بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/07/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي (تتمة فروع اجتماع الأمر والنهي)

 

كان الكلام في عدّة فروع من فروع اجتماع الأمر والنهي، وصلنا إلى الفرع الثالث وهو صلاة الزوجة خارج البيت إذا خرجت بدون إذن زوجها؛ فقد يقال بأنّ هذه الصلاة متحدّة وجوداً مع كونها خارجة البيت، والمفروض أنّ كونها خارجة البيت بدون إذن زوجها محرّمٌ وبذلك تبطل صلاتها.

السيد الخوئي + لم يذكر ذلك في بحث الصلاة وإنّما ذكر في بحث الحج أنّ المرأة إذا حجّت أو اعتمرت بدون إذن زوجها ولم تكن ممّن يجب عليها الحجّ، فطوافها بالبيت مصداقٌ للحرام وهو كونها خارجة عن البيت بدون إذن زوجها، وهكذا وقوفها في عرفات والمشعر، فطوافها وسعيها ووقوفها كلُّ ذلك مصداق للحرام فلا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب، الموسوعة ج 26، ص 231.

إن قلت: لماذا لم يحكم السيد الخوئي & بفساد إحرامها، مع أنّ إحرامها أيضاً مشروط بالكون في الميقات فيتحدّ مع كونها خارجة عن البيت بدون إذن زوجها.

قلنا في الجواب: أنّ الإحرامَ في الميقات ليس متحدّاً مع الكون في الميقات؛ لأنّ الإحرامَ مشروط والكون في الميقات شرط، وفي البحث الاستدلالي صرّح السيد الخوئي بأنّ حرمة الشرط لا تسري إلى المشروط، كالصلاة في الساتر المغصوب.

[مختار الشيخ التبريزي +]

نعم، كان شيخنا الأستاذ + يرى أنّه لو كان الحضور في الميقات أو في جزءٍ من الميقات محرّماً فيبطل الإحرام. كما لو دخلت الحائض في مسجد الشجرة وأحرمت؛ فإنّ الإحرام مشروط بالكون في الميقات وهذا الكون في الميقات محرّم لأنّه مصداقٌ للكون في المسجد في حال الحيض.

ولكنّ الصحيح تماميّة ما ذكره السيد الخوئي من أنّ إحرام هذه المرأة ليس فاسداً لعدم اتحادّ الشرط والمشروط، مضافاً إلى وجود اختلافٍ بين المقام وبين الصلاة مع الساتر المغصوب؛ لأنّ الساتر المغصوب نسبته إلى طبيعيّ الساتر نسبة الفرد إلى الكلّيّ وحرمة الكلّيّ تسري إلى أفراده، بينما أنّ نسبة الكون في الميقات إلى الكون في مسجد الشجرة نسبة الجزء إلى الكلّ، فمن يدخل في منطقةٍ تُسمّى بمنطقة "ذي الحليفة" فقد حضر الميقات، سواءً دخل المسجد أو لم يدخل فهو بعدُ في الميقات، فالحضورُ في الميقات شرط الإحرام والعرف لا يرى اتحادّ هذا الشرط مع الكون في مسجد الشجرة حتى يقال بأنّ الكون في مسجد الشجرة محرّمٌ على الحائض.

[الجواب على ما أفاده السيد الخوئي+]

نرجع إلى ما ذكره السيد الخوئي & من اتحاد طواف هذه المرأة التي خرجت بدون إذن زوجها وكذا وقوفها وسعيها مع الحرام وهو كونها خارجةً عن البيت فنقول:

    1. إنّ الحرام خروج هذه المرأة من البيت، فبعدما خرجت تحقق الحرام، الحرام انحلاليٌّ بلحاظ أفراد الخروج، فإذا خرجت المرأة عن بيتها بدون إذن زوجها فقد تحقق منها الحرام فلا يؤثّر في ذلك أنّها تكون في المسجد الحرام أو تكون في مكانٍ آخر، فكونها في المسجد الحرام وإن اتحدّ مع طوافها لكن ليس كونها في المسجد الحرام متحدّاً مع كونها خارجة البيت، بل كما ذكرنا أنّ الخروج من البيت كلٌّ وليس كليّاً ينطبق على هذه الأكوان خارج البيت. الغياب عن بيت الزوج حرام، فإذا تحقق الغياب عن بيت الزوج فقد تحقق الحرام، ولأجل ذلك نلتزم أنّ الزوج إذا لم يأذن في خروج الزوجة عن البيت فإذا خرجت ثمّ سافرت من بلدٍ إلى بلدٍ آخر فليس هذا السفر سفرُ معصيةٍ.

بقاؤها خارج البيت حرام حدوثاً وبقاءً، فيجب عليها الرجوع إلى البيت فوراً، ولكن كونها خارجة البيت محرّماً لا يتحدّ وجوداً مع طوافها ومع سعيها ومع وقوفها، هذا أولاً.

    2. وثانياً: لو تمّ إشكال السيد الخوئي & في قضية الطواف والسعي والوقوف لكن بالإمكان أن نمنع من اتحاد الحرام مع الصلاة خارج البيت؛ فإنّ ما هو مصداق للصلاة هو التصرّف في هذا المكان لا الكون في هذا المكان، الكون في هذا المكان ملازمٌ للصلاة في هذا المكان وما هو متحدّ مع الصلاة هو التصرّف في هذا المكان، وحرمة خروجها من البيت بدون إذن زوجها لا يتحدّ وجوداً مع تصرفها في هذا المكان، ولأجل ذلك يُستبعد أن يُفتى ببطلان صلوات المرأة التي نشزت فخرجت من بيت زوجها بدون إذنه.

وبذلك تبيّنَ أنّ من وقف في عرفات في مكانٍ مغصوب أو على فرشٍ مغصوب لا يبطل وقوفه؛ لأنّ نسبة الحضور في عرفات إلى التصرّف في هذا المكان المغصوب ليست نسبة الكلي إلى أفراده بحيث ينحلّ تحريم الكلي بانحلال أفراده،. الحضور في عرفات واجب أمّا التصرّف في هذا المخيّم المغصوب، هذا المكان الذي أُعدّ لسائر الحجاج فهو يأتي ويأخذ مكاناً بدون إذن مسؤول الحملة، تصرّفه في هذا المكان بل كونه في هذا المكان حرام، وهذا ليس متحدا مع الكون في عرفات؛ لأنّه حينما دخل عرفات تحقق منه الكون في عرفات، سواءً دخل هذا المخيم أم لم يدخل، سواءً جلس على هذا الفرش المغصوب أم لم يجلس.

بينما أنه على رأي السيد الخوئي & يبطل وقوفه إذا كان كلّ وقوفه متحداً من أوله إلى آخره مع كونه في هذا المكان المغصوب.


الفرع الرابع

الطواف في ثوبٍ غير مخمّس

 

شخص اشترى ثوبي الإحرام ومضى عليه سنةٌ ولم يخمّس ثوب الإحرام، فطاف فيه، طاف في ثوبٍ مغصوب أي ثوبٍ لم يخمسه، فهل يبطل طوافه أم لا؟

فهناك عدة مبانٍ:

المبنى الأول: ما لعلّه المشهور من أنّ الطواف بالبيت مشروط بأن يكون لابساً للثوب، فيكون حكم الطواف في هذا الساتر المغصوب حكم الصلاة في الساتر المغصوب، فمن يفتي ببطلان الصلاة في الساتر المغصوب فكذلك لا بدّ أن يفتي ببطلان الطواف في الساتر المغصوب.

والسيد الخوئي & في بحثه الاستدلالي أفتى بصحة الصلاة في الساتر المغصوب خلافاً لما أفتى به في المنهاج وتعليقة العروة، ونحن حيث قلنا بصحة الصلاة في الساتر المغصوب عالماً عامداً فضلاً عن غيره فنفتي هنا بصحة الطواف في هذا الساتر المغصوب.

المبنى الثاني: أن يقال بأنّ الطواف عُرياناً مانعٌ وليس الطواف لابساً للثوبِ شرطاً، فالمفروض عدم تحقق المانع، المانع هو كون الطائف عارياً وهذا الطائف ليس عارياً، المانع منتفٍ فيُحكم بصحة طوافه.

المبنى الثالث: ما يقال كما اختاره السيد الزنجاني = من أنّ النهي عن الطواف عرياناً مجرّد تأكيدٍ لحرمته التكليفيّة، يحرم تكليفاً على كلّ مكلّفٍ كشف عورته أمام الآخرين، ولا يستفاد من خطاب النهي عن الطواف عرياناً أكثر من هذا الحكم التكليفي؛ فإنّ النبي | بعث عليا × ينادي في مكة: "لا يحجّ بعد العام مشركٌ ولا يطوف بالبيت عُريانٌ". فمن البعيد جدّاً أن يبعث النبي | علياً × لبيان شرطٍ من شرائط الطواف وإلّا فالطواف مشروط بالطهارة من الحدثِ أيضاً، ومشروط بعدم نجاسة الجسد أيضاً، لماذا ركّز على النهي عن الطواف بالبيت عرياناً؛ لأجل أن المشركين كانوا مبتلين بهذا الفعل الشنيع، كانوا يطوفون بالبيت وهم عُراة.

فعلى ذلك من طاف بالبيت وهو لابسٌ لثوب مغصوب لم يرتكب محرّماً تكليفياً وليس الطواف مشروطاً بأيّ شرط. نعم، من يرى أنّ العلّة التامّة للحرام حرام كالسيد البروجردي + ويرى أنّ تحريك الثوب المغصوب مصداقٌ للغصب المحرّم؛ فالطواف علّة تامّة لماذا؟ لتحريك الثوب المغصوب، وبذلك يبطل الطواف حتى بناءً على هذا المبنى الثالث وهو الحرمة التكليفيّة للطواف عرياناً بالبيت، ولكن هذا المبنى غير صحيح.

 

[فروعٌ أخرى]

وهناك فروعٌ أخرى وقع فيها الخلاف، كتقصير المحرم لمحرمٍ آخر فالسيد الخوئي & يرى أنّ ذلك من مصاديق اجتماع الأمر والنهي؛ لو أنّ محرماً قصّر من شعر محرم آخر، فعلى مبنى السيد الخوئي حيث إنّه لا يجوز للمحرم أن يأخذ من شعر غيره فهذا التقصير حرام فلا يكون مصداقاً للواجب إلا في فرض نسيانهما وبناء على جواز اجتماع الأمر والنهي نلحق به فرض جهلهما القصوري.

وأمّا السيد السيستاني = فهو يرى أنّ تقصير المحرم لغيره باطل لا من باب اجتماع الأمر والنهي بل لعدم إطلاقٍ في دليل مشروعيّة تقصير شخصٍ لشخصٍ آخر. فهو يرى أنّ ذلك من باب النيابة، فهذا المقصّر ينوب عن المحرم في تقصيره لنفسه، ولا إطلاق في دليل النيابة لفرض ما لو كان المقصّر لغيره محرماً.

ولكنه ممنوع فإنّ التقصير ليس من باب النيابة وإنّما هو من باب التسبيب؛ لأنّه لو أمرت غيري فقصّر شعري يستند التقصير إليّ فيقال بأنّي قصّرتُ، الحلق وأخذ الشعر يستند إلى الإنسان إذا أمر غيره بأن يحلق رأسه أو يأخذ من شعره، فأنتم حينما تذهبون إلى الحلّاق وتطلبون منه حلق رأسكم أو تقصير شعركم، فحينما تخرجون من ذلك المحل تقولون حلقت رأسي هذا اليوم، قصّرت شعري هذا اليوم، فالتقصير من باب التسبيب ولا يعتبر فيه أكثر من قصد القربة من ناحية الحاج والمعتمر نفسه لأنّه إذا أمر غيره بأخذ شعره فيستند التقصير إليه نفسه فلا يكون فيه إشكال إلّا إذا كان عالماً عامداً أو جاهلاً مقصّراً فيدخل في باب اجتماع الأمر والنهي في العبادات.


[دليلا جواز اجتماع الأمر والنهي]

هذا تمام الكلام في هذه الفروع، يقع الكلام في دليلين من بعض القائلين بجواز الاجتماع ولعلّه المحقق القميّ في القوانين ذكرهما صاحب الكفاية :

أحدهما: التمسّك بارتكاز العرف؛ إذا أمر المولى عبده بخياطة ثوبٍ ونهاه عن الكون في مكانٍ خاص، فخاطه في ذلك المكان، فيقال بأنّ العرف يراه مطيعاً للأمر بالخياطة وعاصياً للنهي عن الكون في ذلك المكان.

والدليل الثاني: النهي الكراهتي عن العبادات؛ فيقال بأنّه لا إشكال في وقوع النهي الكراهتي عن العبادات كالصلاة في الحمّام والصوم في يوم عاشوراء، ولو تمّ إشكال امتناع اجتماع الأمر والنهي لم يختص ذلك بالنهي التحريمي بل جرى في النهي الكراهتي مع أنّه خلاف ما هو واقع في الفقه من ثبوت النهي الكراهتي عن بعض العبادات، نتكلم عن هذين الدليلين وجواب صاحب الكفاية عنهما في الليالي القادمة إن شاء الله.