الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

37/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق.

القول في العدد. (أقسام العدد)

القول في عدة وطء الشبهةمسألة (12): لا يجوز لمن طلق رجعياً أن يخرج المطلقة من بيته حتى تنقضي عدتها إلا أن تأتي بفاحشة توجب الحد أو تأتي بما يوجب النشوز، وأما مطلق المعصية فلا توجب جواز إخراجها، وأما البذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا لم ينته إلى النشوز ففي كونه موجباً له إشكال وتأمل، ولا يبعد أن يكون ما يوجب الحد موجباً لسقوط حقها مطلقاً، وما يوجب النشوز.موجباً لسقوطه ما دام بقائها عليه، وإذا رجعت رجع حقها، وكذا لا يجوز لها الخروج بدون إذن زوجها إلا لضرورة أو أداء واجب مضيق.[1]

 

مسألة 12 – تقدم أن المطلقة رجعياً هي بحكم الزوجة حتى تنقضي عدتها وعليه فيجب على مطلقها أن ينفق عليها بتمام وجوب النفقة من المأكل والمشرب والمسكن وهو بيت الزوجية بحيث الإنفاق عليها.

ومن الأحكام في المقام عدم جواز إخراجها من بيتها وعدم جواز خروجها منه وذلك بنص الآية الشريفة بقوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [2] .

ويدل عليه من الروايات العديدة منها:

صحيحة سعد بن ابي خلف:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن سعد بن أبي خلف، قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن شيء من الطلاق، فقال: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلّقها، وملكت نفسها، ولا سبيل له عليها، وتعتد حيث شاءت ولا نفقة لها، قال: قلت: أليس الله عزّ وجلّ يقول: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) قال: فقال: إنما عنى بذلك: التي تطلق تطليقة بعد تطليقة، فتلك التي لا تخرج، ولا تخرج حتى تطلّق الثالثة، فاذا طلقت الثالثة فقد بانت منه، ولا نفقة لها، والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة، ثمّ يدعها حتى يخلو أجلها، فهذه أيضا تقعد في منزل زوجها، ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها)[3] .

وأيضاً:

-( محمّد بن الحسن بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نصر، عن جميل، عن عبد الحميد الطائي ،عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (قلت له): الرجعة بغير جماع تكون رجعة ؟ قال: نعم)[4]

صحيحة الحلبي:

-(محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا باذن زوجها حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إن لم تحض)[5] .صحيحة الحلبي:

-(عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: لا يضار الرجل امرأته إذا طلّقها، فيضيّق عليها (قبل أن) تنتقل، قبل أن تنقضي عدتها، فان الله قد نهى عن ذلك، فقال: (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ))[6] .

موثقة سماعة:-(عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمّان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، قال: سألته عن المطلّقة، أين تعتدُّ ؟ فقال: في بيتها، لا تخرج)[7] .

موثقة اسحاق بن عمار:-(عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن ابن رباط، عن إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته عن المطلّقة، أين تعتد ؟ فقال: في بيت زوجها)[8] .صحيحة ابي الصباح الكناني:

-(عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال تعتد المطلقة في بيتها، ولا ينبغي للزوج إخراجها، ولا تخرج هي)[9] . موثقة ابي بصير:

-(عن حميد، عن ابن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) في المطلّقة، أين تعتد ؟ فقال: في بيتها إذا كان طلاقا له عليها رجعة، ليس له أن يخرجها، ولا لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها)[10] .

وغيرها من الروايات في نفس الباب وما بعده إلى باب 23 من ص 212- الى ص 221 .

ويمكن بعد أن نضم بعض الروايات المذكورة مع بعضها الآخر أن نستخلص ما يلي:

أولاً: ما تقدم من عدم جواز إخراج المطلقة رجعياً دون البائنة، وعدم جواز خروجهن منه إخراجاً بتاً نهائياً مع عدم الرجوع إليه إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وهو معنى الإخراج الذي يستبطن السخط والكراهة والمراغمة بالقوة، وفي مقابلها عدم خروجها أيضاً لذلك. وليس منه الخروج العادي لزيارة أبويها مثلاً أو لقضاء حاجة لها ورجوعها الى البيت، أو لحج إستحبابي وحضور مأتم عزاء أو درس لازم، طبعاً بإذن زوجها، وما أشبه ذلك مما يُعد من الضروريات الحياتية أو الواجبات والمستحبات الشرعية التي هي قوام المجتمع الإسلامي.

ويدل عليه ما ورد في صحيحة الحلبي المتقدمة:

-(محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا باذن زوجها حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إن لم تحض)[11] .

وأيضاً موثقة معاوية بن عمار:

-(عن حميد، عن ابن سماعة، عن محمّد بن زياد، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها )[12] .

 

وعليه فالمحصل هو جواز الخروج بإذن الزوج للحج وغيره وإن ذكر الحج فإنه من باب ذكر الموارد الجائزة، وعلى أي حال فالمناط هو رضا الزوج.

ثانياً: نعم أُستثني من الحكم المذكور (عدم جواز إخراجها وعدم جواز خروجها من بيتها).

ما إذا أتت بفاحشة مبينة. وقد وقع الخلاف في تفسير الفاحشة المبينة بالروايات الواردة وهي نوعين:

1 – ما يظهر منها أنها تفعل ما يجب به الحد فتخرج لإقامته، ومع عدمه فلا يجوز للمطلِّق أن يخرج زوجته من البيت لعدم وجود موضوعه وهو إقامة الحد المستلزم للخروج من بيتها أو لإثبات ذلك عند الحاكم.

ويدل عليه روايات منها:

-(محمّد بن عليِّ بن الحسين، قال: سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال: إلا أن تزني، فتخرج، ويقام عليها الحد)[13] .

-(في كتاب (إكمال الدين): بسند تقدّم في الاجارة في أحاديث ضمان الصائغ إذا أفسد، عن سعد بن عبدالله، عن صاحب الزمان (عليه السلام)، قال: قلت له: أخبرني عن الفاحشة المبينة التي أذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتها، حلّ للزوج أن يخرجها من بيته، قال (عليه السلام): الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا، فإن المرأة إذا زنت، واُقيم عليها الحدّ، ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لاجل الحد، وإذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي، ومن قد أمر الله عزّ وجلّ برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لاحد أن يقربه)[14]

والمراد من رواية سعد بن عبدالله عن مولانا صاحب الزمان (عج) نفي إختصاص الفاحشة بالزنا بل شمولها للسحق أيضاً وإلا فالزنا هو الفرد الواضح للفاحشة.

2 – ما يظهر منه شمول الإيذاء للأهل ببذائة القول والتهكم عليهم وإسقاط كرامتهم والنيل منهم وبالتالي منه ايضاً.

ويدل عليه روايات منها:

-(محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال: أذاها لأهل زوجها، وسوء خلقها)[15] .-(عن علي بن الحسن التيمي، عن عليِّ بن أسباط، عن محمّد بن علي بن جعفر، قال: سأل المأمون الرضا (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال: يعني بالفاحشة المبيّنة: أن تؤذي أهل زوجها، فاذا فعلت فان شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل)[16] .

-(الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) في قوله تعالى: (ولا تخرجوهن من بيوتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال: قيل: هي البذاء على أهله، فيحلّ لهم إخراجها، وهو المرويُّ عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام ))[17] .-(وروى عليّ بن أسباط، عن الرضا (عليه السلام) ،قال: الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها، وتسبّهم)[18] .

 

وقد يستشكل بروايات هذه الطائفة لكونها مرسلة ولكن الأصحاب أخذوا بها وعملوا عليها وفيه وجه وإن كان الأحوط عدمه.

 


[1] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص346.
[2] سورة الطلاق، الآية 1.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص216، ابواب العدد، باب20، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص142، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، باب18، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص212، ابواب العدد، باب18، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص213، ابواب العدد، باب18، ح2، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص213، ابواب العدد، باب18، ح3، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص213، ابواب العدد، باب18، ح4، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص213، ابواب العدد، باب18، ح5، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص214، ابواب العدد، باب18، ح6، ط آل البيت.
[11] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص212، ابواب العدد، باب18، ح1، ط آل البيت.
[12] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص219، ابواب العدد، باب22، ح2، ط آل البيت.
[13] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص220، ابواب العدد، باب23، ح3، ط آل البيت.
[14] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص221، ابواب العدد، باب23، ح4، ط آل البيت.
[15] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص220، ابواب العدد، باب23، ح1، ط آل البيت.
[16] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص220، ابواب العدد، باب23، ح2، ط آل البيت.
[17] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص221، ابواب العدد، باب23، ح5، ط آل البيت.
[18] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص221، ابواب العدد، باب23، ح5، ط آل البيت.