بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/07/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي (فروع اجتماع الأمر والنهي)

بعد الفراغ عن مسألة اجتماع الأمر والنهي واختيار جواز الاجتماع وفاقاً لجمعٍ من الأعلام، كصاحب القوانين & ومن المعاصرين السيد السيستاني = ينبغي أن نتعرّض لعدّة فروعٍ فقهية متعلّقة بمسألة الاجتماع حيث يتضح من خلال ذلك بعض النكات التي يلزم رعايتها في تطبيق كبرى اجتماع الأمر والنهي.

 

الفرع الأول

الصلاة في اللباس المغصوب

 

فقد ذكر صاحب العروة & أنّ الإباحة شرطٌ في جميع لباس المصلّي من غير فرقٍ بين الساتر وغيره، بل وكذا في المحمول، ما يحمله من ثوبٍ أو غيره إذا تحرّك بحركات الصلاة وإن كان شيئاً يسيرا ،وضع في جيبه فلوساً متعلّقة للخمس وقد مضى وقتُ خُمسها، فهي مغصوبةٌ وحينما يركع أو يسجد أو يقوم تتحرّك هذه الفلوس بتبع حركة جسده.

فيقول صاحب العروة &: إذا كان عالماً عامداً بطلت صلاته أمّا إذا كان ناسياً أو جاهلاً بالغصب فصلاته صحيحة. والظاهر أنّ مقصوده الجهل القصوري لا الجهل التقصيري، كما هو المتعارف في الجهل بالموضوع حيث إنّه في الوضوء بالماء المغصوب والصلاة في المكان المغصوب صرّح بأنّ الجاهل المقصِّر كالعامد. وهذا الذي ذكره صاحب العروة وافقه في ذلك السيد البروجردي ‚.

نحن نقول:

     أمّا بالنسبة إلى الصلاة في الساتر المغصوب فلو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي:

فلا إشكال بعد أن كان هذا الشرط شرطاً توصليّاً لا تعبديّا.

     وأمّا بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي فلنا أن نقول:

بأنّ التركيب هنا انضماميٌّ وليس اتحاديّاً، فحتى بناءً على نظرية امتناع اجتماع الأمر والنهي يمكن الحكم بصحة هذه الصلاة كما أفاده السيد الخوئي & في أبحاثه الاستدلاليّة وإن أفتى في تعليقة العروة والمنهاج ببطلان الصلاة بالساتر المغصوب عالماً عامداً أو جاهلاً مقصِّرا.

وجه ما ذكره & في أبحاثه الاستدلاليّة:

أنّ النهي تعلّق بذات الشرط وهو التستر بالساتر المغصوب، وأمّا الأمر فلم يتعلّق بهذا الشرط وإنّما تعلّق بإيقاع الصلاة في هذا الحال، يعني تعلّق الأمر بالتقيّد.

والشاهد على ذلك: إمكان الأمر الترتبي، فيقول المولى لعبده "لا تتستر بالساتر المغصوب ولكن لو تسترت به فصلِّ في هذا الحال".

وما ذكره السيد الخوئي & في أبحاثه الاستدلاليّة هو الصحيح، وقد سبقه إلى ذلك صاحب الجواهر والمحقق النراقي@:

     فقال صاحب الجواهر &: الحرام هو كون الثوب عليك لا كونك فيه، يعني ليس لُبسك لهذا اللباس المغصوب متحدّاً وجوداً مع الصلاة، فالتستر بالساتر المغصوب يعني كونك في هذا الساتر المغصوب هذا هو الحرام وهذا ليس مصداقاً للواجب.

     وأوضح من ذلك ما ذكره المحقق النراقي &: من أنّ الواجب هو المستوريّة والحرام هو التستّر بهذا الساتر المغصوب.

ولا نفهم من هذه التعابير غير ما ذكرناه من أنّ النهي تعلّق بذات الشرط والأمر تعلّق بالشرطيّة والتقيّد.

[وجه قول صاحب العروة والسيد البروجردي ‚ والإشكال عليه]

وأمّا بالنسبة إلى فتوى صاحب العروة والسيد البروجردي ‚ في بطلان الصلاة عالماً عامداً أو جاهلاً مقصّراً في اللباس المغصوب بل وفي المحمول المغصوب، فكان وجهه:

أنّ الأفعال الصلاتيّة تكون علّةً تامّة للحرام، أي تحريك هذا الثوب المغصوب، تحريك الثوب المغصوب غصبٌ، يعني أنا حينما ألبس لباساً مغصوباً فكلّ ما أُحرّك هذا الثوب بِطيّه ونشره كلّ ذلك حرام؛ لأنّه مصداقٌ للتصرف في مال الغير بدون إذنه، فهل يجوز أن أمشيَ وألقى محلّاً تُباع فيه الملابس فأضعُ يدي عليها وأُحرّكُها يميناً وشمالاً؟ هذا حرام.

فإذاً حينما تركع تُسبب إلى الحرام، حينما تقوم تُسبب إلى الحرام؛ لأنّ ذلك موجبٌ لتحريك الثوب المغصوب، وعلّة الحرام حرام غيري أو فقل مبغوض، والمبغوض لا يصلح للمقربيّة.

نقول:

    1. أولاً: يمكن النقاش في حرمة تحريك الثوب المغصوب للابسه؛ من يلبس الثوب المغصوب فالعرف يغمض عينه عن تحريكه لهذا الثوب المغصوب بِتَبعِ لُبسه، يمشي يتحرَّك وبذلك يتحرّك الثوب بطيٍّ أو نشرٍ، العرف يرى انصراف حرمة التصرّف في مال الغير عن هذا الفرض، فما هو الحرام هو لبس هذا الثوب أمّا أنّه بعدما يلبسه يقوم ساكناً في مكان وغير متحرِّك أو يتحرّك، فنقول إذا تحرّك أوجب تحرك الثوب المغصوب ارتكب حراماً أكثر! هذا ليس عرفياً.

    2. ولو التزمنا بكونه محرّماً، فنقول: لا دليل على أنّ العلّة التامّة للحرام لا يمكن التقرّب بها بعد عدم تعلّق النهي النفسيّ بالعلّة التامّة للحرام.

مثلاً: شخصٌ يقول أنا حينما أرتمس في هذا الماء ينصبُّ الماء على جدار الغير، المولى يقول أنا أُبغض التصرّف في مال الغير ولكن حالك أحسن من الذي يُلقي حجارةً في هذا الماء وينصبُّ الماء على جدارِ الغير بهذا التصرّف العبثي، أنت أحسن منه؛ لأنّك إذا أوجبت مفسدة الغصب ولكن في نفس الوقت أوجدت مصلحة الغُسل الارتماسي في هذا الماء، وهذا الغسل ليس محرّماً نفسياً؛ لأنّ العلّة التامّة للحرام ليست محرّمةً بالحرمة النفسيّة ولا دليل على أكثر من هذا في العبادة.

    3. وثالثاً: العلّة التامّة لتحريك الثوب المغصوب هو الهُوي إلى الركوع، والهوي إلى الركوع ليس من أجزاء الصلاة، ما هو جزء الصلاة هو الركوع والركوع ليس علّةً تامّةً لتحريك الثوب المغصوب، الهُوي إلى الركوع علّةٌ تامّةٌ لتحريك الثوب المغصوب وللركوع. فأحد المعلولين لهذا الهُوي حرام والمعلول الآخر له واجب، ومبغوضيّة أحد المعلولين للعلّة الثالثة لا توجب مبغوضيّة المعلول الآخر.

    4. وقد يُجاب عن إشكال صاحب العروة والسيّد البروجردي ‚ بجوابٍ رابع فيُقال:

بأنّ الُهوي إلى الركوع ليس علّةً تامّةً للغصب وهو تحريك الثوب المغصوب؛ فإنّ العلّة التامّة له مركبّ من جزئين الهُوي وإبقاء الثوب على جسده، فما هو المبغوض مجموعُ هذين الجزئين لعلّة الحرام لا خصوص الهُوي الذي هو أحد جزئي العلّة التامّة للحرام، حتى لو كان الهُوي جزءاً صلاتياً مع ذلك ليس هو علّةً تامةً للحرام، العلّةُ التامّةُ للحرام المجموع من الهُوي وبقاء هذا الثوب على الجسد.

ولكن هذا الجواب غير متّجه:

فإنّ المعلول يستند إلى الجزء الأخير من علّته التامّة؛ فإذا وضعت مالَ الغير في مكان ورميت حجارةً عليه، يستند تلفُ ذلك المال إلى رمي الحجارةِ نحوه لا إلى مجموع رمي الحجارةِ نحوه وإبقاء ذلك المال في ذاك الهدف. فلو جاء شخصٌ آخر بذاك المال وخلّاه أمام هذا الرامي للحجارة، ثمَّ رمى هذا الذي بيده حجارةٌ حجارته نحو ذلك المال، الشخص الذي جاء بذلك المال ووضعه هنا لا يضمن، وإن ارتكب محرّماً فبلحاظ أنّه أعان على الظلم أو أعان على الإثم ولكنَّ الإتلاف يستند إلى هذا الرامي للحجارة؛ لأنّه الجزء الأخير للحرام.

فهنا بعدما لبست الثوب المغصوب ويبقى في جسدي، حسب الفرض يستند تحريك الثوب المفروض إلى هذا الهُوي فإنّه الجزء الأخير. فهذا الجواب الأخير ليس تامّاً.

[المُختار في المسألة]

وكيف كان فنحن نرى أنّ الصلاة في الثوب المغصوب صحيحةٌ حتى لو كان ساتراً وتعمّد الصلاة فيه فضلاً عن غير هذا الفرض، ولا نقبل كلام السيد البروجردي & من أنّ العلّة التامّة للحرام مبغوض فلا يصلح للمقربيّة؛ فإنّه:

     مضافاً إلى ما ذكرنا من عدم وجدانيّة مانعيّة ذلك من عباديّة الفعل.

     يُمكننا أن نستشهد بصحيحة عبد الصمد بن بشير؛ حيث ورد فيها أنّ رجلاً أعجمياً جمع مالاً وأتى إلى الحجّ فلبّى في ثيابه فاجتمع عليه أصحاب أبي حنيفة فقالوا عليك بدنة وشُقَّ قميصك وانزعه من تحت رجليك وحجّك فاسد وعليك الحجّ من قابل، ففزع الرجل فجاء إلى أبي عبد الله × فقال له: إنّي رجلٌ جمعت مالاً وجئت إلى الحج ولم أسأل أحداً عن شيء –يعني جاهل مقصِّر- فأحرمت في ثيابي، فالإمام × قال له: ليس عليك شيءٌ وليس عليك الحجُّ من قابلٍ، ادخل مكّة وطُف وصلِّ ركعتين واسعى بين الصفا والمروة وتحلّل كعمرة التمتع، ثم يوم التروية أحرم بحجّ التمتع واصنع كما يصنع الناس.

فترى أنّ الإمام ×: حكم بصحّة إحرامه مع أنّ إحرامه كان علّة تامّة للحرام وهو لُبس المخيط مُحرِماً، لبس المخيط مُحرِماً حرام، العلّة التامّة لهذا الحرام بالنسبة إلى هذا الرجل العجمي كان هو تلبيته وإحرامه، هذه العلّة التامّة للحرام الإمام × حكم بصحتها ولم يقل بأنّ العلّة التامّة للحرام الصادرة من الجاهل المقصّر والذي هو كالعامد مبغوضةٌ ولا تصلح للمقربيّة، ولم يسأل أحداً عن شيء يعني جاهل مقصّر، الجاهل المقصّر عمله مبغوض حتى لو كان حين العملِ غافلاً؛ لأنّ غفلته تستند إلى تقصيره في ترك التعلّم.

هذا هو الفرع الأول من فروع اجتماع الأمر والنهي، ويقع الكلام في الفرع الثاني وهو الصلاة في المكان المغصوب غداً إن شاء الله.