بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/08/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي (تنبيهات اجتماع الأمر والنهي واقتضاء النهي للفساد)

[حكم الخروج]

كان الكلام في حكم الخروج من المكان المغصوب بسوء الاختيار، فاخترنا: أنّ الخروج واجب عقلي وإن كان محرّماً بحرمةٍ قانونيّةٍ فعليّة من باب انطباق عنوان الغصب المحرّم عليه كما اختاره السيد الصدر قدس سره في الحلقة الثالثة الجزء الثاني ص 209.

 

[حكم الصلاة حال الخروج]

أمّا الصلاة حال الخروج، ففيها صور:

    1. الصورة الأولى: ما إذا تمكنّ من الصلاة الاختياريّة خارج المكان المغصوب:

     فإنّ قلنا بأنّ التركيب بين الصلاة والغصب تركيب اتحادي ولو بلحاظ السجود:

فيجب عليه تأخير الصلاة إلى ما بعد الخروج ولو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي؛ لما ذكرنا من أنّ القائل بالجواز أيضاً لا يجوز أن يكتفي بالفرد المحرّم لعدم كونه صالحاً للمقربيّة إذا صدر منه مع العلم والعمد أو الاضطرار بسوء الاختيار.

     وإن قلنا بأنّ التركيب بين الصلاة والغصب تركيب انضمامي كما هو المختار فيما إذا لم يكن ما يمّسه جسده مباشرةً غصبياً، كأن كان التربة مباحةً السجاد الذي يجلس عليه مباحاً وإن كانت الأرض مغصوبةً، فقلنا بأنّ التركيب هنا تركيب انضمامي بين الصلاة والغصب:

فيجوز الاتيان بالصلاة حال الخروج إذا تمكن من الصلاة الاختياريّة كما لو كان راكباً على عربةٍ والعربةُ تمشي نحو باب الدار وهو يقدر أن يصلّي على تلك العربة صلاة اختياريّة، فيجوز له ذلك.

    2. الصورة الثانية: ما إذا لم يتمكن من الصلاة الاختياريّة خارج المكان المغصوب ولكن تمكن من الصلاة الاضطراريّة فيه،مثلاً: أمكنه أن يدرك ركعة من الصلاة خارج المكان المغصوب:

     فبناءً على كون التركيب بين الصلاة والغصب تركيب اتحادي يتعيّن عليه تأخير الصلاة؛ لأنّ الصلاة حال الخروج متحدةٌ مع الغصب المبغوض والمحرّم ولو بحرمةٍ سابقة فلا يتمكن من الصلاة الاختياريّة، فيؤخر الصلاة إلى ما بعد الخروج من ذلك المكان المغصوب حيث يدرك ركعة من الصلاة في الوقت.

     أما بناء على كون التركيب بينهما انضماميّاً فيتعيّن عليه الصلاة حال الخروج إذا تمكن من الصلاة الاختياريّة.

وهنا قد يُفرض:

     أنّه لو أراد أن يصلّي حال الخروج أمكنه أن يصلّي صلاة إيمائية.

     وإن صلّى خارج المكان المغصوب أمكنه أن يأتي بركعةٍ اختياريّةٍ في الوقت.

فيدور الأمر بين أن يدرك ركعةً من الصلاة الاختياريّة في الوقت أو يأتي بتمام الصلاة في الوقت ولكن بكيفيّة اضطراريّة، فما هو حكم هذه المسألة؟

صاحب العروة رحمه الله طرح هذه المسألة، أين؟ في المسألة الثالثة والعشرين من مكان المصلّي، هناك ذكر صاحب العروة أنّه إذا دار الأمر بين الصلاة الإيمائيّة حال الخروج وبين صلاةٍ اختياريّةٍ لا يُدرك إلا بمقدار ركعةٍ منها في الوقت فحيث إنّ الوقت أهم فيتعيّن أن يأتي بصلاةٍ إيمائيّة حال الخروج.

جمعٌ من الأعلام وافقوا صاحب العروةِ في ذلك لكن السيد الخوئي رحمه الله والسيد السيستاني علّقا على عبارة العروة بأنّ المتعيّن الصلاة الاختياريّة في خارج المكان المغصوب ولا يجوز أن يأتي بالصلاة الإيمائيّة حال الخروج، يأتي بالصلاة الاختياريّة بعد الخروج بعد أن دخل في المكان غير المغصوب وإن كان لا يُدرك من الصلاة إلا ركعةً في الوقت، لماذا؟

[الجواب]: لأنّ كلام العروة مبتلىً بإشكالين:

    1. الإشكال الأول: إشكال مختص بالسيد الخوئي رحمه الله وهو أنّه لا يمكن تطبيق قواعد التزاحم على المقام؛ لأنّ العاجز عن الجمع بين جزئين أو شرطين للصلاة يندرج في باب التعارض بين دليل الجزئيّة والشرطيّة في هذين الجزئين أو الشرطين عند عجزه عن الجمع بينهما، فلا يمكن تطبيق قواعد التزاحم عليه.

وما ذكره السيد الخوئي رحمه الله هو الصحيح كما مرّ منا مراراً، ولكن السيد السيستاني لا يقبل هذا الإشكال، فهو يوافق صاحب العروة رحمه الله في تطبيق قواعد التزاحم على فرض العجز عن الجمع بين جزئين أو شرطين في الصلاة.

    2. لكنّ الإشكال الثاني إشكال بنائي، ويشارك السيد السيستاني السيد الخوئي رحمه الله في هذا الإشكال، وهو: أنّه لا دليل على أنّ الوقت أهمّ، من أين ثبت لكم أنّ الوقت أهم من الركوع والسجود الاختياريّين؟ من أين؟

إن قلتم: فإذاً تكون نتيجة ذلك التخيير؛ إذا لم يثبت أهميّة الوقت ولا أهميّة الركوع والسجود فيتخيّر بينهما.

نقول في الجواب: كلا، قاعدة "من أدرك" قطعاً يشمل هذا المكلّف، يعني إذا لم يصلِّ حال الخروج صلاةً إيمائيّة ودخل في المكان المباح فلا إشكال في أنّه يجب عليه أن يأتي بركعةٍ اختياريّةٍ في الوقت ويتمّ الصلاة فيأتي بالركعات الأخرى خارج الوقت؛ لشمول قاعدة من أدرك له.

نعم، قاعدة "من أدرك" لا تُجوز التأخير العمدي لكن هنا التأخير يستند إلى العذر؛ فهو يريد أن يأتي بركوعٍ وسجودٍ اختياريّين، فهو معذورٌ في تأخير الصلاة إلى ما بعد الخروج.

فدليل مشروعيّة السجود الإيمائي لا يشمل هذا المكلّف؛ لأنّه قادرٌ على الركوع الاختياري بعد شمول قاعدة من أدرك له.

    3. الصورة الثالثة: ما إذا لم يتمكن من الصلاة خارج المكان المغصوب أبداً، يعني لا يدرك حتى ركعةً منها في الوقت: فيتعيّن عليه الصلاة حال الخروج بالنحو الذي يقدر عليه، إن كان راكباً عربةً وتمكنّ من الصلاة الاختياريّة فيها:

     فبناءً على التركيب الانضمامي يصليّ صلاةً اختياريّة.

     بناءً على التركيب الاتحادي: ذكر السيد الخوئي رحمه الله أنّه لا يسجد وإن كان لا يستلزم السجود الاختياري مكثاً زائداً؛ لأنّه جالسٌ على العربة وصاحب العربة يُمشيه، فلا يستلزم السجود الاختياري مكثاً زائداً ولكنّ السيد الخوئي يقول: هذا السجود متحدٌّ مع الغصب فلا بدّ أن يسجد سجود إيمائي.

ونحن اعترضنا على السيد الخوئي فقلنا بأنّه: يا سيدنا الخوئي الله يرحمك: أنت في المسألة التاسعة عشر من مكان المصلّي قبلت أنّه لو تاب هذا المضطر بسوء الاختيار فيكون من التائب الذي لا ذنب له "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" فعليه: السجود الاختياري قبل أن يتوب مبغوض؛ لأنّه مصداقٌ للغصب المضطر بسوء الاختيار، لكنّه إذا تاب فيكون كمن لا ذنب له فيكون كالمضطرّ لا بسوء الاختيار يكون بحكمه، فإذا لم يتب وأراد أن يأتيَّ بسجودٍ إيمائيّ لا يُقبل منه لأنّه قادرٌ على السجود الاختياري الصحيح بأن يتوب، يقول أموت ولا أتوب، خليه يموت، هو يقدر أن يتوب ويأتي بسجود اختياري، فإذا لم يتب وأتى بسجود إيمائي بطلت صلاته بناءً على مبنى السيد الخوئي من أنّه إذا تاب فلا يجري عليه حكم المضطر بسوء الاختيار.

وهكذا السيد السيستاني حيث يقول: المضطر بسوء الاختيار إذا تاب فيشمله قولهعلیه السلام: "ما من شيءٍ محرّمٍ إلا وقد أحلّه الله لمن اضطرّ إليه"، فلا بدّ أن يتوب ويأتي بسجودٍ اختياري.

بينما أنّنا قلنا: أنّ التوبة لا أثر لها إلّا لنفي العقاب فقط ولا يرفع مبغوضيّة الفعل ولكن إذا كان التركيب انضمامي يصلّي مع السجود الاختياري وإذا كان التركيب اتحادي في خصوص السجود الاخيتاري يأتي بصلاةٍ إيمائيةٍ حال الخروج حتى ولو تاب، هذا تمام الكلام في بحث اجتماع الأمر والنهي.

[اقتضاء النهي عن العبادة والمعاملة للفساد]

 

يقع الكلام في بحث اقتضاء النهي عن العبادة والمعاملة للفساد:

وليُعلم أنّ موضوع البحث:

     النهي التكليفي.

     وأمّا النهي عن العبادة: إذا لم يقترن بقرينةٍ تقتضي كون هذا النهي تكليفيّاً يكون ظاهر في الإرشاد إلى الفساد:

     "لا تصم في السفر": ظاهرٌ في الإرشاد إلى فساد الصوم في السفر.

     "دعِ الصلاة أيام أقرائك": ظاهرٌ في الإرشاد إلى فساد الصلاة حال الحيض.

     "نهى النبي عن بيع الغرر": ظاهر في الإرشاد إلى فساد بيع الغرر؛ لأنّ الأثر المتوقع من العبادة امتثال الأمر فالنهي ظاهرٌ في الإرشاد أنّ هذه العبادة لا تكون امتثالاً لأمر المولى، فتكون حرام تشريعي لا حرام تكليفي وذاتي كما أنّ الأثر المتوقع من المعاملة ترتب الأثر فالنهي عن معاملةٍ ظاهرٌ في الإرشاد إلى عدم ترتب الأثر كقوله عليه السلام :"نهى النبي عن بيع الغرر".

نعم، قد تكون هناك قرينةٌ على الحرمة التكليفيّة كبيع الخمر حرام تكليفي؛ لأنّ الرواية تقول: "لعن الله الخمر وغارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها وحاملها والمحمولة إليه".

فبيع الخمر حرام تكليفي والأحوط وجوباً في بيع الخنزير كذلك، ولأجل ذلك السيد السيستاني في بلاد الغرب يقول: لا إشكال في العمل في سوبر ماركت لكن كن ملتفتاً ولا تبع الخمر ولا تبع الخنزير على الأحوط أمّا بيع الميتة فلا إشكال فيه لأنّه ليس حراماً تكليفيّاً وإنما حرام وضعيّ، تقدّم اللحم غير المذّكى إلى ذلك المشتري وتستلم فلوسه ولو من باب قاعدة الإلزام أو من باب تملّك مال الكافر.

[الحرمة التكليفيّة للربا]

وهكذا قامت قرينة على حرمة الربا، القرض الربوي حرام، البيع الربوي حرام تكليفي ولأجل ذلك حينما تريد [أن] تأخذ سلفة من البنك والبنك يأخذ فوائد على هذه السلفة السيد السيستاني ' يقول:

     إن كان البنك أهلياً لا يجوز أن توّقع على هذه الورقة التي تبيّن أنّ القرض اُشترط فيه إعطاء فائدةٍ من المقترض إلى البنك.

     أما إذا كان البنك حكوميّاً وقّع على هذه الورقة لكن توقيع صوري لا تنوي أنّك تقترض من البنك، إذا وقّعت وقصدت الاقتراض الربوي فعلت محرّماً واستحققت عليه العقاب، فإذا كان البنك حكوميّاً في بلادٍ إسلاميّة فالسيد أجاز لك أن تأخذ المبلغ وتقول اقترضت هذا المبلغ وكالةً عن السيد، ثمّ تدفع الأقساط والفوائد إلى البنك فلا إشكال بنية الهدية، تعطي الفوائد بنية الهدية وتعطي الأقساط بإزاء الدين بنية أداء الدين، لم توقع على الاقتراض الربوي توقيع حقيقي حتى يحرم حرمةً تكليفيّة.

[صلاة الحائض]

وهكذا في العبادات، مثلاً: صلاة الحائض لا إشكال في حرمتها التشريعيّة لكن هل تحرم حرمةً ذاتيّة؟

     المشهور على ما نُسب إليهم لا يرون الحرمة الذاتية؛ ولأجل ذلك مثلاً في النقاء المتخلل السيد يقول تجمع هذه المرأة في النقاء المتخلل بين الصلاة وتروك الحائض.

     ولكن المحقق الهمداني رحمه الله والسيد الزنجاني ' ذهبا إلى حرمتها التكليفيّة لما ورد في صحيحة خلف بن حمّاد: "فلتتقِ الله ولتمسك عن الصلاة إن كان الدم دم حيضٍ" فلتتقِ الله، يقال بأنّ هذا ظاهر في الحرمة التكليفيّة، الحرمة الذاتيّة.

ونُقل في الصحيحة أنّ أصحاب أبي حنيفة اقترحوا على هذه المرأة التي لا تدري هل هذا الدم دم عُذرةِ أو دم حيضٍ اقترحوا عليها أن تجمع بين الصلاة وتروك الحائض احتياطاً، فلما سألوا الإمام الكاظم علیه السلام قال: ديروا بالكم هذا سرٌّ إلهيٌّ لا تُذيعوه للناس، لا تعلّموا الناس معالم دينكم، ارضوا لهم ما رضي الله لهم من الضلال.

ولكن حكم هذه المسألة:

     أنّها إن كان الدم حيضٍ هذا الدم فلتتقِ الله ولتمسك عن الصلاة

     إن كان دم عذرةٍ فلتتق الله ولتصلِ

ثم بيّن الإمام علامة دم الحيض ودم العذرة فراجعوا الرواية.

[الصوم في العيدين]

بالنسبة إلى الصوم في العيدين:

     المشهور أنّه هذا الصوم حرام تشريعي، وهكذا يقول السيد الخوئي رحمه الله والسيد السيستاني ' أنّه حرام تشريعي.

إذا حرام تشريعي فلماذا تسافر؟ أعلنت جماعةٌ أنّ هذا يوم العيد وأعلن جماعة آخرون أنّ هذا آخر شهر رمضان، لماذا تُتعب روحك؟ ابقَ هنا وصُم بنية الاحتياط؛ على رأي السيد الخوئي والسيد السيستاني' حرمة صوم يوم العيد حرمة تشريعيّة.

     ولكن السيد الصدر قدس سره: ذكر أنّ صوم يوم العيد حرام ذاتي وهكذا السيد الزنجاني ' على اختلافٍ بينهما:

     السيد الصدر يقول: نفس الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الليل حرام ذاتي ولو من دون قصد القربة.

     السيد الزنجاني ' يقول: لا، صوم يوم العيد بقصد القربة ولو احتياطاً حرام ذاتي، لا مجرد الإمساك بدون قصد القربة.

ما هو مستندهما في الحكم بالحرمة الذاتيّة لصوم يوم العيد؟

    1. قد يكون مستندهما: ما ورد في بعض الروايات أنّ صوم العيدين حرام.

ولكن الجواب عنه: أنّه لا يظهر منه أكثر من الحرمة التشريعيّة وإلا فقد ورد في الصوم في السفر أنّه معصيّةٌ، ولا ينبغي الإشكال في أنّ الصوم في السفر حرام تشريعي وليس حرام ذاتي؛ ولأجل ذلك الإنسان إذا لا يعرف حكمه في السفر يجمع بين أداء الصوم وقضاءه.

    2. وقد يكون مستندهما في الحكم بالحرمة الذاتيّة لصوم يوم العيد رواية معتبرة:

معتبرة حنان بن سدير عن أبيه: -أبوه سدير بن حكيم؛ لم يرد في حقه توثيق خاص عدا أنّه من رجال تفسير القمّي وعدّه ابن شهرآشوب في المناقب من خواص أصحاب الصادق علیه السلام والعامّة مع أنّهم يقولون بأنّه كان مفرطاً في التشيّع وثّقوه، والفضل ما شهدت به الأعداء- عن أبي جعفرعلیه السلامقال:

"سَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ عَرَفَةَ: فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ قَالَ علیه السلام: كَانَ أَبِي علیه السلام لَا يَصُومُهُ، قُلْتُ وَ لِمَ ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ علیه السلام: يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ دُعَاءٍ وَ مَسْأَلَةٍ وأَتَخَوَّفُ أَنْ يُضْعِفَنِي عَنِ الدُّعَاءِ وَ أَكْرَهُ أَنْ أَصُومَهُ وأَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ أَضْحًى وَ لَيْسَ بِيَوْمِ صَوْمٍ‌ ".

أتخوف أصوم يوم عرفة فيصادف يوم عيد الأضحى، لماذا ؟

لأنّه أول شهر ذي الحجة قد يكون لم تتم رؤية الهلال فحكموا بأنّ أول ذي الحجة يوم التالي وليس ذاك اليوم، ليس يوم الشك بل اليوم الذي بعده ولكن في الواقع اليوم الذي حكموا أنّه أول ذي الحجة كان ثاني ذي الحجة فيصير يوم عرفة يوم عيد الأضحى، أتخوف أن أصوم يوم عرفة فيصادف يوم أضحى.

هذا الخوف يقال أنّه ليس إلّا خوفاً من حرامٍ ذاتيٍّ وإلا لو كان حرام تشريعي هو لم يُشرّع.

أنا أقول: هذه المعتبرة أيضاً لا تدلّ على الحرمة الذاتيّة لصوم يوم العيد؛ أتخوف لأجل أنّه يذهب تعبي سدىً، أصوم أتحمل الجوع أتحمل العطش في الأيام الحارّة في المناطق الحارّة ثم ينكشف أنّه كان يوم أضحى ذهب عملي سدىً، لعلّه كان منشأ خوفه علیه السلام هذا المطلب لا أنّه يخاف من وقوع حرام وإلّا فالإمام علیه السلام كان يذهب إلى السوق ويشتري اللحم المشكوك التذكية ولا يخاف أنّه يأكل لحماً غير مذّكى، فكيف هنا خاف أن يصادف صومه يوم أضحى وهو حرام ذاتي، قد يكون حرام ذاتي مثل ما تأكل لحماً تشكُّ أنّه مذّكى تشتريه من السوق وتأكله.

أحتمل: أنّ الخوف هنا لأجل أنّه يخاف أن يذهب عمله سدىً ولأجل ذلك لا يبعد تماميّة ما ذكره السيد الخوئي والسيد السيستاني ' من الحرمة التشريعيّة لصوم يوم العيد.

وكيف كان، محل البحث في اقتضاء النهي عن العبادة والمعاملة للفساد النهي التكليفي لا النهي الظاهر في الإرشاد إلى الفساد؛ فإنّه إرشادٌ إلى الفساد لا أنّه مقتضِ للفساد، وبقية الكلام في الليلة القادمة إن شاء الله.