بحث الأصول المرحوم آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

30/10/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

بحث أصول

 

{المقدمة\الدلالات اللفظية\الأول: الوضع}

الجلسة الـ9، الثلاثاء 23/10/1430 (=13/10/2009)

أنواع الدلالات اللفظية

الأول: الوضع

إن البحث عن الوضع وعن حقيقة الوضع يُعَدُّ من أهم البحوث الأصولية، ويمكن تناوله ثبوتاً في ثلاث جهات:

الجهة الأولى: حقيقة الوضع ومنشأ حدوث العلاقة بين اللفظ والمعنى.

الجهة الثانية: من الواضع؟

الجهة الثالثة: في تقسيمات الوضع.

طَبْعاً هناك بحوث ثبوتية أخرى حول الوضع والعلقة الوضعية نتناولها في الْمُقَدَِّمَاتِ كالبحث عن إمكان الاشتراك والترادف وهو في واقعه بحث عن إمكان حدوث العلقة الوضعية بين أكثر من اللفظ والمعنى.

الجهة الأولى: حقيقة الوضع

لا شك أن العلاقة اللغوية الموجودة بين اللفظ والمعنى ليست ذاتيةً، بمعنى أن اللفظ لا يَدُلُّ عَلَىٰ المعنى ذاتاً؛ فَإِنَّ كلمة >الأسد< مَثَلاً لا تدل ذاتاً عَلَىٰ الحيوان الخاص، وَإِنَّمَا تدل عليه عَلَىٰ أساس الوضع في لغة العرب؛ لأَنَّهُ لا توجد مثل هذه الدلالة في لغة أخرى حيث أَنَّهُ إما لا توجد هذه الكلمة فيها وإما إذا كانت موجودةً يكون لها معنى آخر، ولو كانت دلالة اللفظ عَلَىٰ المعنى ذاتية لكانت مساوية في جميع اللغات. طَبْعاً، إن ذلك لا يعني أننا بصدد نفي إمكان وجود تناسب بين بعض الألفاظ ومعانيها كأسماء الأصوات؛ فهو مطلب آخر لا يتنافى مع اللغة والدلالة الوضعية للألفاظ عَلَىٰ المعاني. والحاصل أن دلالة اللفظ عَلَىٰ المعنى ليست دلالةً ذاتية وَإِنَّمَا هي عَلَىٰ أساس الوضع وهو أمر خارج عن ذات اللفظ والمعنى، فيبحث حِينَئِذٍ عن أَنَّهُ ما الأمر الَّذِي أدى إلى حصول هذا التلازم بين اللفظ والمعنى؟

يقول الخراساني صاحب الكفاية: >إن الوضع نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ناشئ من تخصيصه تارةً، وكثرة استعماله أخرى<.

ويرد عليه أَوَّلاً: أنَّ الاختصاص ليس وضعاً، بل هو نتيجة للوض وهذا الاختصاص هو تلك العلقة الوضعية أو ذاك التلازم بين اللفظ والمعنى الحاصل نتيجةَ الوض

وَثَانِياً: أننا لو سمّينا هذا الاختصاص وضعاً لم نحدد بهذه التسمية واقع هذا الاختصاص؟ فهل هو أمر حقيقي أم أمر اِعْتِبَارِيّ أم هو برزخ بين الأمر الحقيقي والأمر الاعتباري؟ وهذا مِمَّا لم يُبين في هذا التعريف، بل أشار فيه إجمالاً إلى نحو اختصاص، وهذا تعبير مبهم وغير واضح؛ ومن هنا طرح هذا البحث من بعد الخراساني بالتفصيل بين الأصوليين بِأَنَّهُ ما هي حقيقة الوضع؟ وبالرغم من أنهم ذكروا تعاريف عديدة من بعد صاحب الكفاية إِلاَّ أن جميعها ترجع إلى أحد هذه المباني الثلاثة:

المبنى الأول: أن الوضع أمر حقيقي وتكويني، وهذا مبنى العراقي وَسَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ &، وهذا ما نسميه بمسلك القرن الأكيد.

المبنى الثَّانِي: أن الوضع أمر اِعْتِبَارِيّ محض، بمعنى الجعل، وهو ما نعبر عنه بمسلك الاعتبار.

المبنى الثالث: أن الوضع نوع من التعهد والمعاهدة والالتزام. وهو مبنى السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & وله جذور في كلمات النهاوندي &. ونطلق عَلَىٰ هذا المبنى اسم >مسلك التعهد<.

أقول: لا شك في أن العلاقة بين اللفظ والمعنى إِنَّمَا تحدث في طول وضع العلقة والاختصاص (عَلَىٰ حد تعبير الخراساني)، وهذا الاختصاص نوع من الملازمة التصورية بين تصور اللفظ وتصور المعنى الموضوع له، فيقع البحث في >حقيقة الوضع< عن كيفية حدوث هذه العلقة التصورية وتخريج هذا الاختصاص؛ فقد يقال في بادئ الأمر: إن الواضع يخلق ابتداء تلك الملازمة التصورية وذاك الاختصاص، إِلاَّ أَنَّهُ كلام غير صحيح؛ إذ الملازمات والاستلزامات التصورية أو التصديقية مستقلة ويتوقف أمرها عَلَىٰ نوع السببية وهو أمر وَاقِعِيّ لا يمكن إيجاده بمجرد الافتراض والجعل، وإن لم يكن كذلك لأمكن بالافتراض أن نجعل كل شيء ملازماً تصورياً أو تصديقياً لأي شيء آخر.

إشكال السيد الخوئي

وقد أورد السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & ملاحظةً عَلَىٰ شَكل هذا الكلام وصياغته بِأَنَّهُ دور محال؛ لأَنَّ هذه السببية إما تحدث مُطْلَقةً وإما تحدث لخصوص العالِم بالوض والأول واضح البطلان؛ لأَنَّ الجاهل بالوضع لا ينتقل بسماع اللفظ إلى المعنى، فيشترط العلمُ بالوضع في هذه السببية والملازمة، وَحِينَئِذٍ لو قيل بأن الوضع هو هذه السببية يدخل في الدور المحال؛ لأَنَّ العلم بالشيء متوقف عَلَىٰ المعلوم، فإذا كان المعلوم متوقفاً عَلَىٰ ذاك العلم أَيْضاً يحصل الدور والتهافت.

جواب الإشكال:

إِلاَّ أن هذا الإشكال مِمَّا يمكن دفعه؛ ذلك لأَنَّ المقصود من العلم بالوضع هو العلم بكبرى جعل السببية. أي: أَنَّهُ العلم بالفرض وبجعل السببية، وهو يختلف عن السببية الفِعْلِيَّة والانتقال الخارجي من تصور اللفظ إلى تصور المعنى، كما يأتي شرحه في >أخذ العلم بالجعل في موضوع فعلية المجعول<. إذن، الموقوف يختلف عن الموقوف عليه، إِلاَّ أن هذا الكلام القائل بأن >الواضع أَوَّلاً يخلق السببيةَ والملازمة التصورية أو التصديقية< كلام غير صحيح، بل الصحيح أن تلك الملازمة التصورية أو التصديقية تحصل في طول أمر آخر هو من نتاج الوضع. وَحِينَئِذٍ يجب أن نرى أَنَّهُ ما هو هذا العمل الَّذِي يوجِده الوضعُ، وكيف يمكنه إيجاد الملازمة التصورية أو التصديقية بين اللفظ والمعنى؟ وهنا يأتي الحديث عن المسالك الثلاثة المذكورة:

مسلك القرن الأكيد.

مسلك الاعتبار.

مسلك التعهد.