بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/07/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي (أدلّة جواز اجتماع الأمر والنهي)

نقل صاحب الكفاية + دليلين من بعض القائلين بجواز الاجتماع، والظاهر أنّه المحقق القمّي & في القوانين، ثم أجاب عن كِلا الدليلين.

    1. الدليل الأول هو أنّ أهل العرف يعُدّون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرّم مطيعاً وعاصياً من وجهين.

فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكانٍ خاص، فلو خاط العبد الثوب في ذلك المكان عدّه العرف مطيعاً لأمر الخياطة وعاصياً للنهي عن الكون في ذلك المكان.

أجاب عنه صاحب الكفاية &: بأنّ الكون في المكان المغصوب ليس متحدّاً وجوداً مع خياطة الثوب، فالتركيب بينهما انضمامي وليس اتحاديّاً.

 

[صياغة أخرى]

ولكن كما ذكر في الفصول & يمكن تغيير الدليل بأن يقال: إذا نهى المولى عن التصرّف في مال الغير وأمر بخياطة الثوب، فخاط العبد هذا الثوب بهذا المكان المغصوب، فهذه الخياطة تُعدّ تصرفاً في ملك الغير.

ولكن يمكن أن يجاب عن هذا البيان أيضاً بأن نقول:

    1. أولاً: الخياطة والمخيطيّة للثوب عبارة عن إيجاد وصفٍ في الثوب، وحركة الإبرة والخيط سببٌ لإيجاد وصف الخياطة في الثوب.

وصف الخياطة ليس متحدّاً مع الغصب المحرّم وإنّما سببها، سبب وصف الخياطة وهو تحريك الإبرة والخيط في هذا الفضاء مصداقٌ للتصرّف المحرّم. نظير الغُسل في المكان المغصوب، حيث ذكر الأعلام أنّ الغُسل ليس متحدّاً مع التصرّف في فضاء ملك الغير وإنّما سببه، وهو إجراء الماء على الجسد مصداقٌ للغصب المحرّم، فالتركيب بين إيجاد وصف المخيطية في الثوب والذي يُعبّر عنه بالخياطة، التركيب بينه وبين التصرّف في مال الغير تركيب انضمامي.

الظاهر من الأمر بالخياطة الأمر بالمسبب، المسبب توليديٌّ، المسبب بمعنى الفعل الحاصل بسبب تحريك الإبرة والخيط، نهاية هذه العملية تسمّى بالخياطة، كما أنّ الغَسل نهاية إجراء الماء، فالواجب في الغَسل أيضاً هو الغَسل لا الوصف الحاصل للجسد بعد تحقق الغَسل وهو كون الجسد مغسولاً، ولكنّ الغَسل لا يتحدّ مع إجراء الماء من فوق على الجسد وإنّما الغسل هو نهاية هذا الإجراء، وهو وصول الماء إلى الجسد، فهكذا الخياطة، الخياطة هي نهاية حركة الإبرة والخيط بالنسبة إلى هذا الثوب، هذا أولاً.

    2. وثانياً: لو نُوقش في ذلك وقيل بأنّ الخياطة هو نفس تحريك الإبرة والخيط وتقريبهما إلى الثوب، فنقول كما مرّ سابقاً أنّ العرف لا يرى هذا المقدار من التصرّف في فضاء ملك الغير تصرّفاً محرّماً، فينصرف عنه دليل حرمة التصرّف في مال الغير، نظير تحريك الفم واللسان في فضاء ملك الغير، فمن غصب دار شخصٍ ثمّ حرّكَ فمه ولسانه لا يُقال هذا التحريك غصبٌ وتصرّفٌ محرّمٌ في مال الغير.

نعم، لو أنّ شخصاً حرّك سيارة أو حرّك طائرةً في فضاء ملك الغير فلا إشكال أنّه تصرّف محرّم، لكن هذا المقدار اليسير من تحريك الإبرة والخيط وهو موجودٌ في هذا المكان وآلة الخياطة موجودةٌ في هذا المكان لا يُعدّ تصرّفاً زائداً، ذاك التحريك للإبرة والخيط لا يُعدّ تصرّفاً محرّماً في ملك الغير عرفاً.

ولأجل ذلك ذكرنا لو أنّ شخصاً كان خارج الدار، ومفتاح آلة الخياطة بيده، شخصٌ آخر أدخل آلة الخياطة في هذا المكان المغصوب فهذا الذي خارج البيت ضغط على هذا الزر فتحرّكت ماكينة الخياطة وخيّطت الثوب، العرف لا يرى أنّ هذا الشخص قد تصرّف في مال الغير تصرّفاً محرّماً.

    3. وثالثاً: لو فرضنا أنّ التركيب بين الخياطة والتصرّف في مال الغير تركيب اتحادّي وهذا التصرّف مصداقٌ للتصرّف المحرّم، فمن أين يقال بأنّ العرف يعدّ هذا الشخص ممتثلاً للأمر؟

فلعلّه يُرى بالنظر العرفي محصّلاً لغرض المولى وبهذا اللحاظ يُقال إنّه امتثل أمر المولى، كما لو غسل ثوبه بماءٍ مغصوب فإنّه يفهم العرف أنّ غرض المولى من أمر البعد بغسل الثوب هو تنظيف الثوب. فلو غسل لباس المولى بماءٍ مغصوب فالعرف يراه ممتثلاً لأمر المولى؛ لأنّه بهذه العناية التي يرى أنّ الغرض من الأمر بغسل الثوب هو تنظيف الثوب يرى أنّه قد نظّف الثوب بالغسل بماءٍ مغصوب فحصّل غرض المولى، لا أنّه امتثل أمر المولى حرفيّاً، لا، حصّل غرض المولى، وبذلك سقط أمر المولى بحصول غرضه.

[الدليل الثاني]

الدليل الثاني على جواز اجتماع الأمر والنهي هو أنّه يقال بأنّه:

لو كان اجتماع الأمر والنهي ممتنعاً مع تعدد العنوان لم يختصّ الإشكال باجتماع الأمر والنهي التحريمي، بل جرى الإشكال في اجتماع الأمر والنهي الكراهتي؛ لأنّه كما يُدّعى امتناع اجتماع المحبوبيّة مع المبغوضيّة الشديدة فكذلك يُدّعى امتناع اجتماع المحبوبيّة مع المبغوضيّة غير الشديدة لأنّ النكتة واحدة، ولأجل ذلك نُحسّ بالوجدان امتناع محبوبيّة شيءٍ ومبغوضيّته غير الشديدة بنفس ذلك العنوان الذي تعلّق به الحب.

فكيف يمكن أن يشتاق الإنسان أن يشرب الماء بحيث يفرح عند تحقق شرب الماء ويكون حاله أحسن حين شربه للماء من فرض عدم شربه للماء، وفي نفس الوقت يكره شرب الماء ولو كراهة غير شديدة!

وهكذا يُحسّ بالتضادّ بين الأمر بشيٍ بداعي التحريك نحوه والنهي عنه بداعي الزجر عنه ولو زجراً كراهتياً.

فإذا قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي التحريمي مع تعدد العنوان فلا بدّ أن نقول بامتناع اجتماع الأمر والنهي الكراهتي مع تعدد العنوان، مع أنّه ثبت في الفقه كراهة الصلاة في بعض الأماكن، كالصلاة في أماكن التهمة والصلاة في الحمّام وصوم يوم عاشوراء، فيكشف ذلك عن كفاية تعدد العنوان في إمكان اجتماع الأمر والنهي.

[جواب الآخوند & على هذا الدليل]

صاحب الكفاية & أجاب عن هذا الدليل فقال: بعدما قام البرهان على امتناع اجتماع الأمر والنهي في معنونٍ واحد ولو مع تعدد العنوان فالظهور لا يُقام البرهان، فلا بدّ من توجيه ذلك الظهور بنحوٍ لا يواجه البرهان على الامتناع خصوصاً مع ما نرى من أنّه في بعض تلك الأمثلة من موارد العبادات المكروهة تعلّق النهي بنفس العنوان، كالصلاة في الحمّام، وقد تعلّق النهي مع عدم المندوحة، كالصوم يوم عاشوراء. كيف يجتمع النهي عن صوم يوم عاشوراء مع الأمر بصوم ذلك اليوم؟

فلا بدّ أن نذكر توجيهات بالنسبة إلى العبادات المكروهة، ثم ذكر +:

أنّ العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام:

    1. القسم الأول: ما تعلّق النهي عنه بعنوانه لا بعنوان آخر وليس له بدلٌ، يعني ليس له مندوحةٌ كصوم يوم عاشوراء.

الصوم في كلِّ يومٍ مستحب، فليس الأمر بالصوم على نحو صرف الوجود ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ انحلاليٌّ بالنسبة إلى جميع الأيام، " صُمْ، وَ لاَ تَصُمِ اَلْعِيدَيْنِ " كما ورد في معتبرة كرّام.

فهناك أمر استحبابيٌّ بصوم يوم عاشوراء وقد تعلّق النهي عن هذا الصوم بعنوانه في يوم عاشوراء، وهكذا تعلّق الأمر الاستحبابي بصلاة النافلة في كلّ زمان وتعلّق النهي بصلاة النافلة في أوقاتٍ معيّنة، كالنافلة حين طلوع الشمس وحين غروب الشمس.

في هذا القسم لا مناص إلّا أن نحمل النهي مثلاً عن صوم يوم عاشوراء على محبوبيّة ترك صوم يوم عاشوراء لا مبغوضيّة الصوم، فصوم يوم عاشوراء محبوبٌ وتركه أشدّ حبّاً منه؛ إمّا لانطباق عنوانٍ أرجح على نفس ترك صوم يوم عاشوراء، كمخالفة بني أميّة حيث إنّ بني أميّة كانوا يتبركون بهذا اليوم ويصومون فيه. أو انطباق عنوانٍ أرجح على ما يلازم ترك صوم يوم عاشوراء. فالنهي عن صوم يوم عاشوراء يكون ناشئاً عن محبوبيّة ترك صوم يوم عاشوراء؛ لأجل انطباق عنوانٍ راجحٍ بل أرجحٍ عليه أو على ما يلازمه. فارتفع المحذور عن البين، لم يجتمع الحبّ والبغض في فعلٍ واحد، صوم يوم عاشوراء محبوب، عنوان آخر منطبق على ترك صوم يوم عاشوراء محبوب وحيث إنّه أشدّ حبّاً من صوم يوم عاشوراء فورد في الروايات النهي عن صوم يوم عاشوراء.

[إشكال السيد البروجردي +]

السيد البروجردي + أشكل عليه، فقال: هذا خلاف ظاهر الروايات، ظاهر الروايات النهي عن صوم يوم عاشوراء لمفسدةٍ في نفس صوم يوم عاشوراء لا لمصلحةٍ في ترك الصوم كي توجب محبوبيّة ترك الصوم. وهذا هو الموافق لظاهر النهي، حيث إنّ النهي هو الزجر عن الفعل لمفسدةٍ فيه.

ولكنه قال: مفسدة صوم يوم عاشوراء وإن منعت من الأمر بالصوم لكنها لا تنافي اشتمال الصوم على مصلحةٍ ذاتيّة، فلا أمر متعلّق بصوم يوم عاشوراء ولكن يمكن أن يصوم الإنسان في يوم عاشوراء بداعي الحصول على تلك المصلحة الذاتيّة للصوم وإن كان هذا الصوم مشتملاً على مفسدةٍ منطبقةٍ على نفس هذا الصوم.

[الإنصاف في المسألة]

الإنصاف: عدم تماميّة كلام صاحب الكفاية وكلام السيد البروجردي ‚؛ فإنّنا نقول:

لو كان حال المولى عند ترك شيءٍ أحسن من حاله عند فعله فكيف يمكن للعبد أن يقول إنّما فعلت ذلك لأجلك يا مولاي.

لو أنّ شخصاً قال: إن جاء زيدٌ فأعطيك مليون تومان وقال شخصٌ آخر: إن لم يجئ زيدٌ فأعطيك مليونين، فعلم زيدٌ بذلك، علم أنّه لو جاء إليكم يعطيكم الشخص الأول مليون ولو لم يجئ إليكم يعطيكم الشخص الثاني مليونين، فهل يجوز أن يجيء إليكم زيدٌ ويقول إنّما جئت لأجلكم –على خاطركم- أليس من حقكم أن تعترضوا عليه وتقولوا لو كنت لم تأتِ كان حالي أحسن لأنني كنت أحصّل مليونين!

انطباق عنوانٍ أرجح على عدم مجيء زيد بل انطباق عنوانٍ مساوي على ترك مجيء زيد يمنع من أن يجيء زيدٌ ويقول إنّما جئت لأجلكم.

فانطباق عنوانٍ راجحٍ أو أرجحٍ على ترك الصوم يمنع من أن يصوم الإنسان يوم عاشوراء ويضيفه إلى الله سبحانه وتعالى ويقول إنّما صمتُ هذا اليوم لأجلك يا إلهي. الله سبحانه وتعالى أليس من حقه أن يقول: أنا إذا كنت تترك الصوم كنت أفرح أكثر؟

مضافاً إلى ما ذكره السيد البروجردي & من أنّ ظاهر الروايات اشتمال الصوم في يوم عاشوراء على مبغوضيّة ومفسدة، فحينئذٍ يكون الإشكال أشدّ؛ المولى يبغض صوم يوم عاشوراء لأجل أنّه تشبّهٌ ببني أميّة، كما ورد في الروايات "إن كنت شامتاً لآل الرسول فصم"، وسنقرأ الروايات في الليلة القادمة إن شاء الله.

فإذاً لا يجتمع النهي عن صوم يوم عاشوراء مع الأمر به سواءً كان النهي ناشئاً:

    1. عن انطباق عنوانٍ أرجح على ترك الصوم أو على ما يلازمه.

    2. أو كان النهي ناشئاً عن مفسدةٍ في الفعل.

[الظاهر الحرمة التشريعيّة لصوم يوم عاشوراء]

والظاهر كما قاله صاحب الحدائق & ومن المعاصرين السيد الخوانساري & في جامع المدارك واحتاط الشيخ الوحيد ' أنّ صوم يوم عاشوراء حرام تشريعي ولا يشتمل على الأمر، كما سنوضّح ذلك في الليلة القادمة إن شاء الله.