الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

37/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق، القول في العدد. (أقسام العدد)

مسألة (11): لو طلقت الحائل أو انفسخ نكاحها فإن كانت مستقيمة الحيض بأن تحيض في كل شهر مرة كانت عدتها ثلاثة قروء، وكذا إذا تحيض في كل شهر أزيد من مرة أو ترى الدم في كل شهرين مرة، وبالجملة كان الطهر الفاصل بين حيضتين أقل من ثلاثة أشهر، وإن كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض - إما لكونها لم تبلغ الحد الذي ترى الحيض غالب النساء وإما لانقطاعه لمرض أو حمل أو رضاع - كانت عدتها ثلاثة أشهر، ويلحق بها من تحيض لكن الطهر الفاصل بين حيضتين منها ثلاثة أشهر أو أزيد[1] .

تارة تكون المرأة مستقيمة الحيض،كما في التي تحيض في كل شهر مرة أو تحيض في كل شهر أزيد من مرّة، أو ترى الدم في كل شهرين مرة فهذه تعتد بالقروء بلا خلاف أجده بين الأصحاب

وطوراً لا تحيض وهي في سن من تحيض، أو لا تحيض أصلاً وهي كذلك، إما لكونها لم تبلغ الحد الذي ترى الحيض غالب النساء، وإما لإنقطاعه لمرض أو حمل أو رضاع ويلحق بها حكماً من تحيض ولكن الطهر الفاصل بين حيضتين ثلاثة أشهر أو أزيد، وهذه تعتد بالشهور كما هو مشهور الأصحاب.

وقد تقدم أن المراد من القروء هو الأطهار نصاً وفتوى.

وما يدل على كون العدة للمطلقات ثلاثة قروء قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ)[2] .

خرج من تحت إطلاق الآية الكريمة بدليل خاص كل من الحامل واليائس والصغيرة، وغير المدخول بها كما تقدم مفصلاً بالآيات والروايات الصحيحة على ذلك.

ومن الروايات الدالة على كون المراد من القروء (الطهر ).

منها:

-(علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة، قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): سمعت ربيعة الرأي يقول: من رأيي أن الاقراء التي سمى الله عزّ وجلّ في القرآن، إنّما هو الطهر فيما بين الحيضتين، فقال: كذب لم يقل برأيه، ولكنّه إنّما بلغه عن علي (عليه السلام)، فقلت: أكان علي (عليه السلام) يقول ذلك؟ فقال: نعم، إنّما القرء الطهر، يقرؤ فيه الدم، فيجمعه، فاذا جاء المحيض دفعه)[3] .

-(محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر ـ جميعاً ـ عن جميل بن درّاج، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام). قال: القرء ما بين الحيضتين)[4] .

ومنها:

-(وعن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن عبدالله بن جبلة، عن جميل بن درّاج، وصفوان بن يحيى، عن ابن بكير، وجعفر بن سماعة، عن ابن بكير، وجميل كلهم، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: أول دم رأته من الحيضة الثالثة فقد بانت منه)[5] .

-(عن ابن سماعة، عن صفوان، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: المطلقة تبين عند أول قطرة من الدم في القرء الاخير)[6] .-(عن ابن سماعة، عن ابن جبلة، عن إسحاق بن عمّار، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته، قال: هو أحق برجعتها ما لم تقع في الدم الثالث)[7] .

وغيرها من الروايات في (ب 14 – 15) ولكن هناك طائفة ثانية من الروايات على خلاف الطائفة الأولى مما أوقع البعض من الأعلام في علاج التعارض ومحاولة الجمع بينهما.

ومنها:

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمّد بن الحسن بن الجهم، عن عبدالله بن ميمون، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، عن أبيه، قال: قال علي (عليه السلام): إذا طلق الرجل المرأة فهو أحق بها ما لم تغسل من الثالثة)[8] .-(عن أيوب بن نوح، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عمن حدثه، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: جاءت امرأة إلى عمر تسأله عن طلاقها، فقال: اذهبي إلى هذا فاسأليه ـ يعني: عليّاً (عليه السلام) ـ فقالت لعلي (عليه السلام): إن زوجي طلقني، قال: غسلت فرجك؟ فرجعت إلى عمر فقالت، أرسلتني إلى رجل يلعب، فردها إليه مرَّتين، كلّ ذلك ترجع فتقول: يلعب، قال: فقال لها: انطلقي إليه، فانه أعلمنا، قال: فقال لها علي (عليه السلام): غسلت فرجك؟ قالت: لا، قال: فزوجك أحق ببضعك ما لم تغسلي فرجك)[9] .

أقول: حمله الشيخ على التقية في الفتوى، أو في الرواية، ويمكن حمله على الاستحباب بالنسبة إلى المرأة، بمعنى: أنه يستحب لها ترك التزويج إلى أن تغتسل، ويحتمل الحمل على إرادة أول الحيضة الثالثة لا آخرها؛ لأنّ غسل الفرج غير غسل الحيض، فكأنّه قال لها: هل رأيت دما من الحيضة الثالثة تحتاجين معه إلى غسل الفرج منه؛ للتنظيف، أو حال الاستنجاء؟

-(عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع، يدعها حتى تدخل في قرئها الثالث، ويحضر غسلها، ثمّ يراجعها، ويشهد على رجعتها، قال: هو أملك بها ما لم تحل لها الصلاة)[10] .

وحيث أنه يتعذر الجمع الدلالي بين الطائفتين في المقام، فلا بد من اللجوء الى المرجحات، والشهرة المحققه رواية وفتوى مع الطائفة الأولى فتقدم على الطائفة الثانية، مع تضمن الطائفة الأولى تكذيب من أمير المؤمنين (عليه السلام) في مفاد الطائفة الثانية بشكل صريح. هذا بالإضافة الى أننا نعلم بعد التأمل في روايات الطلاق أن الكثير منها صدر تقية إلا ما خرج بدليل معتبر من صحيح محكم أو إجماع وما شابه. هذا في مستقيمة الحيض.

 


[1] حرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص336.
[2] سورة البقره – الآية ﴿228﴾.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص201، أبواب العدد، باب14، ح4، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص201، أبواب العدد، باب14، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص206، أبواب العدد، باب15، ح9، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص206، أبواب العدد، باب15، ح10، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص206، أبواب العدد، باب15، ح11، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص207، أبواب العدد، باب15، ح12، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص207، أبواب العدد، باب15، ح13، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص208، أبواب العدد، باب15، ح15، ط آل البيت.