بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

35/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم


مسألة : 33
 إباحة السفر كما أنها شرط في الابتداء شرط في الاستدامة أيضاً، فلو كان ابتداء سفره مباحاً، فقصد المعصية في الأثناء، انقطع ترخصه ووجب عليه الاتمام وإن كان قد قطع مسافات، ولو لم يقطع بقدر المسافة صح ما صلاه قصراً، فهو كما لو عدل عن السفر وقد صلى قبل عدوله قصراً حيث ذكرنا سابقاً أنه لا يجب إعادتها .
واما لو كان ابتداء سفره معصية، فعدل في الأثناء الى الطاعة فإن كان الباقي مسافة، فلا اشكال في القصر، إن كانت ملفقة من الذهاب والإياب، بل وإن لم يكن الذهاب أربعة على الأقوى وزما إذا لم يكن مسافة ولو ملفقة، فالاحوط الجمع بين القصر والتمام، وإن كان الأقوى القصر بعد كون مجموع ما نوه بقدر المسافة ولو ملفقة فإن المدار على حال العصيان والطاعة، فما دام عاصياً يتم وما دام مطيعاً يقصِّر من غير نظر الى كون البقية مسافة أولاً ).

البحث :
اتفقوا كلمة واحدة على أن كل من يتحول سفره من الحلال الى الحرام فإنه يتبدل حكمه تبعاً من التقصير الى التمام، فلو كان سفره حلالا وأراد في أثنائه الصيد اللهوي مثلاً فإن الروايات الواردة في المقام هي اشتراط التقصير في الصلاة حل أدائها إذا كان السفر حلالاً فإذا صار حراماً حال ارادة الصلاة فالحكم وجوب التمام، هذا فيما لو تحول السفر قبل قطع المسافة. وهكذا الحال لو كان سفره بهدف الحلال، وبعد قطع المسافة تحول الى الحرام ونواه فعلاً فإن حكمه أيضاً يتحول الى التمام، كما عليه مشهور الفقهاء، كصاحب الجواهر النجفي (قده) والسيد الخوئي (قده) واعتبروا بأن السفر المحرم هو الموجب للتمام والسفر المحلل موجب للتقصير ويختلف الحكم باختلاف الموضوع فهو تابع له وينتفي بانتفائه .

1- إن قلت : نتمسك بالاستصحاب لإثبات وجوب البقاء على القصر .
قلت : ان هذا استصحاب في الشبهات الحكمية، فلا يصح في المقام لتغير العنوان .
- ذهب الماتن : لا يجب عليه اعادة ما صلاه قصراً ان لم يقطع المسافة ثم نوي الحرام كما في المتن . وهو الصحيح، ولا يلتفت الى احتمال ان تكون اباحة السفر قيداً للموضع، حتى يقال بأنه لم يتحقق موضوع المسافة أصلاً لا ظاهراً ولا واقعاً .
بل الظاهر من الأدلة أنها قيد للحكم لا للموضوع ومع ذلك، فكونها قيداً للحكم معلوم وتقيد الموضوع بها مشكوك ويدفع ذلك بالاصل .
- أما قوله (قده): وأما لو كان ابتداء سفره معصية، فعدل في الأثناء الى الطاعة فإن كان الباقي مسافة فلا اشكال في القصر، وإن كانت ملفقة من الذهاب والإياب، الخ...
وذلك على طبق القاعدة من كون السفر مباحا  وانه محقق للمسافة فالمقتضي موجود والمانع مفقود وهو عدم كونه معصية .
وأما قوله: ( وإن لم يكن الذهاب أربعة على الأقوى )
 فقد تقدم وجه الإشكال في ذلك وذهبنا الى كون المسافة المعتبرة للتقصير هي ثمانية فراسخ امتدادية أو أربعة وما زاد ذهابا وكذالك اياباً فراجع .
وقوله: ( اذا لم يكن مسافة ولو ملفقة فالاحوط الجمع، وان كان الاقوى القصر...)
فهذا على خلاف المشهور بل قد يُعدُّ ذلك من الاقوال الشاذة، ونحن نميل الى رأي المشهور، وذلك لأن سفر المعصية لا يحسب أنه سفر تقصير وليس فيه الترخيص، وانما تبدأ عملية التقصير من حين عدوله الى الطاعة إن كان يبلغ المسافة الشرعية، ولكن بما ان المسافة ليست متحققة فلا يتحقق الحكم والله العالم .
وهكذا الحال يمكن القول فيما لو ابتدأ سفره حلالاً وفي الأثناء نوى الحرام وبعد سيره مدة نوى الحلال من جديد فلا نقول بضم المسافة الأولى مع الثالثة لتبلغ المسافة بل يتم صلاته حينئذ. بخلاف ما ذهب اليه بعض العلماء  كالصدوقين والشيخ في النهاية والمحقق في المعتبر وغيرهم . بل كما ذهب اليه مشهور العلماء كالعلامة الحلي والحكيم في مستمسكه والخوئي (قدس سرهم) وذلك لعدم وجود وجه معتبر في هكذا ضم لان السفر الاول قد زال والثالث انشاء جديد اللهم الا ان يكون السفر الثالث مسافة شرعية فيقصر حينئذ وإلا أتم، والله العالم .