30/11/07
بسم الله الرحمن الرحیم
بحث أصول
{المقدمة\الدلالات اللفظية\الواضع وتقسيمات الوضع}
الجلسة الـ15، الاثنين 07/11/1430 (=26/10/2009)
كان البحث في تقسيمات الوضع حيث قلنا إنهم قسموه بجهات عديدة كانت الأولى منها لحاظ تصور المعنى الموضوع له؛ لأَنَّ المعنى الموضوع له يجب أن يُتصور ويوضع اللفظ له ومن هذا المنطلق قسموه إِلَىٰ الوضع الْعَامّ والموضوع له الْعَامّ والوضع الْخَاصّ والموضوع له الْخَاصّ والوضع الْعَامّ والموضوع له الْخَاصّ وعكس الأخير، فوقع البحث في القسم الثالث وذكرنا كيفية إمكان هذا القسم بأن العناوين العامة قد تُنتزع من المعاني الخاصة الحاكية عن تلك الخصوصية الخاصة للخاص، ومن هنا تكون وجهاً لها فيمكن جعل حكم (وهو وضع اللفظ في المقام) لذاك المعنى الْخَاصّ عبر ذاك العنوان. وهنا أثاروا إشكالين منطقيين ودفعوهما وهما كالتالي:
الإشكال الأول:
والإشكال الأول الَّذِي يُثار بوجه الوضع الْعَامّ والموضوع له الْخَاصّ هو ما ذكروه من أَنَّهُ لو أردتم الوضع بهذا العنوان الْعَامّ لتلك الحيثية العامة الَّتِي تصورتموها يكون الموضوع له عاماً وليس خَاصّاً، وإن أردتم القيام بعملية الوضع عبر هذا العنوان لمعنونه ومحكيه الخارجي فَحِينَئِذٍ يكون الوجود الخارجي موضوعاً له وهذا مخالف للمقصود في باب الألفاظ؛ لأَنَّ المقصود ليس وضع اللفظ للوجود الخارجي بل للمفهوم وليس كسائر الأحكام في القضايا المجعولة الَّتِي توضع للخارج، ومن هنا يقال بِأَنَّهُ لم يأخذ في المعنى لا الوجود الخارجي ولا الوجود الذهني، بل يستحيل هذا الأخذ، وَبِالتَّالِي يستحيل الوضع الْعَامّ والموضوع له الْخَاصّ، إِلاَّ إذا انتقلنا من المعنى الْعَامّ إِلَىٰ المعنى الْخَاصّ ونضع اللفظ لذاك المعنى الْخَاصّ فيكون الوضع هنا خَاصّاً والموضوع له خَاصّاً أَيْضاً.
وبعبارة أخرى: إن المفاهيم والمعاني متباينة مع بعضها حَتَّىٰ الْعَامّ والخاص فإنهما يتحدان مع بعضهما في الوجود الخارجي فحسب لا في المفهوم؛ فَإِنَّ من الواضح أن مفهوم الإنسان مباين لمفهوم زيد وهما يتحدان معاً في المصداق فحسب، وَبِالتَّالِي يستحيل الوضع الْعَامّ والموضوع له الْخَاصّ.
جواب الإشكال الأول:
إِلاَّ أن جواب هذا الإشكال واضح؛ فإنَّ من الواضح أن تلك المعاني العامة الَّتِي نريد من خلالها وضعها للمعاني الخاصة إِنَّمَا هي منتزعة عن المعاني الخاصة نفسها، أي: أن محكيّها والمفنى فيها هو تلك المعاني والمفاهيم الخاصة كمفهوم >نسبة الظرفية< أو >الابتدائية<؛ فَإِنَّ نسبة الابتدائية هذه منتزعة عن المفهوم النسبي القائم بين الماء والإناء وهو بنفسه مفهوم قائم بمفهومين آخرين في الذهن. وبعبارة أخرى: أن هناك ضرباً من المعقول الثانويّ كمفهومي الكلي والجزئي الَّلتان هما من المعقولات الثانوية الْمَنْطِقِيَّة، وَبِالتَّالِي لا يلزم من الوضع للمحكي في مثل هذه المفاهيم العامة الوضعُ للوجودي الخارجي وَإِنَّمَا يكون الوضع للمفاهيم الأولية الحرفية والنسبية.
الإشكال الثَّانِي:
أن الْعَامّ الَّذِي تريدون انتزاعه إِنَّمَا تنتزعونه عن طريق التجريد، أي: أنكم تلحظون شيئاً جزئياً ثم تحذفون منه الخصوصيات فتبقى الجهة المشتركة بينه وبين الأفراد الأخرى فتكون الجهة مشتركة وعاماً، وَبِالتَّالِي لا يتحصل مفهوم عام ما لم نحذف تلك الخصوصيات الفردية، ومعنى ذلك أن المفهوم الْعَامّ والحيثية المشتركة داخل في مفهوم الْخَاصّ، ويستحيل عَلَىٰ الجزء أن يُري الكلَّ؛ لأَنَّهُ يستحيل انطباقه عَلَىٰ الكل، وهذا إما خلف وإما تناقض، وَبِالتَّالِي يستحيل أن يكون الكلي والعام وجهاً للخاص والفرد إِلاَّ عن طريق الانتقال إِلَىٰ مفهوم آخر، وهو خارج عن محل البحث.
جواب الإشكال الثَّانِي:
وهذا الإشكال جوابه واضح أَيْضاً؛ ذلك لأَنَّ المفاهيم والكليات عَلَىٰ قسمين بعضها حقيقية وبعضها انتزاعية واختراعية ينتزعها الذهن أو يخترعها؛ فَإِنَّ بإمكان الذهن أن ينتزع الخصوصية والفردية عن جهة الخصوصية والفردية لأفراد مفهوم آخر وتكون صادقة عَلَىٰ تلك الأفراد بخصوصياتها؛ لأنها انتزعت عنها من هذه الحيثية.
وبعبارة أخرى إن هذه المفاهيم بنفسها عامة ولكن محكيها هو تلك الميزة الَّتِي تنطبق عَلَىٰ ما يمتاز به الأفرادُ، ومن هنا يقال: >زيد فرد من الإنسان وخاص منه< أي: أن إراءة الأفراد لا تَتُِمّ عبر مفهوم >الإنسان< وَإِنَّمَا تَتُِمّ عن طريق المفاهيم المنتزعة عن الْخُصُوصِيَّة والنسبية والفردية حيث يمكن فيها لحاظ الْخَاصّ بالحمل الأولي ووضعه عبره لأفراده ومصاديقه بالحمل الشائع، فلا يسجل هذا الإشكال أَيْضاً.
القسم الرابع: الوضع الْخَاصّ والموضوع له الْعَامّ
وهذا القسم الرابع (يعاكس القسم الثالث وهو) ما إذا أردنا وضع اللفظ عبر المعنى الْخَاصّ للمعنى الكلي والعام، وهو مستحيل؛ لأَنَّنا حينما نلحظ المعنى الْخَاصّ يكون الميزة الخاصة فيه جزءاً للمعنى وَأَمَّا المفهوم الْعَامّ فيكون مَوْجُوداً فيه بالوجود التحليلي.
وبعبارة أخرى: الكليّ وإن كان مَوْجُوداً في الفرد ولٰكِنَّهُما مباينان مع بعضهما في المفهوم وليسا من الأقل والأكثر حَتَّىٰ يقال: يمكن وضع اللفظ عر المفهوم الْخَاصّ لجزء ذاك المفهوم المركب، إِلاَّ أن نتصور ذاك المفهوم المباين بالاستقلال وهو انتقال من مفهوم إِلَىٰ مفهوم آخر وخارج عن محل البحث كما أَنَّهُ ليس معقولاً إِلاَّ عَلَىٰ نَحْوِ الانتقال بأن ينتقل الإنسان من الفرد إِلَىٰ الْعَامّ. أي: أن يكون تصور الْخَاصّ قنطرة وجسراً لتصور الْعَامّ؛ لأَن الْخَاصّ ليس مرآة للعام حَتَّىٰ في المفاهيم الانتزاعية والاختراعية الذهنية.
الكلام وفق مسلك القرن الأكيد
ما ذكرناه لحد الآن كان مبنياً عَلَىٰ أن تكون حقيقة الوضع أَمْراً إنشائياً بأن يتصور الواضع كليهما ويضع أحدهما للآخر، ولكننا قلنا بِنَاءً عَلَىٰ مسلك القرن الأكيد إن الوضع ليس من باب الحكم والإنشاء وإذا استخدم فيه حكم وإنشاء إِنَّمَا يكون طريقاً لخلق القرن المؤكد بين تصور اللفظ وتصور المعنى، وَوَفْقاً لهذا المسلك:
أَوَّلاً: لا نحتاج إِلَىٰ ذلك، بل يحصل القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى الْخَاصّ عن طريق اقترانهما ببعضهما؛ فَإِنَّ حدوث نسبة الظرفية في بعض الموارد تؤدي تلقائياً إِلَىٰ خلق ذاك القرن بين اللفظ وذات نسبة الظرفية من دون الطرفين؛ لأَن الطرفين متغيران وليسا بثابتين.
وَثَانِياً: لقائل أن يقول بِأَنَّهُ وَفْقاً لهذا المسلك لا يكفي الوضع الْعَامّ والموضوع له؛ لأَنَّنَا حينما نتصور المعنى الْعَامّ لا نريد أن نقرن بين ذاك المعنى الْعَامّ الاسمي وبين اللفظ، وَإِنَّمَا نريد أن نضعه لنسبة الظرفية والمعنى الْخَاصّ القائم بالطرفين، وَبِالتَّالِي يجب أن نتصوره ولا يكفي تصور المفهوم الاسمي المشير إليه ولا يحصل الاقتران بين اللفظ والمعنى النسبي ما لم يحصل القرن بين ذاك المعنى النسبي المتقوم بالطرفين في الذهن.
2)- أقسام الوضع بلحاظ اللفظ الموضوع
التقسيم الثَّانِي الَّذِي ذكرناه في المسرد هو تقسيم الوضع بلحاظ اللفظ الموضوع إِلَىٰ النوعي والشخصي وقد ذكرنا أن الواضع في الهيئات والألفاظ القائمة بالمواد المختلفة (وليست قائمة بمادة خاصة) كالمشتقات أو هيئات الأفعال أو الأسماء والحروف الَّتِي لا تتحد المادةُ فيها لكي يضعها، فيضع نوعها عبر هيئة مفترضة في مادة كهيئة الفاعل ويقول: وضعتُ هيئة الفاعل لذاك المعنى. وهنا يجب أن يتصور هذه الهيئة الجزئية ويأخذها عُنْوَاناً مُشِيراً في مادة الفاعل إِلَىٰ كليّ الهيئات في الموارد الأخرى، وكذلك بالنسبة لوضع المادة في المشتقات المختلفة؛ إذ من المعقول والممكن أن تدل كل من الهيئة والمادة عَلَىٰ معناها بالمآل، طَبْعاً بِنَاءً عَلَىٰ مسلك القرن الأكيد يأتي ذاك المطلب إِلَىٰ المقام أَيْضاً بِأَنَّهُ يحصل ذلك في مادة أو مادتين ثم يحدث هذا القرن تلقائياً بين تلك الهيئة أو المادة وبين معاناها وَحِينَئِذٍ لا حاجة إِلَىٰ الوضع النوعي.
3)-أقسام الوضع بلحاظ كيفية وضع اللفظ للمعنى
لا كلام في أن الوضعين التعييني والتعيّني يحصلان بكثرة الاستعمال وإن لم نحتج إِلَىٰ الاعتبار والتعهد بِنَاءً عَلَىٰ قبول الوضع التعييني بكثرة الاستعمال وَالَّذِي قد تكون أكثر الأوضاع اللغوية عَلَىٰ هذا النحو، أي: أن وقوع الوضع عن طريق كثرة الاستعمال يُعَدُّ بنفسه شاهداً وقرينةً عَلَىٰ صحة نظرية القرن الأكيد في الوض
دراسة الوضع باستعمال واحد
وَأَمَّا حصول الوضع باستعمال واحد فقد وقع محطاً للمناقشة والبحث لدى الأصوليين بِأَنَّهُ هل يمكن للواضع أن يضع لَفْظاً بكراً وجديداً لمعنى من المعاني باستعمال واحد بأن يقول مَثَلاً للمولود الجديد >حسين< ويقصد بذلك استعمال لفظ >الحسين< ووضعه اسماً للمولود. طَبْعاً إذا كان يريد أن يقول عبر هذا الاستعمال الواحد إنني وضعتُ هذا اللفظ ويريد بالاستعمال إبراز ذاك الوضع، فهذا معقول ولا بحث فيه بِأَنَّهُ يريد بهذا الاستعمال أن يكشف عن أَنَّهُ في عالم نفسه قيّده بالوضع وهذا صحيح وَفْقاً لجميع المباني والمسالك:
أَمَّا بِنَاءً عَلَىٰ مسلك القرن الأكيد فيحصل الاقتران بين اللفظ والمعنى بهذا الاستخدام.
وَأَمَّا بِنَاءً عَلَىٰ مسلك التَّعَهُّد فلقائل أن يقول بِأَنَّهُ بهذا الاستعمال يُري أَنَّهُ قد تعهد بِأَنَّهُ من الآن فصاعداً كُلَّمَا أراد نداء الصبي يناديه باسم >الحسين<.
وكذلك وَفْقاً لمسلك الاعتبار يكون قد اعتبر ذلك وأبرزه بذاك الاستعمال الواحد، وفي الواقع يكون الاستعمال كَاشِفاً عن الوضع، ولكن وَفْقاً لمسلكي الاعتبار والتعهد لا يُوضع الاستعمال في المقام بل يكون الاستعمال كَاشِفاً عن الوضع؛ فَإِنَّ الوضع قد تَمَّ بذاك الاعتبار أو التَّعَهُّد الَّذِي هو فعل النفس ثم أُبرز بذاك الاستعمال. واشتهر البحث هنا عن أَنَّهُ هل يمكن أن يَتُِمّ الوضع بالاستعمال نفسه وفي طول الاستعمال، عَلَىٰ أن لا يكون قبل الاستعمال شيء من الوضع ويحصل الوضع بالاستعمال نفسه؟
وتكون الإجابة إيجابياً وفق مسلك القرن الأكيد؛ لأَنَّنَا لا نحتاج إِلَىٰ أمر إنشائي حَتَّىٰ نقول: هل هذا يكشف عن ذاك أم لا؟ بل يحصل الوضع بهذا الوضع؛ فَإِنَّ ما هو ضروري في هذا المسلك هو حصول القرن المؤكد بين اللفظ والمعنى.
الإشكالات الموجهة إِلَى الوضع وَفْقاً لمسلك الاعتبار
وَأَمَّا وَفْقاً لمسلك الاعتبار أو التَّعَهُّد يجب أن يتحقق أمر معنوي آخر وهو الوضع، وهو يختلف عن الاقتران الخارجي، وَحِينَئِذٍ إن أردتم إيجاد ذاك الأمر بالاستعمال نفسه يوجه إليه إشكالات عديدة، نقدّم فيها تقريبين استفيدا من كلمات الخراساني في صحة الوضع بالاستعمال:
التقريب الأول:
وهو أن كل من يقول بأن المعاني الإنشائية والاعتبارية معان إيجادية وأن ألفاظ الإنشاء تُخلق المعنى الإنشائي (أي: أنها تحصل في طول استعمال ذاك المعنى لا أن تكون كاشفة عنه) يقول أَيْضاً بِأَنَّهُ يُوجد تلك القضية الْوَضْعِيَّة بهذا الاستعمال نفسه، كما أنهم يُوجِدون معان الأمر والاستفهام والنهي بالألفاظ، إِلاَّ أن هناك إشكالات توجّه إِلَىٰ هذا المسلك أَيْضاً؛ لأَنَّهُ يلزم منه تعدد اللحاظ.
إشكال الميرزا النائيني:
وقد أورد الميرزا النائيني إشكالا عليه بِأَنَّهُ لو أراد أن يستعمل اللفظ يصبح اللحاظ الاِسْتِعْمَالِيّ لحاظاً آلياً للفظ وفانياً في المعنى، ولٰكِنَّهُ لو أراد وضع الإنشاء يجب أن يكون اللفظ الملحوظ مُسْتَقِلاًّ ويحظى باللحاظ الاستقلالي، بينما يوجد تهافت بين اللحاظين ولا يجتمعان في لفظ واحد.
الإجابة عن إشكال الميرزا
وأجيب عن هذا الإشكال بأن من الممكن في الاستعمال أن يلحظ الإنسانُ اللفظ استقلالاً ولا يكون قوام الاستعمال بآلية اللحاظ، فما أكثر الألفاظ الَّتِي يستعملها الإنسان ويتصورها بالتفصيل أَيْضاً، كما إذا كان في مقام اختيار لفظ آخر أبلغ وأفصح.
مُضَافاً إِلَىٰ أنَّ طبيعي اللفظ هو الموضوع له في المعنى، واللفظ المستعمَل هو شخص ذاك اللفظ ويمكن للإنسان أن يلحظ شخص اللفظ لحاظاً آلياً ويكون منشأ اللفظ لطبيعي اللفظ ويلحظ طبيعي اللفظ لحاظاً استقلالياً، ولا ضير في ذلك؛ إذ أنهما لحاظان وملحوظان، فلا يرد هذا الإشكال.
إشكال آخر:
وقد يقال بِأَنَّهُ يلزم منه أن لا يكون هذا الاستعمال لا حقيقياً ولا مجازياً، وَبِالتَّالِي يكون من الألفاظ المهملة والخاطئة؛ لأَنَّهُ لم يوضع بعدُ لذاك المعنى حَتَّىٰ تتحقق الحقيقة أو المجاز الَّذِي هو في طول الحقيقة، فيكون خاطئا.
وأجيب عنه بِأَنَّهُ يكفي في صحة الاستعمال أدنى مناسبة ولا ضرورة للمجاز والحقيقة، فيكفي أدنى مناسبة عقلائية وعرفية، ولا شك في أن أحد أهم تلك المناسبات أَنَّهُ يريد أن يضعه لذاك المعنى، وهذا المقدار كاف لصحة هذا الاستعمال وكونه مناسباً، ونحن إن شاء الله تعالى سوف نقول في الاستعمالات المجازية بأن الاستعمال بالمناسبة أعم من الاستعمال الحقيقي والمجازي، وإن استعمال اللفظ في نفسه يُعَدُّ استعمالاً من الاستعمالات الَّتِي ليست حقيقة ولا مجازية، مثل >ضرب فعل ماضٍ< حيث لم نستعمل الضرب فيه في معنى الضرب، وَإِنَّمَا استعملناه في لفظ الضرب نفسه، ومثل هذه الاستعمالات يَصِحُّ في الألفاظ المهملة ولا تكون خاطئة، كما إذا قال: >ديز لفظٌ<.
أضف إِلَىٰ ذلك ما يُذكر من كفاية أن يكون الاستعمال حقيقياً حين الاستعمال وإن كان مُتَأَخِّراً رتبة، وهذا محفوظ في المقام.
وقد يرد عَلَىٰ ذلك أن هذا التقريب مبتن عَلَىٰ إيجادية إنشاءٍ لا يؤمن به أكثر الأصوليين؛ فَإِنَّ هذا الإشكال يمكن دفعه حَتَّىٰ في الإنشائيات بأن الإنشائية صحيحة ومعقولة في الأمور الْوَضْعِيَّة والاعتبارية مثل >بعتُ<، بمعنى أَنَّهُ يقال في تحقق الأمور الاعتباريّة بِأَنَّهَا لا تتحقق من دون الإبراز، والألفاظ وإن كانت تبرز ما في النفس ولكن يتقوّم اعتبار الأمور الاعتبارية العقلائية والشرعية بالإبراز عَلَىٰ أَنَّهُ لو لم يبرز ولم يستعمل لا يكون الاعتبار كافياً في عالم النفس، وَبِالتَّالِي كيفما تصوّرنا الإيجاديةَ في الأمور الاعتبارية في العقود والإيقاعات يصلح هنا للتصوير بالاستعمال بأن يكون الاستعمال قواماً لتحقق ذاك الاعتبار الوضعي أو التَّعَهُّد العقلائي، لا صرف كاشف عنه.
التقريب الثَّانِي:
وذكر الخراساني تقريباً آخر للوضع بالاستعمال الواحد حيث قال بأن هذا الاستعمال نفسه مصداق للتخصيص؛ لأَنَّهُ فسّر الوضع بتخصيص المعنى، فيكون هذا الاستعمال مِصْدَاقاً تصديقياً؛ لأَنَّهُ بهذا الاستعمال يكون قد أوجد هذا التخصيص بالحمل الشائع وهو مصداق لتخصيص اللفظ ومعنى الَّذِي نعبر عنه بالوض