بحث الأصول المرحوم آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

30/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

بحث أصول

 

{المقدمة\الدلالات اللفظية\الوضع\الحقيقة والمجاز}

الجلسة الـ21، السبت 19/11/1430 (=07/11/2009)

دلالة اللَّفْظِ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ

البحث الجديد من سلسلة البحوث المقدماتية هو البحث عن دلالة اللَّفْظ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ، أي: المعنى غير الموضوع له، ويقع البحث هنا في خمس نقاط:

النقطة الأولى: في البحث عن أن المعنى الْمَجَازِيّ هل هو المفهوم المستعمل فيه أم في التطبيق وهو البحث المعروف بمجاز السكاكي ومجاز المشهور.

النقطة الثَّانِية: في البحث عن منشأ الدَّلاَلَة عَلَىٰ المجاز بِأَنَّ اللَّفْظ حينما يستعمل في المعنى الْمَجَازِيّ هل يوجد منشأ خاص لُغَوِيّاً لدلالته عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ أم لا يوجد منشأ آخر غير الوضع الأول؟ أي أننا نقول في مقام تحليل وضع اللَّفْظ للمعنى الحقيقي أن اللَّفْظ يَدُلُّ عَلَىٰ المعنى الحقيقي فهل هو كالدلالة عَلَىٰ المعنى الحقيقي يَدُلُّ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ أَيْضاً أم لا؟

النقطة الثالثة: في البحث عن مصحح المجاز، فهل الاستعمال في المعنى الْمَجَازِيّ بحاجة إِلَىٰ مصحح ومجوز أم لا؟

النقطة الرابعة: في البحث عن علامات الحقيقة والمجاز.

النقطة الخامسة: في البحث عن آلية دلالة اللَّفْظ عَلَىٰ المعنى ومرآتيتها، سواء الحقيقي أو الْمَجَازِيّ، وهذا ما يبحثونه عادة في البحث القادم وهو الاستعمال ولكننا نتناوله هنا؛ لأَنَّهُ يتعلق بأصل الدَّلاَلَة عَلَىٰ المعنى الحقيقي أو الْمَجَازِيّ، كما سوف نشرح ذلك.

النقطة الأولى: المجاز بين المفهوم والتطبيق

أَمَّا النقطة الأولى فقد وقع الخلاف فيها حول أَنَّهُ هل اللَّفْظ في المعنى الْمَجَازِيّ يستعمَل في غير المعنى الحقيقي أم لا يوجد مجاز في المفهوم وَإِنَّمَا يستعمل اللَّفْظ في معناه الحقيقي ولكن المجاز عقلي، أي: يُدعى أن ذاك المفهوم ينطبق عَلَىٰ مورد ومصداق لا يكون مِصْدَاقاً لذاك المعنى؛ فكلمة >أسد< في قولنا: >زيد أسد< قد استعملت في معنى الحيوان المفترس وَإِنَّمَا نطبقه عَلَىٰ زيد لكونه متسماً بسمة الشجاعة؛ وذلك لما في هذا الاستعمال من البلاغة إضافية فنقول بأن زيداً هو ذاك الحيوان المفترس. وكذلك استعملت كلمةُ >الماء< في قولنا: >احفظ ماء وجه أخيك< في السائل المعروف وليس في المعنى الْمَجَازِيّ، ولكننا افترضنا وجود ذاك المعنى في الوجه أَيْضاً؛ فَإِنَّ الإنسان حينما يتعرض للإحراج يتصبب وجهُه عرقاً. والحاصل أَنَّهُ لا يحدث تغيير في المعاني المستعمل فيها، وَإِنَّمَا يحصل المجاز في التطبيق وَالَّذِي يعبر عنه بالمجاز العقلي. هذا ادعاء يُنسب إِلَىٰ السكاكي ونستبعد هذه النسبة إِلَىٰ السكاكي في جميع موارد المجازات، فكأنه ذكر هذا التصوّر من المجاز أَيْضاً. أَمَّا أن يدعي قائل برجوع جميع المجازات إِلَىٰ المجاز العقلي لا إِلَىٰ المجاز في المفهوم فهو أمر مستبعد بين علماء الأدب؛ لأَن من المستبعد أن ينكر أحدهم وجود المعنى الْمَجَازِيّ عَلَىٰ نَحْوِ يكون المعنى مجازاً ونستعمل لَفْظاً في غير المعنى الموضوع له، ونفيُه بالكلية مِمَّا يخالف الوجدان.

أضف إِلَىٰ ذلك أن إرجاع جميع المعاني المجازية إِلَىٰ المجاز العقلي إما غير ممكن في كثير من الموارد وإما لا يمكن تطبيق المعنى المراد لدى الْمُتَكَلِّم أو يكون ركيكاً جِدّاً، وذلك مثل الموارد الَّتِي يكون المعنى الحقيقي فيها >العلم< لشخص أو لشيء؛ فإننا حينما نريد استعماله في غير معناه الحقيقي ونستنتجه يجب أن نستعمله في معنى آخر كالمسمى، فلا يَصِحُّ أن يكون >علم محمد< علماً لمحمدين؛ لأَن معنى العلم يأبى التكثر ولا يقبل الجمع، فمن الطبيعي أن تتعلق إرادتُنا بمعنى آخر كمسمى محمد وهو معنى مَجَازِيّ. وكذلك الأمر في القمرين والشمسين أو الأقمار والشموس بِنَاءً عَلَىٰ أن تكون >الشمس< اسماً لذاك القرص الْخَاصّ والقمر اسماً لتلك الكرة الخاصة. وهذا شاهد عَلَىٰ أَنَّهُ لا يمكننا استخدام المجاز العقلي في جميع الموارد، فالغالب في المجازات هو المجاز في المفهوم.

وكذلك الموارد الَّتِي لا يكون الْمُتَكَلِّم فيها بصدد التطبيق ولا يوجد في ذهنه فرد معيَّن، كالموارد الَّتِي لا يكون الْمُتَكَلِّم فيها جاداً، كما إذا قال مازحاً: >رأيت أسداً في الحمام< ولا يكون ناظراً إِلَىٰ أي إنسان حَتَّىٰ الإنسان الافتراضي. ففي مثل هذه الموارد لا يمكن حمله عَلَىٰ المجاز العقلي والمجاز في التطبيق.

وكذلك قد يكون الحمل عَلَىٰ المجاز العقلي فظّاً وركيكاً في بعض الموارد، كما إذا توفرت ميزة في المعنى الحقيقي غير جهة المشابهة، ولم تكن تلك الميزة متناسبة مع المعنى الْمَجَازِيّ أو كانت مضرة بالمقصود ومخالفةً للمراد، وكان وجه الشبه الْخَاصّ مع المعنى الحقيقي هو المقصود فحسب، كما إذا قلنا: >إن أبا الفضل × هو قمر بني هاشم< فهذا يستعمل في تلألؤ الوجه وإشراقه، لا في المعنى الحقيقي للقمر الَّذِي هو قرص دائري لا يتناسب مع ممشوق القامة، فَإِنَّهُ نقض للغرض. إذن، من المقطوع به كثرة موارد المجاز في المفهوم لغةً ولا يَصِحُّ إرجاع كل أبواب المجاز إِلَىٰ مجاز السكاكي.

النقطة الثانية: استغناء المجاز عن الوضع

والنقطة الثانية في أن صحة الاستعمال الْمَجَازِيّ بحاجة إِلَىٰ الإذن أو الوضع اللغوي أم لا؟ وبعبارة أخرى: ما هو منشأ حصول الدَّلاَلَة المجازية في الاستعمالات المجازية؟ فقد يتوهم أن القرينة هي منشأ لتلك الدَّلاَلَة ولصحة المجاز، إِلاَّ أَنَّهُ توهم باطل؛ لأَن استعمال المجاز ليس مقروناً بالقرينة دائماً، وعدم توفر القرينة لا يمنع عن صحة الاستعمال الْمَجَازِيّ، مُضَافاً إِلَىٰ أن القرينة قد تكون صارفةً تصرف عن إرادة المعنى الحقيقي، وَأَمَّا الدَّلاَلَة عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ المقصود فيحصل بواسطة اللَّفْظ نفسه بعد عدم إرادة المعنى الحقيقي. ومن هنا يطرح هذا البحث بِأَنَّهُ ما هو منشأ دلالة اللَّفْظ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ؟ وهل نحتاج إِلَىٰ وضع طولي ونمط آخر من الوضع أم لا؟

الصحيح أن منشأ هذه الدَّلاَلَة هو ذاك الوضع الأول لِلَّفْظِ للمعنى الحقيقي وَالَّذِي أدّى إِلَىٰ اقتران اللَّفْظ بذاك المعنى، ومع وجود المناسبة أو المشابهة بين المعنى الْمَجَازِيّ مع المعنى الحقيقي تحصل مرتبةٌ أضعف من الاقتران والتلازم التَّصَوُّرِيّ بين اللَّفْظ وذاك المعنى الْمَجَازِيّ أَيْضاً. وهذا المنشأ لدلالة اللَّفْظ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ إِنَّمَا هو في موارد عدم إرادة المعنى الحقيقي ولا يحتاج إِلَىٰ وضع آخر من نوع آخر للمعنى الْمَجَازِيّ كما لا توجد حاجة إِلَىٰ إذن الواضع؛ لأَن هذا الاقتران والاختصاص الَّذِي حصل بشكل ضعيف وطولي إِنَّمَا يُوجِد صلاحية اللَّفْظ وقابليته للاستعمال في المعنى الْمَجَازِيّ، وهذا هو التحليل الصحيح لنظرية دلالة اللَّفْظ عَلَىٰ المعنى الْمَجَازِيّ ومنشأ صحتها.