بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي (في اجتماع الأمر والنهي)

كان الكلام في اجتماع الأمر والنهي، فوصلنا إلى الإتيان بالعبادة التي هي مورد اجتماع الأمر والنهي –كالصلاة في المكان المغصوب- فاخترنا أنّه إن ارتكب هذا الفرد من الحرام:

     عالماً عامداً أو جاهلاً مقصِّراً: فالمرتكز العقلائي والمتشرعيّ أنّه حيث يكون هذا العمل صادراً على وجه المبعديّة عن المولى والاستحقاق للعقاب فلا يصلح للمقربيّة والعباديّة.

     بخلاف ما لو كان المكلّف جاهلاً قاصراً أو ناسياً: فإنّه وإن كان فعله مبغوضاً لكن لا دليل على اعتبار المحبوبيّة الفعليّة في العبادة؛ فإنّ المهم أن يكون صرف وجود العمل محبوباً للمولى ويكون هذا الفرد وافياً بملاكه ويصدر من المكلّف بداعيٍ قربِيّ.

[مناقشة الآخوند في فرض الجهل والنسيان]

وأمّا صاحب الكفاية & فهو وإن اختار امتناع اجتماع الأمر والنهي لكنّه قال: نستكشف الملاك في مورد الاجتماع، فإذا كان المكلّف جاهلاً قاصراً أو ناسياً فحيث يتمشى منه قصد القربة فتصح عبادته.

فأشكلنا عليه، وقلنا بأنّه: من أين أحرزتم الملاك في هذا الفعل؟ فلعلّ امتثال الأمر دخيلٌ في استيفاء الملاك، الكاشف عادةً عن كون الفعل وافياً بالملاك هو إطلاق الأمر، فإذا سقط إطلاق الأمر فمن أين استكشفتم كون هذا الفعل –كالصلاة في المكان المغصوب أو الوضوء بالماء المغصوب- وافياً بملاك العبادة؟

ولو كان وافياً بملاك العبادة فلماذا لم تصححوا هذه العبادة في مورد العلم والعمد والجهل التقصيري كما صححتم هذه العبادة بناءً على جواز اجتماع الأمر والنهي مطلقاً حتى لو كان المكلّف عالماً عامداً أو جاهلاً مقصّراً؟.

 

[تفصيل المحقق النائيني & وجوابه]

أمّا المحقق النائيني & فذكر أنّه:

     في مورد التركيب الاتحادي –كالوضوء بالماء المغصوب- نلتزم ببطلان الوضوء بالماء المغصوب حتى لو سقط خطاب النهي بنسيانٍ أو إكراهٍ أو اضطرارٍ ونحو ذلك؛ لأنّه لا يزال العمل مبغوضاً للمولى، ولأجل ذلك يحرم على الآخرين تسبيب هذا المكلف الناسي بالوضوء بالماء المغصوب أو يحرم على الآخرين إكراه الشخص على الوضوء بالماء المغصوب ونحو ذلك، وهذا يكشف عن كون الوضوء بالماء المغصوب حتى مع سقوط النهي عن الغصب مبغوضاً، فكيف تجتمع المبغوضيّة مع المحبوبيّة التي هي ملاك العباديّة؟.

وهذا الذي ذكره & خلاف فتواه في العروة؛ حيث أفتى بصحة وضوء الجاهل القاصر والناسي بالماء المغصوب، مضافاً إلى أنّه كما ذكر السيد الخوئي & لا دليل على إضرار مبغوضيّة الفعل عن عباديته.

لو كان الفعل صادراً على وجه المبعديّة عن المولى وموجباً لاستحقاق العقاب منع ذلك عن عباديته، وأمّا مجرّد كونه مبغوضاً بالفعل لانطباق عنوانٍ آخر كعنوان الغصب عليه لا يمنع من عباديته لانطباق عنوانٍ عباديٍّ عليه كالوضوء بعد وفائه بالملاك وتَمَشي قصد القربة من المكلف.

     وفي الصلاة في المكان المغصوب ذكر المحقق النائيني &: أنّه حيث يكون التركيب بين الصلاة والغصب تركيباً انضماميّاً فهناك وجودان متلاصقان في الخارج، أحدهما صلاة والآخر غصبٌ، فلأجل ذلك لا مانع من صحة الصلاة في المكان المغصوب لكن بشرط أن لا يكون المكلّف عالماً عامداً أو جاهلاً مقصّرا، حتى لو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي فضلاً عن القول بامتناعه.

يقول المحقق النائيني &: حتى لو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي مع تعدد المعنون فلا مانع من شمول إطلاق الأمر بالصلاة بهذه الصلاة في المكان المغصوب لكن هذا لا يكفي في القول بصحة هذه الصلاة بعد أن كانت عبادةً ويُعتبر في العبادة صدورها مع حسنٍ فاعليّ، وبعد أن كان هذان الوجودان متلاصقين ولا يمكن التمييز بينهما في الخارج بالنظر العرفي بأن يُشار إلى أحدهما فيقال هذا صلاةٌ ويُشار إلى الآخر فيقال هذا غصبٌ، هما وجودان ولكن وجودان ممتزجان في الخارج، فيتحدان في مقام الإيجاد، يوجدهما المكلّف بإيجادٍ واحد، فهذا الإيجاد قبيحٌ بقبحٍ فاعليّ فلا يصلح للعباديّة.

هذا بلحاظ تصحيح هذه الصلاة في المكان المغصوب لأجل اشتمالها على الملاك، فنقول: اشتمالها على الملاك لا يكفي بعد كون إيجاد هذين الوجودين بإيجادٍ واحدٍ مبتلى بمشكلةِ القبح الفاعلي المانع من صحة العبادة.

وأمّا دعوى أنّه بعد جواز اجتماع الأمر والنهي فهذه الصلاة مصداقٌ للمأمور به، فما هو المانع من صحتها؟

يقول المحقق النائيني &: المانع من صحتها أنّ خطاب الأمر بالصلاة متعلّقٌ بالصلاة المقدورة، وهذا مبنىً عام للمحقق النائيني &، فهو يرى أنّ خطاب التكليف حيث إنّه بداعي التحريك والبعث فلا بدّ أن يتعلّق بالحصّة المقدورة التي يمكن الانبعاث نحوها، فقول المولى "صلِّ" أي أوجد صلاةً مقدورة، والصلاة في المكان المغصوب وإن لم تكن متحدّة مع الغصب بعد أن كان التركيب بينهما انضماميّاً لكن هذه الصلاة ملازمةٌ للغصب المحرّم، والفعل الملازم للحرام ليس مقدوراً شرعاً، حتى لو تمكن المكلف من الصلاة في مكانٍ مباح لكن هذه الصلاة في المكان المغصوب حيث إنّها ملازمة للغصب المحرّم فلا تكون مقدورةً شرعاً.

إن قلت: يا أيها المحقق النائيني –رحمة الله عليك- أنت تلتزم بالأمر الترتبي كما في الصلاة في أول الوقت المبتلى بالتزاحم مع وجوب الإزالة، تلتزم بالأمر الترتبي؛ إن تركت الإزالة فصلِّ، هذه الصلاة مقدورةٌ على نحو الترتب، فهنا أيضاً يمكنك أن تقول: هذه الصلاة مقدورةٌ على تقدير ارتكاب الغصب.

يقول المحقق النائيني & في الجواب:

أبداّ، يختلف المقام عن مثال الصلاة في وقت الإزالة. لو ترك المكلّف الإزالة فبإمكانه أن يصلّي أو لا يصلّي ولكنه في المقام لو ارتكب الغصب الملازم للصلاة فتتحقق الصلاة قهراً بعد ارتكابه لهذا الغصب الملازم للصلاة؛ لأنّ وجود الغصب الملازم للصلاة مساوقٌ لفرض وجود الصلاة الملازمة لذلك الغصب، فيكون طلب الصلاة مترتباً على ارتكاب المكلّف للغصب الملازم للصلاة طلباً للحاصل؛ إذا ارتكبت هذا الغصب المحرّم الملازم للصلاة يعني إذا صلّيت فصلِّ، هذا طلبٌ للحاصل. فلا يمكن تصحيح هذه الصلاة لا بالأمر الترتبي ولا بالاشتمال بالملاك.

نعم، لو كان العمل توصليّاً لم نحتج إلى الحسن الفاعلي بل كان يكفينا الملاك لكنّ المفروض أنّ المقام اتحدّ الواجب والحرام في العبادة.

هذا الكلام المنقول عن المحقق النائيني & والتي كانت نتيجته:

     أنّه في الوضوء بالماء المغصوب يبطل الوضوء مطلقاً؛ لأنّ التركيب بين الوضوء والغصب اتحاديٌّ، يبطل الوضوء مطلقاً حتى في حال الجهل القصوري والنسيان.

     وفي الصلاة في المكان المغصوب تبطل الصلاة في غير حال الجهل القصوري والنسيان، سواء قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي أو بامتناعه.

نقول في الجواب:

    1. أولاً: ما هو الفارق بين الصلاة في المكان المغصوب والوضوء بالماء المغصوب؟ كيف كان التركيب بين الوضوء بالماء المغصوب والغصب تركيباً اتحادياً وفي الصلاة في المكان المغصوب صار التركيب انضماميّاً؟

نعم، بناءً على ما سيأتي من أنّ السجود في المكان المغصوب ليس مصداقاً للغصب وإنّما هو ملازمٌ للغصب بخلاف الوضوء بالماء المغصوب، هذا بحث آخر سيأتي إن شاء الله.

ولكن الظاهر أنّ المحقق النائيني & لا ينظر إلى هذا المطلب، يقول: الصلاة والغصب عنوانان مبدأيان وتعدد هذين العنوانين يكشف عن تعدد المعنون، هذا البيان يأتي في الوضوء بالماء المغصوب، الوضوء بالماء المغصوب والغصب عنوانان مبدأيان وليسا عنوانين اشتقاقين كالمتوضىء والغاصب.

    2. وثانياً: بناء على كون التركيب بين الصلاة والغصب انضمامياً –كما هو مسلكه- ففي فرض المندوحة إذا أمكن الصلاة في مكان مباح لا نحتاج إلى الترتب أبداً، أي حاجة تدعونا إلى الالتزام بالترتب مع وجود المندوحة؟ تعلّق أمرٌ فعليٌّ بالصلاة في مكانٍ وأنا قادرٌ على ذلك، وما يُعتبر في متعلّق التكليف القدرة على صرف وجود الطبيعة، وصرف وجود طبيعة الصلاة مقدور، وإن فُرض أن هذا الفرد من الصلاة ملازمٌ للحرام فلا يكون مقداراً، المهم أنّ صرف وجود الصلاة مقدور وهذا يكفي في فعليّة التكليف.

وثانياً لماذا لا يكون الملازم للحرام مقدوراً بعد عدم تعلّق النهي به؟ هذا الفعل ملازم للحرام وليس حراماً لم يتعلّق به النهي إلّا أن يُقال بأنّه لا يمكن الترخيص الفعلي في الملازم للحرام إلّا على نحو الترتب، ولكن أجبنا عنه: بأنّ الترخيص في هذا الملازم للحرام من حيث ذاته، هذا من حيث ذاته حلال أمّا اتفق أنّه صار ملازماً لحرامٍ، الترخيص فيه من حيث هو هو لا يعني الترخيص في ملازمه الحرام.

وإن أصرّ المحقق النائيني & بأنّ هذه الصلاة الملازمة للحرام لا يمكن الأمر الفعليّ بها فنقول: أيّ مانعٍ من تعلّق الأمر الترتبيّ بها، مترتباً على تحقق جامع الغصب لا هذا الفرد من الغصب الملازم للصلاة.

إذا كنت تغصب هذا المكان فتوضأ، هذا معقول. لا يحتاج أن يقول المولى إذا ارتكبت هذا الفرد من الغصب وهو الغصب الملازم للصلاة فصلِّ، لا. إذا ارتكبت جامع الغصب، يعني إذا كنت ترتكب جامع الغصب الأعم من أن يكون غصباً صلاتياً أو غصباً غير صلاتيٍّ، فصلِّ.

وأمّا ما ذكره المحقق النائيني & من أن وجود الصلاة والغصب وإن كان متعدداً لكن إيجاد الوجودين بإيجاد واحد هذا غير معقول، لا فرق بين الإيجاد والوجود إلّا بحسب الاعتبار.

الفرق بين الإيجاد والوجود كما ذكره الأعلام اعتباريٌ، فإذا تعدد الوجود لا محالة يتعدد الإيجاد. فمع كون التركيب بين الصلاة والغصب تركيباً انضماميّاً إيجاد هذا الوجود المسمّى بالصلاة ليس مبتلىً بالقبح الفاعليّ، فلماذا تمنعون من صحة الصلاة في المكان المغصوب بعد التزامكم بالتركيب الانضمامي فيهما وتعدد وجودهما خارجا.

فلا يتمّ كلام المحقق النائيني &، وبذلك نقول: سواءً الوضوء بالمكان المغصوب أو الصلاة في المكان المغصوب لا مانع من الحكم بصحتهما إلا في فرض العلم والعمد والجهل التقصيري.