بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

35/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الدليل :

والعمدة في الاستدلال على الوطن الشرعي لمن ذهب  اليه وتبناه هو صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن ابي الحسن عليه السلام قال : ( سألته عن الرجل يقصر في ضيعة، فقال : لا بأس ما لم ينوي مقام عشرة ايام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت ما الاستيطان ؟ فقال : أن يكون فيها منزل يقيم في ستة اشهر، فاذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها )[1].

ونسب القول بالوطن الشرعي الى العلامة الحلي (قده) وبعض من تأخر عنه وقال: ) إنه اذا بقي له في البلد المعرض عنه ملك – حتى ولو لم يكن قابلاً للسكن كالنخلة – وكان قد أقام ستة اشهر فإن عليه ان يتم صلاته فيه كلما دخله ويصوم اذا حضره الصوم ( .

واستدلوا على ذلك بأنه مقتضي الجمع بين صحيحة ابن بزيع السابقة عنه قوله : فقلت ما الاستيطان؟ فقال ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة اشهر فإذا كان كذلك يتم فيها

متى دخلها، وما رواه في التهذيبين باسناده الصحيح – عن محمد بن احمد بن يحيى
عن احمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) : ( في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: يتم الصلاة ولو لم يكن له الا نخلة واحدة لا يقصّر، وليصم اذا حضره الصوم وهو فيها ).[2]

ولكن عند التأمل بذلك نجد أولاً بان هذه الصحيحة يعارضها جمعٌ من الروايات المتقدمة الصحيحة الظاهرة في الوطن العرفي من كلمات الوطن، والمِصر، وقريتك، وارضك وما شابه ذلك وهي كما لاحظت بأنها في محل العمل والابتلاء، والتي تحاكي ما عليه الفهم العرفي، لا كما في صحيحة ابن بزيع الذي خفي مفهوم الوطن عليه وهو في تلك الدرجة والمرتبة من المقام العالي، وينتظر توضيح مفهوم الوطن من الإمام (عليه السلام) .

فإما أن تكون ناظرة الى الوطن العرفي ويكون التحديد بالستة اشهر من قبيل الحكاية عن ابرز مصاديق المدة لصدق الوطنية عليه أو أن تقول بأن اعراض المشهور عنها كفيل باسقاطها عن الاعتبار، هذا بالاضافة الى كون الصحيحة تقول:  )يقيم فيه( بصيغة المضارعة وليس بالماضوية أي يقيم في القرية فعلا ستة اشهر كل سنة ولم يُعرض عنها كما استشكل بذلك الشيخ الصدوق (ره).

وأما بالنسبة الي موثقة عمار فهي تنافي طائفة كبيرة من الروايات الصحيحة التي تنص بوضوح على ان العبرة بالتمام ان يكون مستوطناً فعلا في البلد، وليست العبرة بوجود ملك له فقط.

فقد سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأول عن رجل يمرّ ببعض الأمصار وله بالمصر دارٌ وليس المصر وطنه، أيتم صلاته ام يقصّر؟
قال: عليه السلام:  ) يقصر الصلاة، والصيام مثل ذلك اذا مر بها)[3]



مساله2 :(قد عرفت عدم ثبوت الوطن الشرعي، وانه منحصر في العرفي فنقول: يمكن تعدد الوطن العرفي بأن يكون له منزلان في بلدين أو قريتن من قصده السكن فيهما أبدا في كل منهما مقدارا من السنة، بأن يكون له زوجتان مثلا لكل واحدة في بلدة يكون عند كلّ واحدة ستة اشهر او بالاختلاف، بل يمكن الثلاثة أيضاً بل لا يبعد الأزيد أيضاً)[4].

٢- اذا كان المدار حول الصدق العرفي كما حررنا سابقاً في هذه المسألة فحينئذ سواءً كانت ثلاثة أو خمسة، وحتى و قلنا ستة اشهر كما في الوطن الشرعي، بل تقسم عندئذ على سنتين أو اكثر اذا كان له اربعة اوطان أو اكثر، فيقيم ستة اشهر في كل سنتين مثلا .


[1]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص494، باب14، أبواب صلاة المسافر، ح11، ط آل البيت.
[2]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص493، باب14، أبواب صلاة المسافر، ح5، ط آل البيت.
[3]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص493، باب14، أبواب صلاة المسافر، ح7، ط آل البيت.
[4]العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج3، ص473، ط ج.