بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

37/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الطلاق.

مسألة: (7) لو كرر صيغة الطلاق ثلاث فقال: هي طالق هي طالق هي طالق  من دون تخلل رجعة في البين قاصدا تعدده تقع واحدة ولغت الأخريان، ولو قال: هي طالق ثلاث لم يقع الثلاث قطعا، والأقوى وقوع واحدة كالصورة السابقة.


مسألة 7_ الواضح من كلام الماتن (قده)، عدم الفرق بين صورتي وصيغتي الطلاق سواء كانت على نحو الإرسال بقوله: (هي طالق ثلاثاً) أم كانت على نحو الولاء بقوله: (هي طالق، هي طالق، هي طالق).
غاية ما في الأمر أن الثانية جزم بصحة وقوعه واحدة) بلا تردد) وألغي الثانية والثالثة بخلاف الأولى فإنه قوّى الصحة في قبال المشهور القائل بعدم الصحة فيها.
فأما ما ذهب اليه (قده)، في صورة الطلاق ثلاثاً ولاءً فأدُعي عليه الإجماع وعليه النصوص الصحيحة الصريحة في المقام منها:
 (عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، وسهل بن زياد ـجميعاًـ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد، وهي طاهر؟ قال: هي واحدة).[1]
(وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، (عن زرارة)، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: سألته عن الذي يطلق في حال طهر في مجلس ثلاثا؟ قال: هي واحدة).[2]
)وعنه، عن أبيه، وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن شهاب بن عبد ربه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: قلت: فطلقها ثلاثا في مقعد، قال: ترد إلى السنة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء، فقد بانت منه بواحدة).[3]
(وعن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن جعفر بن سماعة، وعلي بن خالد، عن عبد الكريم بن عمرو، عن عمرو بن البراء، قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): إنّ أصحابنا يقولون: إن الرجل إذا طلق امرأته مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة، وقد كان يبلغنا عنك وعن آبائك أنهم كانوا يقولون: إذا طلق مرة أو مائة مرة فانما هي واحدة، فقال: هو كما بلغكم ).[4]
(وبإسناده، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن عليِّ بن أسباط، عن محمّد بن حمران، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) في التي تطلق في حال طهر في مجلس ثلاثا، قال: هي واحدة).[5]
(عن محمّد بن عبدالله بن زرارة، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر ابن اُذينة، عن بكير بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن طلقها للعدة أكثر من واحدة، فليس الفضل على الواحدة بطلاق).[6]
(وبإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن عن أبي محمّد الوابشي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل ولىّ [ امر ] امرأته رجلاً، وأمره أن يطلقها على السنّة، فطلّقها ثلاثا في مقعد واحد قال: يرد إلى السنة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت بواحدة).[7]
(وبإسناده، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) وهو يقول: طلق عبدالله بن عمر امرأته ثلاثاً، فجعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) واحدة، فردّها إلى الكتاب والسنة. أقول: هذا محمول على كونه طلقها في طهر لم يجامعها فيه ولا ينافي ما تقدم لاحتمال كونه طلقها مرّتين، مرّة في الحيض، وكان طلاقها باطلاً، ومرّة في الطهر، فوقعت واحدة، ويحتمل التقية في الرواية؛ لما مرّ).[8]
فصحيح زرارة عن مولانا الصادق (عليه السلام) والثاني عن أحدهما (عليهما السلام) وغيرها مما سيأتي.
وهذا مما لا ينبغي الإشكال فيه، بالإضافة الى كونه مقتضى القاعدة لوجود المقتضي وفقد المانع لصحة الواحدة،إضف الى إطلاقات الأدلة.
إن قلت: إن صحيح أبي بصير دالٌ على بطلان الطلاق رأساً كقوله: (عليه السلام( (من طلق ثلاثاً في مجلس واحد فليس بشيء، (
(وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشيء، من خالف كتاب الله عزّ وجلّ رد إلى كتاب الله عزّ وجلّ. وذكر طلاق ابن عمر) [9].
وغيره كما سيأتي مثله.

قلت: (ليس بشيء) يمكن حمله على الثلاثة وليس على الواحدة فيصح واحدة وتلغى الأخريان، أو يمكن حمله على ما لو كان فاقداً لبعض الشرائط.
بقي رواية محمد بن سعيد عن الإمام الصادق( عليه السلام (
(عن إبراهيم، عن جماعة من أصحابنا، عن محمّد بن (سعيد الاموي)، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل طلق ثلاثاً في مقعد واحد؟ قال: فقال: أما أنا فأراه قد لزمه، وأما أبي فكان يرى ذلك واحدة).[10]

 فهو مما لا يخفى أنه دالٌ على التقية وذلك لعدم إمكانية مخالفة الإمام المعصوم لأبيه المعصوم في حكم واحد وخاصة حال موت أبيه (عليهما السلام).
وأما صورة الإرسال(هي طالق ثلاثاً) فقد ذهب بعض المتقدمين من قبيل إبن عقيل وحمزه وسلار الى البطلان في المقام إعتماداً على بعض النصوص الظاهره في البطلان منها:
(سعد بن عبدالله في (بصائر الدرجات): عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، والحسن بن موسى الخشّاب، ومحمّد بن عيسى بن عبيد، عن علي بن أسباط، عن يونس، عن بكار بن أبي بكر، عن موسى بن أشيم، قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام)، إذ أتاه رجل، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً في مقعد، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): قد بانت منه بثلاث، ثمّ جاءه آخر، فسأله عن تلك المسألة بعينها، فقال: ليس بطلاق، فأظلم علي البيت لما رأيت منه، فالتفت إلي فقال: يا ابن أشيم! إن الله فوض الملك إلى سليمان، فقال: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب)، وإنّ الله فوض إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) أمر دينه، فقال: (وما آتيكم الرسول فخذوه ومانهيكم عنه فانتهوا)، فما كان مفوضا إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) فقد فوض إلينا) [11].
(وعن يحيى بزكريا البصري، عن عدة من أصحابنا، عن موسى بن أشيم، قال: دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام)، فسألته عن رجل طلق امرأته ثلاثاً في مجلس؟ فقال: ليس بشيء، فأنا في مجلسي إذ دخل عليه رجل، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثًا في مجلس، فقال: ترد الثلاث إلى واحدة، فقد وقعت واحدة، ولا يردّ ما فوق الثلاث إلى الثلاث، ولا إلى الواحد، فنحن كذلك إذ جاءه آخر، فقال له: ما تقول في رجل طلق امرأته ثلاثاً في مجلس؟ فقال: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا بانت منه، فلم تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره، فأظلم علي البيت، وتحيّرت من جوابه في مجلس واحد بثلاثة أجوبة مختلفة في مسألة واحدة، فقال: يا أبن أشيم! أشككت؟ ود الشيطان أنك شككت، إذا طلق الرجل امرأته على غير طهر ولغير عدّة ـ كما قال الله عزّ وجلّ ـ ثلاثًا أو واحدة، فليس طلاقه بطلاق، وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً وهي على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين، فقد وقعت واحدة وبطلت الثنتان، ولا يرّد ما فوق الواحدة إلى الثلاث، ولا إلى الواحدة، وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً على العدّة ـ كما أمر الله عزّ وجلّ ـ فقد بانت منه، ولا تحلّ له، حتى تنكح زوجا غيره، فلا تشكن يا ابن أشيم، ففي كلّ ـ والله ـ من ذلك الحق).[12]  وغيرها.
قد يقال بإستحكام التعارض بين الطائفتين من الروايات ومن ثم التساقط لعدم إمكان الجمع الدلالي  بينهما إن لم يكن بين كلهما فلا أقل في جلهما كما ذهب البعض الى ذلك.
ومن ثم التساقط والأخذ بالمرجحات وأولها الشهرة كما في مقبولة عمرو بن حنظلة في كتاب القضاء وبالتالي فالقول كما في المتن.
 ولكن عند التأمل نجد بأن أكثر الروايات القائلة بالبطلان إما مطروحة لضعف السند وأكثرها كذلك وإما مؤولة بما تقدم (ليس بشيء) محمولة على ليس بشيء في وقوع الثلاث بل تقع واحدة.وغير ذلك.
لاحظ ما رواه الخزاز عن مولانا أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)

(وعنه، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخرّاز (1)، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: كنت عنده، فجاء رجل، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، قال: بانت منه، قال: فذهب، ثمّ جاء رجل آخر من أصحابنا، فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا، فقال: تطليقة، وجاء آخر، فقال: رجل طلق امرأته ثلاثاً، فقال: ليس بشيء، ثمّ نظر إليّ، فقال: هو ماترى، قال: قلت : كيف هذا؟ قال: هذا يرى أن من طلق امرأته ثلاثاً حرمت عليه، وأنا أرى أن من طلق امرأته ثلاثاً على السنة فقد بانت منه، ورجل طلق امرأته ثلاثاً، وهي على طهر فإنما هي واحدة، ورجل طلق امرأته ثلاثاً على غير طهر فليس بشيء)[13].

فتشمل الرواية على الصحة مطلقاً من جهة وما دل على البطلان مطلقاً وما دل على  صحة الواحدة دون البقية.
ومن الواضح أنه لا يمكن أن تكون كلها دالة على الحكم الواقعي بل لا بد من التأويل ففي الأول (الصحة مطلقاً) تحمل على التقية وفي الثاني (البطلان مطلقاً) تحمل على فقد بعض الشرائط وفي الثالث تحمل على صحة الواحدة دون البقية لكونها بالخصوص واحدة للشرائط.
والمحصل: أننا نميل الى ما ذهب اليه الماتن)  قده( لكونه أوفق بالقواعد.


[1]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 61، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 2، ط آل البيت.
[2]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 61، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 3، ط آل البيت.
[3]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 62، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 4، ط آل البيت.
[4]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 63، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 7، ط آل البيت.
[5]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 64، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 11، ط آل البيت.
[6]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 65، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 12، ط آل البيت.
[7]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 65، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 13، ط آل البيت.
[8]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 67، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 18، ط آل البيت.
[9]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 63، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 8، ط آل البيت.
[10]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 65، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 14، ط آل البيت.
[11]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 70، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 27، ط آل البيت.
[12]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 70، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 28، ط آل البيت.
[13]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 22، ص 66، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب29، ح 16، ط آل البيت.