به من أفعاله مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها) [12].
-(عن إسماعيل بن مرار، عن يونس في رجل أخرس كتب في الارض بطلاق امرأته، قال: إذا فعل في قبل الطهر بشهود، وفهم عنه كما يفهم عن مثله، ويريد الطلاق، جاز طلاقه على السنة).[13]
لكن لو إدعاها بعد إنقضاء العدة ولم تصدقه الزوجة لم تسمع دعواه وذلك لأصالة عدم ترتب الأثر إلا بحجة بينة معتبرة عادلة، أو يمين قاطعة ويدل عليه:
موثقة زرارة:
-(عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن سماعة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ حرام فقال: لو كان لي عليه سلطان لاوجعت رأسه، وقلت له: الله أحلها، فمن حرمها عليك؟ أنّه لم يزد على أن كذب، فزعم أن ما أحل الله له حرام، ولا يدخل عليه طلاق ولا كفارة، فقلت له: فقول الله عزّ وجلّ: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) فجعل عليه فيه الكفّارة، فقال: إنما حرم عليه جاريته مارية، وحلف أن لا يقربها، وإنما جعل عليه الكفارة في الحلف، ولم يجعل عليه في التحريم)[14].

وعندئذ عليها يمين نفي العلم لو إدعى عليها العلم بذلك، لأن (البينة على من إدعى واليمين على من أنكر) وهذه منه فمع إنكارها تحلف على نفي العلم.
وكذا حال الصورة التي بعدها كما لو إدعى الرجوع الفعلي كالوطئ وأنكرته فلإصالة عدم وقوع الفعل فيقدم قولها مع اليمين ولكنه على البت لا على نفي العلم لأن الوطئ متقوم بالطرفين فيصح الحلف على البت. والله العالم.


[1]   تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج 2، ص347.
[2]   تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج 2، ص347.
[3]   وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص136، أبواب اقسام الطلاق، باب14،ح1، ط آل البيت.
[4]   تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج 2، ص348..
[5]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص134، أبواب اقسام الطلاق، باب13،ح1، ط آل البيت.
[6]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص134، أبواب اقسام الطلاق، باب13،ح2، ط آل البيت.
[7]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص134، أبواب اقسام الطلاق، باب13،ح3، ط آل البيت.
[8]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص7، أبواب اقسام الطلاق، باب1،ح2، ط آل البيت.
[9]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص8، أبواب اقسام الطلاق، باب1،ح4، ط آل البيت.
[10]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص8، أبواب اقسام الطلاق، باب1،ح6، ط آل البيت.
[11]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص9، أبواب اقسام الطلاق، باب2،ح1، ط آل البيت.
[12]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص37، أبواب اقسام الطلاق، باب19،ح1، ط آل البيت.
[13]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص38، أبواب اقسام الطلاق، باب19،ح4، ط آل البيت.
[14]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص38، أبواب اقسام الطلاق، باب15،ح2، ط آل البيت.