بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

37/02/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الطلاق.
مسألة: (10) لو طلّق الوكيل عن الزوج لا يكتفى‏ به مع عدل آخر في الشاهدين، كما لا يكتفى‏ بالموكّل مع عدل آخر.[1]

مسألة 10- أقول: وهذا من الواضحات التي لا ينبغي الإشكال فيه، وذلك:
أولاً: لكون المرتكزات العرفية قائمة على إعتبار الشاهدين من غير كل من الوكيل والموُكِّل، لأجل كونه المطلِّق وهو مما ينبغي إختلافه عن الشاهد، وأما الثاني فلصدق المطلِّق عليه بإعتبار كونه زوجاً موكِّلاً بطلاقه لشخص يقوم بإنشاء الصيغة.
ثانياً: فإن المنساق من الأدلة إختلاف الوكيل والموكّل مع الشاهدين، ويمكن أن يؤيد ذلك ما رواه محمد بن عيسى اليقطيني:
-(محمّد بن الحسن بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى اليقطينيّ، قال: بعث إلي أبوالحسن (عليه السلام) رزم ثياب ـ إلى أن قال: وأمر بدفع ثلاثمّائة دينار إلى رحيم، زوجة كانت له، وأمرني أن اطلقها عنه، وامتعها بهذا المال، وأمرني أن أشهد على طلاقها صفوان بن يحيى، وآخر نسي محمّد بن عيسى اسمه)[2].
مسألة (11): المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غيره ممّا رتّب عليه بعض الأحكام، كما مرّ في كتاب الصلاة.

مسألة 11 : تقدم منا في ملحقات المسألة (9)؛ أن مفهوم العدالة هو ما عرّفه الإمام (عليه السلام) في صحيحة عبدالله بن يعفور المتقدمة
-(محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبدالله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف، (وكف البطن) والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك، والدلالة على ذلك كله (أن يكون ساتراً) لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن، وحفظ مواقتيهن بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة، فاذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فاذا سئل عنه في قبيله ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيراً، مواظبا على الصلوات، متعاهدا لأوقاتها في مصلاه، فان ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين، وذلك أن الصلاة ستر وكفّارة للذنوب، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن لا يصلي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع، ولولا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لا صلاح له بين المسلمين، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك، وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عزّ وجلّ ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه الحرق في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول :لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة)[3].
وعليه فمفهومها واحد ومعناها لا يختلف بإختلاف الأحكام المترتبة عليها، بل حيثما تحققت بشخص ما فإننا نرتب الأحكام عليها في جميع أبواب الفقه سواءً في مرجع التقليد أم في إمام الجماعة أم في الشاهد وغيرهم.

مسألة (12):  لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلّق - أصيلا ًكان أو وكيلاً- وفاسقين في الواقع يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطّلع على فسقهما. وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكّل، فإنّه يشكل جواز ترتيب آثار الصحّة عليه، بل الأمر فيه أشكل من سابقه.
مسألة12- أقول: تقدم منا: أن العدالة سواءً كانت بمعنى الملكه الراسخة، أم الإستقامة على جادة الشريعة كمسلك حسن وتصرف موزون، فإن الكاشف عن ذلك هو حسن الظاهر لمن لا يعلم بخلاف ذلك ومع إنكشاف الخلاف فلا يمكن ترتيب آثار الصحه على مؤداه وذلك لعدم تحقق العدالة المعتبرة في المقام.
نعم يكفي أن يكون متعارفاً عنه بحسن ظاهره عند المشهور بين الناس وإن خدش به بعض الشواذ منهم أو النفر القليل ممن لا يلتفت لقوله، ولا يعوّل على رأيه، أو فيمن يضيق دائرة العدالة جداً.
وبالجملة: يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطّلع على فسقهما كما ذكر الماتن(قده) وذلك لإنكشاف عدم كونهما أو أحدهما حسن الظاهر الذي هي العلامة والمعيار والمناط في الشاهد نعم يكفي إحراز العدالة عند المتعارف، لئلا تثبت أبداً.


[1]  تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج 2، ص331.
[2]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص91، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب39، ح6، ط آل البيت.
[3]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 27، ص391، أبواب الشهادات، باب41، ح1، ط آل البيت.