30/11/22
بسم الله الرحمن الرحیم
بحث أصول
{المقدمة\الدلالات اللفظية\الوضع\الحقيقة والمجاز}
الجلسة الـ24، الاثنين 22/11/1430 (=10/11/2009)
بقيت في المقام نكتتان في ذيل البحث عن دلالة اللَّفْظ عَلَىٰ المعنى المجازي يجدر الإشارة إليهما كالتالي:
النكتة الأولى:
قلنا: لا يحتاج الاستعمال أو دلالة اللَّفْظ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ إِلَىٰ وضع آخر، ويكفي الوضع الأول للمعنى الحقيقي مع وجود المناسبات والمشابهات الموجودة في المعاني المجازية، وهذه الشأنية الثانية تحصل عَلَىٰ نَحْوِ الطولية.
ويبحث في ذيل هذا البحث عن أن الواضع في بعض المجازات يضع اللَّفْظ مع القرينة لذاك المعنى الْمَجَازِيّ، وَحِينَئِذٍ يصبح هذا المعنى لهذا اللَّفْظ مع القيد حَقِيقةً، فيدعى هنا بأن هذا اللَّفْظ وضع للمعنى من دون قرينة ووضع لمعنى آخر مع القرينة.
وهذا الادعاء مذكور في كتاب الطهارة في قسم المياه حيث يقسمون الماء إِلَىٰ المطلق والمضاف حيث قيل بأن الماء المضاف مع قيده حقيقةٌ في المعنى المضاف. والواقع أَنَّهُ كما يوجد لدينا معنيان موضوع لهما كذلك يوجد لدينا لفظان موضوعان أَيْضاً، لفظ من دون القرينة ولفظ مع القرينة، ومن هنا يقال بأن لفظ >الماء< حقيقة في الماء المطلق وصدقه عَلَىٰ الماء المضاف مجاز، ومن هنا نقول بأن الأوامر مثل >توضأ بالماء< و>اغسله بالماء< ظاهرة في الغسل بالماء المطلق ولا يشمل الغسل أو التوضؤ بماء الورد؛ لأَن كلمة الماء من دون القرينة ظاهرة في ذاك المعنى الحقيقي وهو الماء المطلق، ولكنهم وضعوا كلمة >ماء< مع قيده المضاف إليه للمعنى الْمَجَازِيّ مثل >ماء الرمان< و>ماء الورد<، ومن هنا لا نشعر بمجازية استعمالها في الماء المضاف ولا توجد عناية فيه ويتخايل إِلَىٰ الإنسان أَنَّهُ حَقِيقِيّ؛ فَإِنَّهُ حينما يسمع >ماء الورد< يظن أَنَّهُ ماء للورد حقاً وأن لا عناية فيه، فهو كالمورد الَّذِي نقول فيه >الماء< ونقصد منه >ماء الزهر<، مَثَلاً نقول: >الماء عَلَىٰ الطاولة< وحينما ننظر نرى أن >ماء الزهر< هو الموجود عَلَىٰ الطاولة، فيكون هذا مجازاً ويشعر فيه بعناية والمخالفة للطبع. ولكن حينما نقول: >ماء الورد موجود عَلَىٰ الطاولة< فكأننا استعملناه استعمالاً حَقِيقِيّاً ولم يذكر خِلاَفاً؛ لأَنَّ ذاك السائل في واقعه ليس إِلاَّ ماءً محصّلاً من الورد، إذن إن صدق مضافه والمضاف إليه عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ ليس مجازاً، وهذا إِنَّمَا هو لأجل أن اللَّفْظ المضاف مع المضاف إليه وضع لذاك المعنى وتبدّل المعنى الحقيقي لِلَّفْظِ المضاف.
إشكال الشهيد الصدر:
إِلاَّ أن سَيِّدَنَا الأُسْتَاذَ الشَّهِيدَ & أنكر ذلك وأفاد بأن الوضع الجديد مِنْ قِبَلِ الواضع لِلَّفْظِ مع القرينة للمعنى الْمَجَازِيّ عَلَىٰ نَحْوِ يصبح المعنى حَقِيقِيّاً مع قيد القرينة لغو؛ لأَنَّهُ إن كان الغرض منه تحصيل تلك الصلاحية والمناسبة للاستعمال (الَّتِي تحدثنا عنها والموجودة بين اللَّفْظ والمعنى الْمَجَازِيّ) فهي حاصلة ومحفوظة وإذا كان الغرض تحول ذاك المعنى إِلَىٰ معنى حَقِيقِيّ عَلَىٰ نَحْوِ لا يحتاج معه إِلَىٰ القرينة وينتقل السَّامِع عند سماعه إِلَىٰ المعنى فهو خلف الفرض؛ لأَنَّ المفروض أن الوضع الثَّانِي مع القرينة وليس فاقداً للقرينة. أي: أن القرينة قيد لِلَّفْظِ الموضوع وما لم تحصل القرينة والمضاف إليه لا تحصل الدَّلاَلَة الثانية حَتَّىٰ يكون الغرض من الوضع الثَّانِي، وَبِالتَّالِي لا يوجد استغناء عن القرينة في المقام حَتَّىٰ نقول بأن الواضع إِنَّمَا يأتي بالوضع الثَّانِي للاستغناء عن القرينة.
الإجابة عن إشكال الشهيد:
إن قلت: إن ثمرة هذا الوضع تظهر في عدم ضرورة لحاظ المناسبات أو المشابهات مع المعنى الحقيقي؛ لأَن المعنى الْمَجَازِيّ مع قيد القرينة بات موضوعاً له مثل أي لفظٍ وُضع لمعنى لا يحتاج إِلَىٰ لحاظ مناسبة، وهذا بنفسه هدف وغرض وضعي والأغراض الْوَضْعِيَّة تختلف عن الأغراض الشرعية؛ فَإِنَّ الواضع لا يبحث عن الأحكام الشرعية وَإِنَّمَا يتناول الأغراض الْوَضْعِيَّة، أي: أن الأغراض اللغوية كامنة في تنوع التصورات الذهنية والانتقال من اللَّفْظ إِلَىٰ المعاني المختلفة والمتنوعة والسهلة.
إشكال الشهيد عَلَىٰ هذه الإجابة:
إِلاَّ أن سَيِّدَنَا الأُسْتَاذَ الشَّهِيدَ & يرفض ذلك أَيْضاً ويقول بعدم توفر هذا الغرض في المقام؛ لأَن الأمر ليس من هذا القبيل في المعاني المجازية بأن يجب لحاظ المناسبات في كل استعمال وانتقال من اللَّفْظ إِلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ، وَإِنَّمَا هذه المناسبات هي حيثيات تعليلية وليست تقييدية. أي: حيث أن هذا المعنى الْمَجَازِيّ يمتلك ذاك الشبه بالمعنى الحقيقي فكما قلنا سَابِقاً يأتي المعنى الْمَجَازِيّ إِلَىٰ الذهن تلقائياً ومن دون الحاجة إِلَىٰ لحاظ المعنى الحقيقي في الذهن؛ فَإِنَّ من الممكن حصول علقة تَصَوُّرِيَّة ضعيفة بين اللَّفْظ والمعنى تدريجياً وذلك إذا كان المعنى الْمَجَازِيّ معنى متناسباً، فلا حاجة حِينَئِذٍ إِلَىٰ توسط المعنى الحقيقي بل ينتقل الذهن مباشرة إِلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ وتكون تلك المشابهات والمناسبات حيثيات تعليلية.
إذن، لا يمكن لهذا الأمر أَيْضاً أن يكون غرضاً للوضع الثَّانِي لا سيما مع قيد وجود القرينة؛ لأَن القرينة جعلت قَيْداً لِلَّفْظِ الموضوع. إذن، يوجد عَلَىٰ الدوام صارفٌ عن المعنى الحقيقي وهو القرينة، ومع هذا الصارف يُنقل اللَّفْظُ الذهنَ تلقائياً إِلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ، من دون الحاجة إِلَىٰ لحاظ المعنى الحقيقي أَوَّلاً حَتَّىٰ يكون الوضع الثَّانِي لأجل ذلك. والحاصل أَنَّهُ لا يوجد في المقام شيء من الأغراض الْوَضْعِيَّة الثلاثة ومثل هذا الوضع لا يكون إِلاَّ لغواً.
وكان يجدر بهم ذكر نكتة في المقام ولكنهم ما ذكروها هنا مع ذكرهم في البحوث الفقهية وهي النكتة الَّتِي ذكرناها في بداية البحث وهي أَنَّهُ ما هو التخريج الصحيح لعدم شعورنا بالعناية في مثل هذه الألفاظ المضافة كماء الورد و...، خِلاَفاً للموارد الَّتِي يُطلق عليها الماء ونفهم بقرينة أخرى أن المقصود هو ماء الورد. وكيف نفسر هذا الاحساس بالفرق إذا كان الاستعمال في كلتا الحالتين مجازياً؟ فعلى سبيل المثال لو أشار إلينا بقرينة أخرى حالية أو مقامية أو غيرهما بأن مقصوده من >اجلب الماء< هو جلب ماء الورد، فَحِينَئِذٍ نقول له لماذا قلتَ: >اجلب الماء< ولم تقل >اجلب ماء الورد<، ولكن حينما يقول: >اجلب ماء الورد< لا نقول له لماذا قلتَ ماء الورد، بل نقول له إن كلامك حَقِيقِيّ ونحن جلبنا لك ما أردتَه وهذا مثل استعمال الألفاظ في معانيها.
إذن، يجب تفسير هذا الإحساس بالفرق وهذا أمر له تفاسير وتبريرات متعددة قد يكو أفضل تفسير له أن نقول بأننا حينما نضيف لفظ >الماء< ونجعله مُضَافاًً نكون قد استعملنا المضاف والمضاف إليه في معناه الحقيقي. نستخدم الإضافة في هذا المورد بعناية، ونستعمل كلاًّ من المضاف والمضاف إليه في معناه الْخَاصّ عَلَىٰ نَحْوِ تعدد الدال والمدلول وسوف يأتي أَنَّهُ ليس من باب المجاز، ولكن نطلق المركب عَلَىٰ مُقَيَّدٍ يختلف عن المطلق وليس كماء النهر أو ماء البحر، وهذا قد يكون ضرباً من الكناية إِلَىٰ ماء الورد، والكناية تختلف عن المجاز، وقد يكون من باب المجاز في المكرب أو الإضافة، ولكن المضاف والمضاف إليه تم استعمالهما في معنييهما الحقيقيين، ومن هنا لا نشعر بعناية ومجاز فيهما.
النكتة الثانية:
والنكتة الأخرى هي أن هناك نمطاً آخر من استعمال اللَّفْظ في ما لم يوضع له وهذا الاستعمال لا هو حَقِيقِيّ ولا مَجَازِيّ، والحقيقة أَنَّهُ مستغن عن الوضع الأول أَيْضاً وهو عبارة عن استعمال اللَّفْظ في نفسه ونتناوله إن شاء الله في البحث عن >استعمال اللَّفْظ في نفسه وشخصه وصنفه ونوعه ومثله< ونقول هناك بِأَنَّهُ ليس استعمالاً مجازياً. اللهم إِلاَّ لو أريد بالاستعمال الْمَجَازِيّ معناه الأعم وهو أن المجاز عبارة عن استعمال اللَّفْظ في غير معناه الموضوع له، حَتَّىٰ يشمل استعمال اللَّفْظ في نفسه أَيْضاً كقولنا >ضَرَبَ فعلُ ماضٍ< حيث أن >ضرب< لم يستعمل هنا في معنى >ضَرَبَ< أو في معنى مشابه له، بل نريد هنا أن نقول بأن لفظة >ضرب< فعل ماض. ومثله قولنا: >في حرف جرٍ<، أو قولنا: >ديز لفظ مهمل< حيث لا يوجد أَسَاساً أيّ وضع لغوي لكلمة >ديز< في اللغة، وهذه استعمالات صحيحة تقع كَثِيراً والمناسبة فيها واضحة؛ لأَنَّهَا مشابهة لاستعمال اسم المسبب في السبب.
طَبْعاً سوف يأتي إن شاء الله تعالى بِأَنَّهُ قد يقال: إن مثل هذه الموارد ليس من باب الاستعمال أَبَداً بل هي من موارد الإطلاق الإيجادي الَّذِي نتناوله بالتفصيل إن شاء الله تعالى في محله.