30/11/08
بسم الله الرحمن الرحیم
بحث أصول
{المقدمة\الدلالات اللفظية\الواضع وتقسيمات الوضع}
الجلسة الـ16، الثلاثاء 08/11/1430 (=27/10/2009)
تقرير الشهيد الصدر للتقريب الثَّانِي
كان الكلام في الوضع باستعمال واحد، فذكرنا التقريب الأول فيه، وهناك تقريب آخر يتصوره سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & من كلام الخراساني موافقاً لما ذهب إليه من أن الوضع هو اختصاص اِعْتِبَارِيّ بين اللفظ والمعنى؛ لأَن ذاك الاختصاص يحصل باستعمال مصداقه وهذا هو الوضع المتزامن مع كونه استعمالاً. ثم يقول & بأن هذا الكلام إِنَّمَا يصلح فيما إذا كان صرف الاقتران الذهني بين اللفظ والمعنى كافياً في الوضع، ولا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَىٰ الاعتبار أو التَّعَهُّد الذين هما أمران معنويان أضافيان لازمان؛ لأَن هذا الاختصاص لا يمكن أن يقع مِصْدَاقاً للوضع؛ لأَنَّهُ أَوَّلاً مصداقية هذا الاستعمال للوضع متوقف عَلَىٰ أن يكون هذا اللفظ لوحده قَادِراً عَلَىٰ إلقاء المعنى في الذهن بينما لا يمكن للفظ وحده أن يقوم بذلك هنا، بل يقوم بذلك مع القرينة، اللهم إِلاَّ أن يكون هناك وضع في مرحلة سابقة. إذن، إن مصداقية كون هذا اللفظ لوحده يلقي المعنى إِلَىٰ الذهن ويكون مرتبطاً ومتوقفاً بذاك المعنى متفرع عَلَىٰ وجود ذاك الأمر الإنشائي والاعتباري في مرحلة سابقة، وإذا أراد أن يحصل ذاك في طول هذا يلزم منه الدور والمحال.
أضف إِلَىٰ ذلك أن هذا التخصيص الخارجي ليس اِعْتِبَارِيّاً وإنشائياً، بل هو تخصيص تكويني بين شخص هذا اللفظ المستَعمَل وبين المعنى المستعمَل فيه، وذاك الأمر الإنشائي إِنَّمَا هو تخصيص كليّ >اللفظ< في ذاك المعنى تَخْصِيصاً اِعْتِبَارِيّاً غير محقق الوقوع.
4)-تقسيم الوضع من حيث إطلاق العقلة الْوَضْعِيَّة وتقييدها
أَمَّا التقسيم الرابع فلم يرد في كلمات الأصوليين عَلَىٰ هذا النحو، ولكن يستفاد منها فيمكن ذكره أَيْضاً وهو أن بالإمكان تقسيم الوضع أو العلقة الْوَضْعِيَّة إِلَىٰ علقة وضعية مطلقة وعلقة وضعية مُقَيَّدة. والنكتة في هذا التقسيم هو أَنَّهُ لو أخذ قيدٌ في العلقة الْوَضْعِيَّة فسوف تكون تلك العلقة بين اللفظ والمعنى مُقَيَّدة، ومن دون ذاك القيد لن تتوفر الدَّلاَلَة الْوَضْعِيَّةُ.
وصحة هذا التقسيم الرابع متوقفة عَلَىٰ إمكان تقييد الوضع وعدم إمكانه، وهنا يجب أن نشرح كيفيات التقييد؛ فَإِنَّ تقييد الوضع له أحد المعنيين:
المعنى الأول: أن نأخذ القيد في طرف الموضوع (أي: اللفظ) وهذا التقييد ممكن ومعقول، شريطةَ أن يكون ذاك القيد من سنخ اللفظ والأمور التَّصَوُّرِيَّة، لا التَّصْدِيقِيَّة، بِنَاءً عَلَىٰ أن دلالة اللفظ عَلَىٰ المعنى تَصَوُّرِيَّة.
المعنى الثَّانِي: أن نقيّد العلقة الْوَضْعِيَّة نفسها الموجودة بين اللفظ والمعنى ونقول بأن هذه العلقة مسبوقةٌ بشرط، كما إذا قلنا بوجود هذه العلقة في النهار دون الليل، أو أنها موجودة في هذا المكان وليست في الأماكن الأخرى.
وهذا النمط من التقييد يَصِحُّ ويتعقل بِنَاءً عَلَىٰ أن يكون الوضع اعتباراً أو تعهداً؛ لأَن الاعتبار والتعهد لا يأبيان التقييدَ كالأحكام المجعولة المشروطة بشرط.
ولكن لا يتعقل هذا التقييد بِنَاءً عَلَىٰ نظرية القرن الأكيد؛ لأَنَّهُ إن حصلت العلقة بين اللفظ والمعنى من دون قيد في الطرفين فلاَ بُدَّ من أن تكون العلقة الْوَضْعِيَّة مطلقةً، وإن حصلت مع وجود قيد في أحد الطرفين وكان متناسخاً معه فسوف تحصل العلقة الْوَضْعِيَّة والتلازم التصوري بين اللفظ والمعنى أو بين المعنى الْمُقَيَّد واللفظ، ولا يُتعقل تقييد العلقة نفسها والاختصاص التصوري بين اللفظ والمعنى، بل لا يتعقل حَتَّىٰ بِنَاءً عَلَىٰ مسلك الاعتبار الَّذِي يراد منه حصول النتيجة والعلقة الْوَضْعِيَّة الَّتِي هي تلازم تكويني وواقعي بين تصور اللفظ وتصور المعنى، وهذا أمره دائر بين الوجود والعدم، ولا يصلح للتقييد كالأمور الاعتبارية، ويأتي مزيد تفصيل وإيضاح لهذا في البحث عن المعنى الاسمي والحرفي إن شاء الله تعالى.