بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

36/07/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كتاب الطلاق.
مسألة 4 : الاكراه هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده مع التوعيد على تركه بايقاع ما يضر بحاله عليه أو على من يجري مجري نفسه كأبيه ووالده نفسا أو عرضا أو مالا بشرط أن يكون الحامل قادرا على إيقاع ما توعد به مع العلم أو الظن بايقاعه على تقدير عدم امتثاله، بل أو الخوف به وإن لم يكن مظنونا، ويلحق به موضوعا أو حكما ما إذا أمره بايجاد ما يكرهه مع خوف الأمور نم عقوبة والاضرار عليه لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد وتهديد، ولا يلحق به ما لو أوقع الفعل مخالفة إضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه، فلو تزوج بامرأة ثم رأى أنه لو بقيت على حباله لوقعت عليه وقيعة من بعض متعلقيها كأبيها وأخيها مثلا فالتجأ إلى طلاقها فطلقها يصح طلاقها.[1]


 أقول : تقدم أنه ليس للإكراه حقيقة شرعية وإنما المدار على العرف واللغة، ومع إختلاف أهل اللغة بذلك فالمرجع حينئذ على العرف .
وقد تقدم أن لتحقق الكراهة ثلاثة شروط كما ذكرها المحقق في الشرائع[2].
بقوله ( ولا يتحقق الإكراه ما لم يُكمل أمور ثلاثة : كون المكرِه قادراً على فعل ما توعد به،وغلبة الظن بأنه يفعل ذلك مع إمتناع المكرَه،وأن يكون ما توعد به مضراً بالمكرَه في خاصة نفسه،كالأب والولد سواءً كان ذلك الضرر قتلاً أو جرحاً أو شتماً أو ضرباً،ويختلف بحسب منازل المكرَهين في منازل الإهانة . ولا يتحقق الإكراه مع الضرر اليسير ) .
وأما بالنسبة الى الشرط الأول فلكونه لا يمكن صدق الكراهة بدونه إذ ومع عدم القدرة عليه لا يصدق تحقق إكراه الغير وحمله على فعل ما يكرهُه عليه .
وأما الشرط الثاني فيمكن القول بعدم إعتباره،إذ يكفي الإحتمال العقلائي للتخوف حتى ولو لم يكن علماً أو ظناً ويدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن مولانا الصادق عليه السلام)[3].
وأما الثالث فنقول أنه مع عدم الإضرار بالمكرَه فلا يتحقق الإكراه،لعدم صدق الحمل مع عدم الإضرار،ولكن الكلام إنما هو في الإختلاف الكبير بين أفراده .
فالإكراه على المحرمات متفاوته فيما بينها سواءً كان بلحاظ نفس المحرَّم أم بلحاظ ما توعد به الغير وحينئذ لا بد من ملاحظة كل من الأمرين،وأن الحرام هل هو مما لا يرض الشارع بوقوعه بأي حال من الأحوال وعندئذ فلا يجوز الإقدام عليه كما في إكراه الغير على ضرب الآخرين أو شتمهم فضلاً عن جرحهم أو قتلهم ممن كانوا محترمي النفوس وذلك لدفع الضرر المادي عن أنفسهم أو عن من في حكم أنفسهم .
فنقول بعدم جواز ذلك ولو كان الضرر المالي كبيراً . وهكذا فالمسألة متشعبة وأمثلتها كثيرة ومختلفة بإختلاف الأفراد والأحوال .
أو كان الإكراه على محرَم صغير ( إن قلنا بذلك ) وإلا لوقع في ضرر مالي معتد به ويضَر بحاله وحينئذ نقول بأن ذلك موجباً لإرتفاع الحرمه كما يدل عليه حديث الرفع[4].
وملخص القول في المقام : أنه ليس كل إكراه يرفع كل محرَم،بل لا بد من ملاحظة مدى العقوبة المترتبة على المكرَه،وطبيعة المحرّم المكرَه عليه فتأمل فإن المسألة في غاية الإشكال .
هذا وقد فرَّع السيد الماتن (قده) على المسألة بأمرين
الأول : قوله (قده) : ( ويلحق به موضوعاً أو حكماً ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور من عقوبته والإضرار عليه لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد وتهديد ).
نقول بأنه طالما يصدق الإكراه فإن الأدلة تشمله،وذلك المناط هو خوف وقوع الضرر ممّن ألزمه بقيام عمل يكرهه المكرَه وإن لم يتحقق التوعيد والتهديد به ولا يكون عمله صادراً عن طيب نفسه ورضاه .
نقول : هذا مما لا ينبغي الشك فيه وذلك لعدم تحقق الإكراه في المقام إذ معناه كما تقدم ( حمل الغير وإلزامه على ما يكرهه ) . وهنا لا إكراه ولا إلزام،بل إنما أقدم على طلاق زوجته – كما في المثال المضروب – لأجل دفع الضرر عنه فيما لو أبقاها على حباله من أبيها أو أخيها مثلاً ولكن من دون إكراه منهما أو إلزام .
وهذه المسألة من الأمور العرفية العقلائية،فإن العقلاء غالباً ما يُقدمون على فعل العقود أو الإيقاعات،إما لجلب المنفعة،أو لدفع الضرورة ومثله كما لو إضطر زيد لبيع كتبه وإلا لوقع في الضرر من الجوع ومطالبة الديّانيين أو غير ذلك من الأمثلة الكثيرة في المقام .


[1]تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص326.
[2] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقق الحلی، ج3، ص13، ط اسماعیلیان.
[3]وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج22، ص86، أبواب مقدمات الطلاق، باب37، ح2، ط آل البیت.
[4]وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص369، أبواب جهاد النفس، باب56، ط آل البیت.