الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

36/12/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : كتاب الطلاق، القول في الصيغة

مسألة 1: لا يقع الطلاق إلا بصيغة خاصة، وهي قوله: أنت طالق أو فلانة أو هذه أو ما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة، فلا يقع بمثل أنت مطلقة أو (طلقت فلانة) بل ولا (أنت الطالق) فضلا عن الكناية كأنت خلية أو برية أو (حبلك على غاربك) أو (الحقي بأهلك) ونحو ذلك. فلا يقع بها وإن نواه حتى قوله: (اعتدي) المنوي به الطلاق على الأقوى[1] .

لا خلاف بين الفقهاء جميعاً في صحة وقوع الطلاق بالصيغة الأولى:أنت طالق وما شاكلها بهذه المادة المتهيئة بهذه الهيئة الخاصة،وذلك للنصوص الصحيحة وفتاوى الفقهاء.

بالإضافة الى أن النكاح بالأصل عصمةٌ مستفادة من الشرع، لا يُحل ولا يُرفع إلا برافع وإذن خاص من الشارع، وقد دلت الأدلة على كون الرافع هو بقوله: (أنت طالق) وما شاكلها كما تقدم وليس في ذلك خلاف ولا كلام وإنما الكلام في غير هذه الصيغة.

والروايات الدالة على المطلوب عديدة منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف السند وما يهون الخطب أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام).

 

(عن ابن سماعة، عن ابن رباط، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عميرـ جميعا ًـ عن ابن اُذينة، عن محمّد بن مسلم، أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ حرام، أو بائنة، أو بتّة، أو بريّة، أو خليّة؟ قال: هذا كله ليس بشيء إنما الطلاق أن يقول لها في قبل العدة بعدما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق، أو اعتدي، يريد بذلك: الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين)[2] .

 

(محمّد بن يعقوب، عن حميد، عن ابن سماعة ، قال: ليس الطلاق كما روى بكير بن أعين، أن يقول لها، وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق، ويشهد شاهدين عدلين، وكلّ ما سوى ذلك فهي ملغى)[3] .

(عن ابن سماعة، عن محمّد بن زياد، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: يرسل إليها فيقول الرسول: اعتدّي، فاّن فلانا قد فارقك، قال ابن سماعة: وإنما معنى قول الرسول: اعتدي، فانّ فلاناً قد فارقك يعني: الطلاق، أنّه لا تكون فرقة إلا بطلاق)[4] .

 

وأما صحيح محمد بن مسلم فقد نقله العلامة (قده) في المختلف برواية أحمد بن محمد بن أبي نصر في (كتاب الجامع) عن محمد بن سماعة عن محمد بن مسلم وترك قوله أو (إعتدي).(المختلف ص 585 ).

 

ومنها: ما رواه الحلبي عن مولانا أبي عبد الله (ع)

(وعن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبيِّ ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : الطلاق : أن يقول لها : اعتدي ، أو يقول لها : أنت طالق)[5]

ومن مجموع هذه الروايات نفهم بأن هناك صيغة متفق عليها وهي قوله (أنت طالق) ولا خلاف بينهم في صحتها ووقوع الطلاق بها.

وهناك ألفاظ أتفق على عدم وقوع الطلاق بها مثل (خلية) (برِيّة) إلحقي بأهلك،حبلك على غاربك وما أشبه ذلك.

 

فلا يقع بها وإن نواه حتى قوله: (اعتدي) المنوي به الطلاق على الأقوى[6] .

وأما صيغة (إعتدي) فقد وقع الخلاف في وقوع الطلاق بها وعدمه.

فقد ذهب المشهور الى عدم ذلك وأن الصيغة منحصرة بما تقدم وخالف بذلك إبن الجنيد (قده) حيث ذهب الى وقوع الطلاق بقوله (إعتدي) قال (الطلاق لا يقع إلا بلفظ الطلاق أو قوله إعتدي وأما ما عدا ذلك فلا يقع به. واحتج له بصحيحتي أو حسنتي (لان فيها ابراهيم بن هاشم) لا أقل محمد بن مسلم والحلبي المتقدمتين.

وهذا حسنٌ لولا بعض ما يرد عليه:

أولاً: إحتمال إرادة العطف الواوي من كلمة (أو) في الرواية وإلا فلا معنى لقوله إعتدي لأن لها أن تقول: من أي شيء أعتد؟. فلا بد أن يقول إعتدي لأنك طالق.

وعليه فلفظ إعتدي إنما يعتبر إذا تقدم قول الرجل (أنت طالق).

ثانياً: إمكان التقيه ههنا لموافقتها لمذهب العامة.

وثالثاً: قول إبن الجنيد في قبال الشهرة العظيمة إن لم نقل الإجماع لا نرى أنه يقدح في المقام خصوصاً أنه (قده) قد علم من تتبع أحواله وأقواله الميل الى مذهب المخالفين والعمل بأخبارهم والإستناد اليها والإستدلال بها، بل بالقياس الذي منعته الشريعة، كما قاله الشيخ البحراني (قده).

هذا بالإضافة الى أن رواية محمد بن قيس عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام) قال: الطلاق للعدة: أن يطلق الرجل إمرأته عند كل طهر يرسل اليها أن إعتدي، فإن فلاناً قد طلقك.

أو رواية عبد الله بن سنان عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال: يرسل اليها، فيقول الرسول:

إعتدي، فإن فلاناً قد فارقك،قال إبن سماعة: وإنما معنى قول الرسول (ص): إعتدي فإن فلاناً قد فارقك

يعني: الطلاق، أنه لا تكون فرقة إلا بطلاق. [7]

فإنه من الواضح أن الظاهر من الروايتين هو رسالة إخبار عن طلاق سابق، وأمر لها بالإعتداد منه.

وعليه فلا محيص من الأخذ برواية بكير بن أعين المعتضدة بصحيحة محمد بن مسلم فيما رواه البزنطي (قده) في كتاب (الجامع). على ما نقله العلامة في المختلف وترك قوله: (أو إعتدي).

وذلك بحمل إطلاق خبري الحلبي ومحمد بن مسلم فيما دلاّ عليه من أن (إعتدي) صيغة الطلاق على هذين الخبرين من تقدم الطلاق. وأن قوله (إعتدي) إنما هو إخبار عن تقدم الطلاق، وأمر لها بالإعتداد منه. والله العالم.


[1] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص329.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص41، أبواب مقدماته وشرائطه، باب16، ح3، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص41، أبواب مقدماته وشرائطه، باب16، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص41، أبواب مقدماته وشرائطه، باب16، ح2، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص42، أبواب مقدماته وشرائطه، باب16، ح4، ط آل البيت.
[6] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص329.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص41، أبواب مقدماته وشرائطه، باب16، ح2، ط آل البيت.