بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

36/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

مسألة ٢٦ : ( لو دخل في الصلاة بنية القصر، ثم بدا له الاقامة في اثنائها أتمها، وأجزأت .ولو نوى الإقامة ودخل في الصلاة بنية التمام، فبدا له السفر، فإن كان قبل الدخول في الركعة الثالثة، أتمها قصراً، واجتزء بها، وان كان بعده بطلت، ورجع الى القصر ما دام لم يخرج، وإن كان الأحوط اتمامها تماماً، وإعادتها قصراً، والجمع بين القصر والإتمام ما لم يسافر، كما مرّ[1]).

- عليه الإجماع كما عن الذخيرة، ولا خلاف فيه كما عن التذكرة .هذا بعد اطلاق أدلة التمام على المقيم، ويدل عليه بالخصوص صحيح علي بن يقطين

- ( محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن علي بن يقطين، أنه سأل أبا الحسن الاول ( عليه السلام ) ( عن الرجل يخرج في السفر ثم يبدو له في الاقامة وهو في الصلاة، قال : يتم إذا بدت له الاقامة )[2]

هذا بالاضافة الى عدم اعتبار قصد القصر والتمام كما تقدم في بحثنا عن النية .بل كلما صح انطباق القصر عليه يكون قصراً، وكلما صح انطباق التمام عليه يكون تماماً .
نعم لو إنعكس الأمر، كما لو نوى الاقامة ودخل في الصلاة بنية التمام، فبدا له السفر، فتارة يكون ذلك قبل دخوله في الركعة الثالثة وان كان قد قام اليها، وأخرى بعده .
فعلى الأول، يتمها قصراً ويجتزأ بها ولا ينبغي الخلاف في ذلك وصحيح أبي ولاد الحناط ظاهره فيه .

- (محمد بن الحسن بإسناده عن سعد، عن أبي جعفر أحمد بن محمد، عن الحسن ابن محبوب، عن أبي ولاد الحناط قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن اقيم بها عشرة أيامواتم ( الصلاة ثم بدا لي بعد أن اُقيم بها ) ، فما ترى لي، اتم أم اقصر ؟ قال : إن كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها، وإن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا وأتم، وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر، فاذا مضى لك شهر فأتم الصلاة )[3].
وأما بعد دخوله في الركعة الثالثة فتارة يكون ذلك قبل أن يركع وأخرى بعد الركوع فإن كان لم يركع بعدُ، فقد مرّ الكلام فيه في المسألة (١٥) فراجع .وقلنا هناك : انه يهدم قيامه ويسلّم ولا يجب عليه سجدتا السهو لمجرد القيام .
ولا تضر زيادة القيام المفروض لموثقة عمار بن موسى،
( محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن السهو، ما تجب فيه سجدتا السهو ؟ قال : إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبحت، أو أردت أن تسبح فقرأت، فعليك سجدتا السهو، وليس في شيء مما يتم به الصلاة سهو.
وعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ثم ذكر من قبل أن يقدم شيئا أو يحدث شيئا ؟ فقال : ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم بشيء.
وعن الرجل إذا سها في الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو ؟ قال : يسجدهما متى ذكر.
إلى أن قال ـ وعن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر حتى يصلي الفجر، كيف يصنع ؟ قال : لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها الحديث )[4].
إذ فيها : ( اوعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ثم ذكر من قبل أن يقدم شيئاً أو يحدث شيئاً فقال : ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم بشيئ، والمقيم الذي نوى السفر معذور ههنا )، فتأمل .
وأما لو كان بعد دخوله في الركعة الثالثة ثم عدل الى القصر بطلت صلاته بلا شك للزيادة الركنية .

مسألة ٢٧ : ( لا فرق في ايجاب الاقامة - لقطع حكم السفر واتمام الصلاة - بين أن تكون محللة، أو محرّمة، كما اذا قصد الاقامة لغاية محرمة - من قتل مؤمن أو سرقة ماله أو نحو ذلك - كما اذا نهاه عنه والده، أو سيده أو لم يرض بها زوجها )[5].
- اطلاق الروايات المتقدمة خالٍ من وجود ما يصلح للتقييد، اضف الى وجود اجماع على هذا الحكم .

مسألة ٢٨ : ( اذا كان عليه صوم واجب معين غير (شهر) رمضان - كالنذر، أو الاستئجار، أو نحوهما - وجب عليه الإقامة مع الإمكان )[6].

- لا بد من أن يكون مراد الماتن (قده) ممّا ذكره في المتن، هو ما اذا كان الناذرُ قاصداً من نذره للصوم هو نذر الاقامة والصوم، وذلك كما لو قيد نذره للصوم عن حضر وحينئذ وجب الحضر كمقدمة واجب .
وهكذا الحال في الاستئجار، لإنصراف الإستئجار الى وجوب تحصيل مقدمة الواجب، وبالتالي تجب الاقامة لذلك، فتكون الإجارة ظاهرة في كونها إجارة على الإقامة والصوم معاً .والا فلا تكون فتواه (قده) واضحة المعنى وذلك لقيام الدليل من الروايات المتواترة والاجماع على عدم صحة الصوم في السفر في شهر رمضان أو في كل واجب كالنذر والاستئجار والكفارة وغير ذلك ومنها :

- ( محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد وعبدالله بن محمد جميعا، عن علي بن مهزيار قال : كتب بندار مولى إدريس : ياسيدي، نذرت أن أصوم كل يوم سبت، فان أنا لم أصمه، ما يلزمني من الكفارة ؟ فكتب ( عليه السلام ) وقرأته لا تتركه إلا من علة، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك، وإن كنت أفطرت منه من غير علة فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى )[7].ودلالتها على النهي عن الصوم في السفر إلا اذا نويت صيامه مطلقاً حتى في حالة السفر .لا يقدح فيها إضمارها لكون الراوي علي بن مهزيار ولا يروي من كان بمقامه الا عن معصوم وإلا فليس الغشُ متصوراً بحقه وبحق أمثاله خصوصاً انه يرويها عن شيخ القميين ووجههم وفقيههم .
نعم ان فيها ان كفارتها التصدق على سبعة، وهذا ايضاً لا يضر اذا تقدم مراراً منِّا التفكيك في خبر الثقة، هذا ويُحتمل جداً أنها خطأ في النسخة لمعارضتها لمشهور الروايات الدالة بصراحة على العشرة منها :

( محمّد بن يعقوب، عن أبي علي الاشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، وعن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان ـ جميعا ـ عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحلبي، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في كفارة اليمين، يطعم عشرة مساكين، لكل مسكين مد من حنطة، أو مد من دقيق وحفنة، أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان، أو عتق رقبة، وهو في ذلك بالخيار، أيّ ذلك شاء صنع ، فان لم يقدر على واحدة من الثلاث، فالصيام عليه ثلاثة أيام.) [8].
نعم استثني من عدم جواز الصوم في السفر أربع حالات :
١ - صوم ثلاثة أيام للحاجة في المدينة المنورة.
٢ - صوم ثلاثة أيام بدل هدي التمتع.
٣ - صوم النذر المشروط في السفر خاصة، أو أن يكون قد نذر أن يصوم كل خميس مثلا مطلقاً وكان قاصراً حتى لو كان مسافراً .

مسألة ٢٩ : (اذا بقي من الوقت اربع ركعات، وعليه الظهران ففي جواز الإقامة اذا كان مسافراً، وعدمه من حيث استلزامه تفويت الظهر وصيرورتها قضاء، إشكال فالاحوط عدم نية الإقامة مع عدم الضرورة .نعم لو كان حاضراً، وكان الحال كذلك لا يجب عليه السفر لإدراكه الصلاتين في الوقت)[9].

  - في المسألة صورتان : ففي المسألة الأولى قد ذكر الماتن (قده) اشكالاً فيجواز الإقامة إذا كان مسافراً، وعلّل ذلك بتفويت الظهر وصيرورته قضاء .
واعتبر ذلك من قبيل تعجيز النفس عن اداء الواجب الفعلي المنجز في وقته وهو قبيح عقلاً .وطبعاً الكلام ههنا في الحكم التكليفي لا الوضعي .
ولكن يرد عليه بأن ذلك هو من قبيل تبديل موضوع التكليف وكل منهما صحيح ومبّرئ للذمة، وليس ذلك من قبيل تفويت الواجب المنجز من كل جهة، وتبديل التكليف غير داخل في المعصية اصلا وهو مما لا دليل عقلاً على قبحه، والأصل براءة الذمة وجواز ذلك حتى في المقام .
وهكذا الحال في المسألة الثانية، فإنه لا يجب عليه السفر ان كان حاضراً لكي يدرك الصلاتين معاً قصراً في الوقت وذلك لأصالة  البراءة من جهة وجوب تغيير موضوع التكليف عليه، بل يأتي بتكليفه من الإتيان بصلاة العصر اربع ركعات لان هذا الوقت مختص بها ويأتي بالظهر قضاء ويكون قد امتثل الحكم الفعلي المنجز عليه.


[1]العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج3، ص497، ط ج.
[2]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص511، أبواب صلاة المسافر، باب20، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص508، أبواب صلاة المسافر، باب18، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص250، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب32، ح2، ط آل البيت.
[5]العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج3، ص498، ط ج.
[6]العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج3، ص498، ط ج.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص196، أبواب صلاة المسافر، باب10، ح1، ال البيت.
[8]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص375، أبواب الكفارات، باب12، ح1،4، 5، 6، ط آل البيت.
[9]العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج3، ص499، ط ج.