بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

35/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

مسألة  : 39إذا نذر أن يتم الصلاة في يوم معيّن، أو يصم يوماً معيناً وجب عليه الإقامة . ولو سافر وجب عليه القصر على ما مرّ : من أن السفر المستلزم لترك واجب لا يوجب التمام إلا إذا كان بقصد التوصل الى ترك الواجب، والاحوط الجمع .

 - بناء على مبناه (قده) مما تقدم في المسألة 27 حيث اعتبر هناك ان القضية من قبيل المضادة بين السفر وبين الإتيان بواجب آخر، وأنه اذا كان السفر بقصد التوصل الى ترك الواجب كان من سفر المعصية فيتم، وإلا وجب التقصير .
وقد تقدم منا أن عليه التقصير إلا على نحو أن يكون السفر مقدمة توليدية يفضي الى ترك الواجب ويوصل الى الحرام ويمكن ان يصدق عليه عنوان السفر المحرم باعتبار انه «منهي عنه» واذا اتصف بذلك فيترتب عليه وجوب التمام لأن سفره هذا يكون سفراً في معصية الله ويكون باطلاً ولا يكون مسيره مسير حق .
وهذا ما تقدم في تلك المسألة (27) حيث ذكرنا أيضاً أن المكلف ههنا قد عجّز نفسه عن أداء الدين الحال وقته واختار السفر مع امكان أدائه في الحضر وهذا ما تم التوافق عليه بانه قبيح عقلاً لكونه امتناعاً بسوء الاختيار... ولكن المسألة هنا يمكن تصويرها بوجه آخر :
أولا: لا كلام في أن من نذر ترك السفر فيما لو كان ترك السفر راجحاً بحقه فيصح نذره ويحرم سفره ولو سافر لوجب عليه التمام .
ثانيا: لو نذر الصيام في يوم معين فهل تجب عليه الإقامة ليفي بالنذر ويؤدي الواجب؟ وهكذا لو نذر الصلاة تماماً ؟
قد يُقال بأن مقتضى القاعدة ذلك، فينعقد نذره وتجب عليه الاقامة ليفي بنذره، ولكن لو خالف وسافر يقصّر بناء على أن السفر المستلزم لترك الواجب ليس بحرام، ولا نقول بأن مقدمة الواجب واجبة شرعاً، وان لزم الإتيان بها عقلاً من باب اللابدية، فليس هنا الا وجوب واحد مقلق بذيها وهي الذات المقيدة وهي الصلاة التامة المشروطة بترك السفر، واما نفس القيد وذات الشرط وهو ترك السفر فلا يكون متعلقاً للنذر ليكون فعله محرما بل هو داخل في كبرى الاستلزام المذكور عند الماتن (قده) .
ومن هنا لا نقول بانحلال النذر الى نذرين بل هو غير معقول، وإلا لزم تعدد الكفارة لترك الواجب المنذور وترك مقدمته لتكرر الحنث وهل ينحل نذر من نذر الاتيان بالصلاة وحنث بها الى نذرين (الصلاة والوضوء) المشروط بها وبالتال عليه كفارتان وعقابان بل لا خلاف في وجوب كفارة واحدة وعقاب واحد . لأنه كما هو معلوم بان الدخيل في النذر انما هو التقيد لا ذات القيد .
ومع ان هكذا استلزام صحيح في استلزام السفر لترك الواجب وبالتالي يجب التمام في حال ما لو توصل بالسفر الى ترك الواجب، إلا أننا لا نقول به هنا بل يجب القصر حتي فيما لو سافر بقصد مخالفة النذر لامتناع التمام، اذ يلزم من وجوده عدمه لانه لو صدق عليه عنوان سفر المعصية في المفروض، فلو أتم صلاته يكن قد وفى بالنذر ومع الوفاء لا عصيان، فلا موضوع للتمام .
وتعبير السيد الخوئي (قد) في المقام سديد، اذ لو اتم لم يخالف نذره واذا لم يخالف نذره لم يتصف سفره بالمعصية، واذا لم يكن سفره معصية فلا يجب فيه التمام لانتفاء الموضوع، فيلزم من شمول دليل التمام للمقام عدم الشمول، وبعبارة أخرى يلزم من افتراض المخالفة عدمها وهو امر  غير معقول . ولأجله يستحيل شمول ادلة التمام للمقام، فيبقى تحت اطلاقات القصر وان كان عاصياً بسفره ويكون ذلك تخصيصا في ادلة التمام يسفر المعصية .
هذا بالاضافة الى ورود النص الخاص على عدم الصوم خاصة في هكذا مورد .
كما في خبر عبد الله بن جندب قال : سأل : ابا عبد الله عليه اسلام عباد بن ميمون وانا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذر صوم واراد الخروج في الحج فقال، عبد الله بن جندب سمعت من زرارة عن ابي عبد الله عليه السلام انه سأله عن رجل جعل على نفسه نذر صوم يصوم فمضى فيه (فحضرته نيّة) في زيارة ابي عبد الله عليه السلام قال يخرج ولا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك [1].
وهكذا كما في صحيحة علي بن مهزيار قال: كتب اليه- يعني الى ابي الحسن عليه السلام يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام تشريق، أو سفر او مرض هل عليه صوم ذلك اليوم او قضاؤه وكيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوماً بدل يوم ان شاء الله.[2]
وهكذا هناك روايات عديدة بل مستفيضة تدل على عدم جواز الصوم في السفر مما يحدونا بالخروج عن مقتضى القاعدة الاولية التي تقضي بعدم جواز السفر في حال ما لو نذر الصوم في يوم او ايام معينة أو مطلقة .
راجع (ئل ب 10 و ب 11 من أبواب من يصح منه الصوم).
وهذه الروايات وان كانت على خلاف القاعدة الاصولية، ولكننا نعمل به تعبدا وبالتالي فليس الصيام الواجب بالنذر اكثر اهمية واشد مطلوبية من الصوم في شهر رمضان واتفقوا على جواز الفرار من الصوم في شهر رمضان، ولذا نقول بجوازه ههنا وقد ذهب الى ذلك من الحاضرين جمع من الفقهاء من السيد الشاهرودي والخميني والكلبالكاني وغيرهم وبعضهم احتاط بالقضاء ومنهم افتى بذلك كالسيد الخوئي (قد).
بقي شيئان :
1 - وإن وردت الروايات المتقدمة بخصوص الصوم الا انه يمكن إلحاق الصلاة بالصيام في هذا الحكم لملازمتهما في الاتمام والقصر إلا ما خرج بالدليل .
2 - هناك روايتان (الصيقل وزرارة) (ئل ب 10 ح 2 - 5). ظاهرتان في وجوب القضاء بعد فوت وقت اليوم المنذور .
ولكن الصحيح كما مر في محله عدم وجوب القضاء
اولا لضعف كل من الروايتين ومعارضتهما بروايتين معتبرتين كما في موثقة زرارة (ئل ب10 - ح 3).
وثانياً: لأن مقتضى الاصل عدم وجوب القضاء، بل يحتاج الى دليل ولا دليل معتبر في المقام.


[1]  وسائل الشيعة ال البيت ج  10  ص 197 ب 10 من يصح من الصوم ح 5.
وسائل الشيعة – آل البيت ج  10  ص 197 ب 10 من يصح من الصوم ح 2