بحث الأصول المرحوم آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

30/11/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

بحث أصول

 

{المقدمة\الدلالات اللفظية\الوضع\الحقيقة والمجاز}

الجلسة الـ23، الاثنين 21/11/1430 (=09/11/2009)

دلالة اللَّفْظ المجازية

كان الكلام في الدَّلاَلَة المجازية وقفنا إن دلالة اللَّفْظ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ بحاجة إِلَىٰ أن يكون اللَّفْظ صالحاً وذا صلاحية لِلدَّلاَلَةِ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ وما لم يحصل هذا المنشأ لا تَصِحُّ دلالة اللَّفْظ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ وَحِينَئِذٍ تكون الدَّلاَلَة كدلالة الألفاظ المهملة وَالَّتِي هي دلالة خاطئة، بينما أن الاستعمال في المعنى الْمَجَازِيّ ليس استعمالاً خاطئاً بل هو صحيح حَتَّىٰ من دون القرينة وقلنا إن القرينة لا تصلح لأَن تكون منشأ له؛ لأَن القرينة لا تصحح الصلاحية وَإِنَّمَا تعيّن المعنى أو تصرف النظر عن المعنى الحقيقي وهذا بحث متقدم عَلَىٰ مرحلة القرينة؛ لأَن اللَّفْظ حينما يستعمل في المعنى الْمَجَازِيّ يجب أن يكون صالحا له. كما قلنا بِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَىٰ مسلك المشهور القائلين بأن دلالة الوضع دلالةٌ تَصَوُّرِيَّة لا حاجة إِلَىٰ وضع آخر للمجاز ولا أن تصويره صحيح ومعقول.

وَأَمَّا بِنَاءً عَلَىٰ مسلك التَّعَهُّد الَّذِي هو دلالة وضعية تَصْدِيقِيَّة فوجودُ تعهد آخر للاستعمالات المجازية مشروط بعدم إرادة المعنى الحقيقي والتخلف عنه، أو أَنَّهُ مشروط بنصب قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي فهو أمر معقول، كما أن من الممكن أَيْضاً وجود تعهد آخر بإرادة جامع المعنى الأعم من الحقيقي والمجازي، وَبِالتَّالِي كُلَّمَا ثبت أن المعنى الحقيقي ليس مراداً فَحِينَئِذٍ يكفي التَّعَهُّد الثَّانِي للاستعمال في المعنى الْمَجَازِيّ وإرادته وَوَفْقاً لهذين التعهدين يَتُِمّ الحفاظ عَلَىٰ الطولية بين المعنى الْمَجَازِيّ والمعنى الحقيقي؛ لأَنَّهُ حينما لا يأتي بالقرينة يكون التَّعَهُّد الأول فعالاً ويكون موافقاً لمقتضى الطبع الأولي ويقول بِأَنَّهُ أراد المعنى الحقيقي، وإن أتى بقرينة صارفة عن المعنى الحقيقي أحرزنا شرط التَّعَهُّد الثَّانِي، ولكن إذا لم يأت بالقرينة ولم يكن في الواقع يريد المعنى الحقيقي يكون استعماله صحيحاً أَيْضاً؛ لأَنه حِينَئِذٍ يصبح التَّعَهُّد الثَّانِي فِعْلِيّاً ويكون منشأً لِلدَّلاَلَةِ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ. ويمكن لعدم الإرادة الَّذِي هو أمر تَصْدِيقِيّ أن يكون قَيْداً في المقام؛ لأَن الدَّلاَلَة الْوَضْعِيَّة تَصْدِيقِيَّة أَيْضاً ولا مشكلة فيه من هذه الجهة.

إشكال اللغوية عَلَى أصل مسلك التَّعَهُّد:

ومن الطبيعي أن اللَّغْوِيَّةَ تبقى عَلَىٰ حالها بمعنى أن هذا الإشكال في واقعه يتوجه إِلَىٰ أساس مسلك التَّعَهُّد، ولكن هنا أكثر ما يظهر هو إشكال اللغوية الَّذِي يقول بِأَنَّهُ لا يحتاج الواضع هنا إِلَىٰ تعهد آخر؛ لأَن بإمكانه الوصول إِلَىٰ النتيجة المتوخاة من دون هذا التَّعَهُّد؛ لأَنَّ ذاك التَّعَهُّد الأول حيث وضع فيه اللَّفْظ للمعنى الحقيقي (أي: تعهد بِأَنَّهُ كُلَّمَا استعمل هذا اللَّفْظ يقصد إخطار المعنى الحقيقي) كاف للمجاز أَيْضاً؛ لأَنَّهُ إن استعمله في هذا المعنى ولم يرفقه بالقرينة فهذا يكشف عن المعنى الحقيقي، وَأَمَّا لو كان يأت بالقرينة عَلَىٰ أن المعنى الحقيقي ليس مراداً له (والقرائن عادة ما تكون صارفةً) ولكن الاستعمال في المعنى الَّذِي لا توجد بينه وبين اللَّفْظ أية مناسبة خارج عن صلاحية اللَّفْظ وشأنيته. إذن، يتشكل الظهور الحالي في أن الْمُتَكَلِّم في موارد عدم الاستعمال في المعنى الحقيقي يكون قاصداً للمعنى الْمَجَازِيّ وذلك بتبع ذاك الأنس الذهني الموجود بين المعنى الحقيقي والمعنى الْمَجَازِيّ، وهذا المقدار يكفي لصحة الاستعمال في المعنى الْمَجَازِيّ ولا حاجة إِلَىٰ تعهد آخر، ومن هنا اكتفى أصحاب مسلك التَّعَهُّد بهذا المقدار ورفضوا وجود تعهد آخر، ولكن كان حرياً بهم أن يتنازلوا عن أساس مسلك التَّعَهُّد بعد الالتفات إِلَىٰ هذه النكتة والذهاب إِلَىٰ تَصَوُّرِيَّة الدَّلاَلَة الْوَضْعِيَّة والاعتقاد بأن الدلالات التَّصْدِيقِيَّة تصب في خانة الظهورات الحالية لِلْمُتَكَلِّمِ في مقام المحاورة حَتَّىٰ بالنسبة إِلَىٰ إرادة المعنى الحقيقي.

وحصيلة البحث هي أن المجاز لا يحتاج إِلَىٰ وضع جديد وهذه الصلاحية تكتشف من الوضع الأول، بل إن الوضع الجديد لغو.

وهناك بحث آخر يذكر في المقام وهو أَنَّهُ هل يشترط في معقولية الاستعمال الْمَجَازِيّ أن يأذن به الواضع أم لا؟ أي: هل عَلَىٰ العرف الواضع أن يؤمن بتلك المناسبات المجازية ويأذن بها وما لم يأذن بها لا يَصِحُّ الاستعمال الْمَجَازِيّ؟ لأَنَّهُ قد يقال بأن صحة الاستعمال في المعاني المجازية بحاجة إِلَىٰ نوع من الموافقة في العرف اللغوي، وإلا فسوف يكون هذا الاستعمال خاطئاً وغير عرفي وغير لغوي. ولكن يبدو أن الأمر هكذا ولا نحتاج إِلَىٰ شرط آخر غير المناسبة الصالحة للمعنى الْمَجَازِيّ مع المع الحقيقي وَالَّتِي توجد تلك الدَّلاَلَة الطولية. أي: تكفي في الاستعمالات المجازية تلك المناسبات الَّتِي توجد الدَّلاَلَة الطولية عَلَىٰ المجاز في ذهن العرف، والضابط في ذلك حصول تلك الدَّلاَلَة الطولية التَّصَوُّرِيَّة ووجودها في اللغة لا أكثر.

وعليه، فإن ذاك الوضع الأول بتلك الخصوصيات والتحليلات المتقدمة كاف لإشباع وتأمين الدَّلاَلَة اللفظية عَلَىٰ المعنى الحقيقي والمجازي تَصَوُّراً حيث أن حقيقة العلقة الْوَضْعِيَّة تَصَوُّرِيَّة، وكذلك تَصْدِيقِيّاً وفي مقام كشف المراد الاِسْتِعْمَالِيّ لِلْمُتَكَلِّمِ في باب المحاورة وَالَّذِي هو دلالة تَصْدِيقِيَّة، والوضع الأول كاف لكلا المقامين.