30/11/01
بسم الله الرحمن الرحیم
بحث أصول
{المقدمة\الدلالات اللفظية\الأول: الوضع}
الجلسة الـ12، الثلاثاء 01/11/1430 (=20/10/2009)
القسم الثَّانِي من الإشكالات:
القسم الثَّانِي من الإشكالات الموجهة إِلَىٰ مسلك التَّعَهُّد هي المبعِّدات الَّتِي تؤدي بمجموعها بالاعتقاد إِلَىٰ بطلان مثل هذا التفسير لحقيقة الوضع، والمبعدات هي:
الْمُبَعِّد الأَوَّل:
أَنَّ الدَّلاَلَةُ الْوَضْعِيَّة أو اللغويةُ إذا كانت مبنيةً عَلَىٰ التَّعَهُّدِ فَحِينَئِذٍ لا تحصل تلك الدَّلاَلَة اللغويةُ ما لم تتشكل تلك التعهدات العرفية وما لم يلتزم بها جميع أبناء اللغة ولا تتكوّن اللغة في حياة الإنسان، مع أن من الواضح أن تلك الالتزامات والتعهدات العقلائية معان عميقة ودقيقة تتشكل في مرحلة نمو الحياة العقلية للإنسان وبلوغها، بينما أن ظاهرةَ اللغةِ تصاحبُ الإنسان منذ نعومة أظفاره وبداية حياته الإدراكية حين لا يعرف معنى التَّعَهُّد، وهذا أوضح دليل وجداني عَلَىٰ بطلان هذا المسلك، مُضَافاً إِلَىٰ أن ظاهرة اللغة كانت موجودة في المجتمعات البشرية البدائية، مع أنهم ما كانوا يعرفون هذه التعهدات العقلائية.
المبعِّد الثَّانِي:
أَنَّهُ لو كانت التعهدات العقلائية هي المبنى للدَّلاَلَة الْوَضْعِيَّةِ يلزم منه (كما تقدم) أن يكون كل مستعمِل واضعاً ومتعهداً وملتزماً بتلك القضية التعهدية الشرطية، ولو كان ذلك صحيحاً كان علينا أن نشعر به في وجداننا ونجعله المبنى لكشف المقصود الاِسْتِعْمَالِيّ لدى الْمُتَكَلِّم بِأَنَّهُ لو خالف ذلك في مورد من الموارد يُعَدُّ مخالفاً لذاك التَّعَهُّدِ، ونحن أَيْضاً لو استعملنا اللفظ في المعنى المجازي من دون قرينةٍ نكون بذلك قد خالفنا التَّعَهُّد الَّذِي التزمنا به تجاه الآخرين، بينما لا نشعر بمثل هذا الإحساس في وجداننا؛ لأَنَّ مخالفة التَّعَهُّدِ تنطوي عَلَىٰ ضرب من الحمل السلبي ونكوث العهد الَّذِي نشعر به في العهود والمعاملات، وهذا ما لا نشعر به أَبَداً في الاستعمالات المجازية وغير الحقيقية ولا يوجد فيه أي شكل من أشكال اللوم والعتاب، بل إن بعض الاستعمالات المجازية تكون أبلغ وأحسن.
المبعِّد الثالث:
ويشاطر مسلكُ التَّعَهُّدِ هذا المبعِّدَ مع مسلكِ الاعتبارِ وهو أنَّهُ لا شك في أن من أقسام وضع المفردات هو الوضع التعيّني الناشئ من كثرة الاستعمالات، بل لعله السائد في أكثر الأوضاع والمعاني، بينما أن كثرة الاستعمال اللفظي في غير المعنى الحقيقي لا يستلزم الاعتبارَ والجعلَ ولا التَّعَهُّدَ؛ لأَنَّهُ كان في البداية مترافقاً مع القرينة، ثم بدأ يتبادر إِلَىٰ الذهن من دون القرينة بالتدرج وإثر شيوع استعمال ذاك المعنى واشتهاره. وهذا دليل وشاهد وجداني آخر عَلَىٰ عدم الحاجة إِلَىٰ الاعتبار والتعهد.