30/11/14
بسم الله الرحمن الرحیم
بحث أصول
{المقدمة\الدلالات اللفظية\الواضع وتقسيمات الوضع}
الجلسة الـ19، الاثنين 14/11/1430 (=02/11/2009)
كان الكلام في تَبَعِيَّة الدَّلاَلَة للإرادة وقلنا إن صاحب الكفاية فسر هذه التبعية بباب أخذ الإرادة في المعنى الموضوع له وأن الألفاظ وضعت للمعاني بما هي مرادة، ثم أورد عَلَىٰ ذلك ثلاثة إشكالات اعترض عليها السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & بِأَنَّهُ ليس المقصود منه أن تؤخذ الإرادةُ قَيْداً للمعنى الموضوع له وَإِنَّمَا المقصود أن إرادة تفهيم المعنى إِنَّمَا هي قيد وشرط للعقلة الْوَضْعِيَّة نفسها (أي: أنها قيد للوضع)، وهذا المطلب يتعين عَلَىٰ مسلك التَّعَهُّد الَّذِي اختاره & وعلى مسلك الاعتبار؛ لأَن إطلاق الاعتبار لأكثر من هذا المقدار لغو.
دراسة كلام السيد الخوئي
إِلاَّ أن كلام السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & غير تام لا فيما يرتبط بمسلك التَّعَهُّد ولا فيما يخص مسلك الاعتبار وذلك أَوَّلاً وَثَانِياً:
أَمَّا أَوَّلاً فلأنه يقول بشأن مسلك التَّعَهُّد إنه يلزم منه أن تكون القضية التعهدية والعلقة الْوَضْعِيَّة مُقَيَّدة بموارد يقصد فيها الإفهام، وهذا ما أشكلنا عليه آنفاً وقلنا بِأَنَّهُ غير معقول بمعنى وَوَفْقاً لمعنى آخر يهدّم أَسَاساً الحاجة إِلَىٰ مسلك التَّعَهُّد والدلالة التعهدية في باب المحاورات.
وَأَمَّا ثَانِياً فكلامه فيما يرتبط بمسلك المشهور (الاعتبار) أغرب مِمَّا أفاده في القسم الأول ويواجه مشكلة أعظم؛ لأَنَّهُ يقول بِأَنَّهُ وَفْقاً لمسلك المشهور الَّذِي يكون الأمر فيه اِعْتِبَارِيّاً يجب أن يكون هذا الأمر الاعتباري في حدود غرض المعتبر؛ لأَنَّهُ فعل اختياري للمعتبِر وأكثر منه يكون لغواً ولا يأت العاقل باللغو، والغرض من هذا الاعتبار هو التفهيم والتفهم في مقام المحاورة لا أكثر من ذلك، فحينما يضع اللفظ للمعنى يجب عليه أن يضعه في نطاق الغرض هذا، وإن قام توسّع فيه يكون عمله لغواً. فكأنه & جعل الغرض من الوضع تحقق الدَّلاَلَة التَّصْدِيقِيَّة حَتَّىٰ في مسلك الاعتبار وافترض أن مقصود العقلاء وغرضهم من هذا الاعتبار هو تحقق الدَّلاَلَة التَّصْدِيقِيَّة، بينما تقدم سَابِقاً أن الدلالات التَّصْدِيقِيَّة لا تحدث بالوضع بل يستحيل أن تحدث بالاعتبار وكان السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & نفسه من القائلين بأن الدَّلاَلَة التَّصْدِيقِيَّة لا تحصل أَبَداً بأمر إنشائي ولا يمكن أن نجعل شيئاً علةً لشيء آخر بواسطة الإنشاء والاعتبار الَّذِي هو سهل المؤونة، بل إن غرض الواضع من الوضع بِنَاءً عَلَىٰ مسلك الاعتبار هو خلق الدَّلاَلَة التَّصَوُّرِيَّة والصلاحية للفظ لإخطار المعنى تصوراً. وبعبارة أخرى: تداعي تصور المعنى عند تصور اللفظ في الذهن حَتَّىٰ تتأتى الاستفادةُ من هذه القابلية والتداعي التصوري في المحاورات ويحصل المبدأ والمنشأ لتلك الظهورات التَّصْدِيقِيَّة الاستعمالية والجدية في مقام المحاورة وَالَّتِي نطلق عليها اسم الظهورات الحالية.
ومن الواضح جِدّاً أَنَّهُ كُلَّمَا حصل التداعي والتلازم التصوريّ يكون طرفاه تصور اللفظ وتصور المعنى والحاصل من سماع اللفظ سواء كان من الْمُتَكَلِّم أم كان من الحائط، وسواء كان الْمُتَكَلِّم ملتفتاً أم كان نائماً أو ساهياً، وقلنا أَيْضاً إن التلازم التصوري يأبى التقييد بالأمر التَّصْدِيقِيّ. وَبِالتَّالِي يستحيل تقييد العلقة الْوَضْعِيَّة وَفْقاً لمسلك الاعتبار بوجود الإرادة الَّتِي هي أمر تَصْدِيقِيّ، ومن هنا لا يسجّل إشكاله & عَلَىٰ الخراساني صاحب الكفاية الَّذِي يعتقد كالمشهور بأن الوضع بالأساس دلالة تَصَوُّرِيَّة وتلازم بين تصور اللفظ وتصور المعنى.
والصحيح في الدلالة الْوَضْعِيَّة (الَّتِي هي تلازم تَصَوُّرِيّ وَفْقاً لمسلك المشهور) أن أمرها دائر بين الوجود والعدم ولا يعقل تقييدها بواقع الإرادة وقصد الإفهام الَّذِي هو أمر تَصْدِيقِيّ، لا التلازم التصوري نفسه قابل للتقييد وَالَّذِي هو علقة وضعية ولا أن أحد طرفيها يقبل التقييد؛ لأَنَّهُ يجب أن يكون طرفا التلازم التصوري تَصَوُّرِيّاً أَيْضاً، ومن هنا يتبين أن ما ذكره من أن >إطلاق الاعتبار لغو< كلام غير صحيح؛ لأَن غرض الإيجاد هو هذا التلازم التصوري بين تصورين إن تم كان مُطْلَقاً يأبى التقييد بأمر تَصْدِيقِيّ، والمقصود من الوضع هو هذه المقولة القائلة بِأَنَّهُ لو أمكن إعطاء آلية بيد المستعمِل لكي يتمكن بها من إخطار تصور المعنى بواسطة اللفظ إِلَىٰ ذهن المخاطب، وهذا أمر مهم وضروري وليس لغواً. وَبِالتَّالِي لا يرد شيء من إشكاله & الثَّانِي بالإضافة إِلَىٰ ما تبيّن من أن الإرادة كما لا يمكنها أن تقع شَرْطاً للعلقة الْوَضْعِيَّة كذلك لا يمكنها أن تقع في طرف من طرفي هذا التلازم التصوري.
الإشكال الأساسي:
والإشكال الجوهري عَلَىٰ كلام الخراساني هو أن نقول بأن المقصود من وضع اللفظ للمعنى المراد بما هو مراد لو كان أخذ مفهوم إرادة القيد في المعنى فمن الواضح أن مفهوم الإرادة ليس مقصوداً ولا يحصّل التبعيةَ للإرادة، مُضَافاً إِلَىٰ أن من الواضح أن في هذا المفهوم لا يستعمل الألفاظ، ولو كان المقصود أن واقع الإرادة قيد للمعنى الموضوع له فهذا المطلب غير معقول في عالم الثبوت؛ لأَنَّ الدَّلاَلَة الْوَضْعِيَّة (وَفْقاً لمسلك المشهور والصحيح) هو تلازم تصوري بين اللفظ والمعنى ولا يمكن أخذ القيد التَّصْدِيقِيّ في التلازم التصوري.