بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

35/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم


مسألة 36 ( هل المدار في الحلية والحرمة على الواقع أو الاعتقاد، أو الظاهر من جهة الاصول اشكال. فلو اعتقد كون السفر حراماً، بتخيل أن الغاية محرّمة، فبان خلافه، كما اذا سافر لقتل شخص بتخيل انه محقون الدم، فبان كونه مهدو الدم، فهل يجب عليه اعادة ما صلاه تماماً أولاً؟ ولو لم يصل وصارت قضاء، فهل يقضيها قصراً أو تماماً؟ وجهان. والاحوط الجمع. وإن كان لا يبعد كون المدار على الواقع، اذا لم نقل بحرمة التجري، وعلى الاعتقاد إن قلنا بها.وكذا لو كان مقتضى الاصل العملي الحرمة  وكان الواقع خلافه، او العكس، فهل المناط ما هو في الواقع، أو مقتضى الأصل بعد كشف الخلاف؟ وجهان، والاحوط الجمع، وإن كان لا يبعد كون المناط هو الظاهر الذي اقتضاه الاصل، إباحة أو حرمة.

36 - إن من المتفق عليه قولاً واحداً لا يخالفه أحد بل عليه الاجماع بحسب ظاهر إطلاق الادلة في السفر هو وجوب التقصير على كل مسافر الا ما خرج بنحو المخصِّص المنفصل وهو المقدار المتيقن على وجوب التمام كما في مثال الصيد اللهوي وغيره .
وما عدا ذلك فالمرجح هو عمومات الترخص لكل مسافر .
وما في مسألتنا هذه في أن المدار والمناط في حلية السفر او حرمته هل هو الواقع أو الاعتقاد؟
فإن التأمل في المسألة يقتضي القول بعدم الاكتفاء بالواقع المجرّد عن التخيير ولا الاكتفاء بمجرد الاعتقاد أو الظاهر المستند الى الاصل مع فمخالته للواقع، بل لا بد من ثبوت الواقع بعد تنجزه بحق المكلف ووصوله إليه، فلو لم تكن الحرمة واقعية ومنجزة، فلا يجب التمام بل نبقى على عموم العام من جوب التقصير لورود الترخيص في كل من تحقق منه السفر. وكذا الحال، فلا يكفي مجرد الاعتقاد حتى فيما لو كان مخالفاً للواقع، وذلك لكونه حيئذ اعتقاداً او وهمياً خيالياً ليس من شأنه أن يغير الواقع ويبدله الى غير ما هو عليه .
وأيضاً مما لا اشكال فيه، وليس موضعاً للبحث والكلام  ما اذا اعتقد الحرمة وطابق الواقع، أو ما اذا اعتقد الحلية ووافق الواقع .
فإنه يتم في الصورة الاولى ويقصر في الثانية وعليه الادلة الاجماع . وأما في صورة مخالفة الواقع للصورة الاولى وللثانية .
-فتارة يكون السفر حراماً في الواقع ويعتقد جوازه كما لو منع الزوج زوجته من السفر ولم يكن راضيا بخروجها من المنزل ولم تكن تعلم بذلك . أو سافر ليتزوج بإمرأة هي ذات بعل وهو لا يدري بذلك .
فإن سفره هذا لا يمكن اتصافه بالباطل او انه ليس بمسير حق، لا في المثال الاول كما لو كان الحرام ذاتيا ولا في الثاني كما لو كان  غائياً بل نقول بأن الشارع رخص في هكذا سفر ولا يوجب صدق المعصية والحرام عليه لمجرد اتصافه بذلك دون علم المكلف .
-واخرى، يكون السفر حلالا في الواقع ولكن المكلف اعتقد كونه حراماً أو بحسب الحكم الظاهري، فلو اعتقدت الزوجة منع الزوج لها من السفر او استصحبت المنع وتبين في واقع الحال ان الزوج يرضى بسفرها او رجع عن نهيه فعلاً، او ان شخصا سافر ليتزوج بامرأة يعتقد بكونها ذات بعل وتبين في واقع الحال انها خلية ( لازوج لها ) فعلاً . وأيضاً نقول ههنا بلزوم القصر عليه، وذلك لما قدّمنا سالفاً من ان مجرد الاعتقاد الوهمي الخيال المجرد عن مطابقته للواقع لا يغير الواقع ولا يبدله أصلا وكذا الحال في الحكم الظاهري الذي انكشف خلافه . بل يبقى السفر في واقع الحال سفرا سائغاً حلالا وهو سفر حق وان جهل به المسافر . وليس سفره سفر معصية ولا المسير مسيراً باطلاً. إلا على القول بحرمة التجري شرعاً فحيئذ يقال بوجوب التمام لصدق السفر بمعصية الله وانه مسير باطل .
ولكن يمكن ان يرد عليه بان المتجري وان استحق اللوم والذم لخبث باطنه وسوء سريرته، إلا أنه لا نصف فعله بالحرمة الشرعية ( بالحرام شرعاً ) وبعبادة أخرى فإن القبح فاعلي وليس فعلياً ومن ثم فلا يكون التجري عنوانا ثانويا بخلاف  عنوان الضرر والحرج وعليه نقول : بأن من كان سفره حراما اعتقاداً لا واقعاً وصلى تماماً فإنه يجب عليه القضاء قصرا، ولا نفرق بعد انكشاف الخلاف سواء كان داخل الوقت أو خارجه، بخلاف من صلى قصرا لاعتقاده بأن سفره حلالاً وكان في الواقع حراماً فإنه لا يعيد لكون القصر هي الوظيفة الواقعية .
وخلاصة الكلام : ان المدار والمناط على اتمام الصلاة هو ثبوت الحرمة الواقعية للسفر أولاً وتنجيزها عليه ثانياً ومع تخلف احد الأمرين فلا يجب التمام بل عليه القصر .
هذا كله فيما لو كان التخلف في عنوان المقصود بان اعتقد حرمته وهو في الواقع مباح او العكس .
وأما لو كان المقصود حراماً واقعاً وظاهراً، اعتقاداً ومعتقداً ولكن لأجل أي مانع حصل في الخارج لم تقع المعصية والحرام فعلاً وان كان بغير اختيار المكلف، كمن سافر لاجل قتل نفس محترمة، أو للزنا اوالسرقة، ولم يتحقق الفعل خارجاً لأي سبب كان اما لهرب من اراد قتله او لعدم العثور عليه او ان القاصد تاب واناب ورجع عن معصيته فإن ذلك خارجا عن محل الكلام، ووجوب التمام عليه مما لا خلاف فيه لأن العبرة بقصد الحرام الواقعي المنجز عليه وسافر بهذا القصد فيصدق عليه بان سفره في معصية الله ناشئ عن قصد الحرام حتى ولم يتحقق خارجاً وللبحث صلة  .