بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

46/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط السادس: عدم المرض أو الرمد / شرائط صحة الصوم/

 

ذكر صاحب العروة ان الشرط السادس لصحة الصوم عدم المرض أو الرمد الذي يضره الصوم لايجابه شدته أو طول برئه أو شدة ألمه أو نحو ذلك سواء حصل اليقين بذلك أو الظن بل أو الاحتمال الموجب للخوف.

لا اشكال في عدم وجوب الصوم علی المريض اما انه لا يصح فقد وقع الخلاف فيه:

نقل عن العلامة الحلي انه قال الصوم المندوب يصح من المريض فان الآية الكريمة تختص بصوم شهر رمضان، ‌و من كان مريضا أو علی سفر فعدة من ايام أخر، هذا خاص بصوم رمضان. نعم استفدنا من الروايات انه لا يجب الصوم علی المريض انه لا يصح فان استدل عليه بقوله تعالی و ان كنتم مرضی أو علی سفر فعدة من ايام أخر فهذا خاص بصوم شهر رمضان.

هذا اشكال لا بأس به. نعم لا بد من ملاحظة الروايات حتی نری ان الروايات هل تدل علی عدم وجوب الصوم علی المريض أو علی عدم صحته منه مطلقا سواء كان صوم شهر رمضان أو غيره.

اقرأ روايات الباب:

الرواية الاولی صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام في حديث في قول الله عز و جل فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا قال من مرض أو عطاش. هذه الآية الكريمة ‌واردة ‌في الكفارة، ‌كفارة الظهار و نحوها. هل يستفاد من هذه الصحيحة بطلان صوم المريض؟ من لم يستطع ان يعتق رقبة مثلا يصوم ستين يوما و من لم يستطع ان يصوم ستين يوما يطعم ستين مسكينا يعني المريض الذي لا يستطيع ان يصوم ستين يوما يطعم ستين مسكينا. اولا هذا خاص بمورده، ‌لا ينفي صحة الصوم المندوب أو صحة الصوم القضاء الذي هو واجب موسع اذا اختاره المريض في حال مرضه. فالواحد مريض صام صوم القضاء و الصوم يضر به اضرارا غير محرم، السيد الخوئي يصرح ان الاضرار بالنفس ليس حراما بوجه مطلق، حتی السيد السيستاني ايضا ذاكر ان الاضرار الذي يصل الی حد تهلكة النفس هذا حرام اما انه يصير بحمّی يوم واحد يومين اذا يصوم، يصير به صداع أو حمی لا دليل علی حرمته. فاولا هذه الآية الكريمة تختص بالكفارة فلا تجب كفارة الصوم ستين يوما لمن كان مريضا. و ثانيا: قد لا يظهر من هذه الآية انه لو صام فصومه باطل، من لم يستطع لمرض ان يصوم ستين يوما يطعم ستين مسكينا. لو ان شخصا تحمل الضرر غير المحرم و صام ستين يوما قد يناقش في ظهور الآية في ان صومه باطل.

الرواية الثانية ما رواه الصدوق باسناده عن جميل، الصدوق يذكر سنده الی كتاب محمد بن حمران و جميل بن دراج و كل ما ينقله عن جميل بن دراج فقط فيوجد فيه نقاش سندي، النقاش فيه انه هل سنده الی ما رواه محمد بن حمران و جميل بن دراج مختص بما رواه عن كتابهما؟ فان لهما كتاب مشترك يقول و ما كان فيه عن محمد بن حمران و جميل بن دراج فقد رويته عن ابي عن سعد بن عبدالله عن يقعوب بن يزيد عن محمد بن ابي عمير عن محمد بن حمران. فاذا روی في الفقيه عن محمد بن حمران فقط أو عن جميل بن دراج فقط فقد يقال بان سنده في المشيخة لا يشمل ذلك. ففي سند هذه الرواية اشكال. عن الوليد بن صبيح قال حممت بالمدينة يوما من شهر رمضان فبعث لي ابوعبدالله عليه السلام بقصعة فيها خل و زيت و قال افطر و صل و انت قاعد. هذه الرواية ‌ايضا مختصة بصوم رمضان. و قد لا يستفاد منها بطلان الصوم لانه وارد في مورد توهم الحظر. الطبيب حينما يقول للمريض الذي اشوي برئ من مرضه، كل ترشي، يظهر منه وجوب اكل الترشي؟‌ لا، ‌يعني بعد ان ارتفع المانع، اهنانة يقول افطر يعني ارتفع المانع عن حرمة ‌الافطار.

الرواية الثالثة صحيحة حريز عن ابي عبدالله عليه السلام قال الصائم اذا خاف علی عينيه من الرمد افطر.

هذه الرواية قد يناقش فيها سندا كما يناقش فيها دلالة. المناقشة السندية من قبل السيد السيستاني يقول السيد السيستاني كل ما يرويه حريز عن ابي عبدالله عليه السلام مباشرة فتوجد فيها شبهة الارسال. ليش؟ لانه روی الكشي بسند صحيح عن يونس بن عبدالرحمن الذي كان من تلامذة حريز انه لم يسمع حريز من ابي عبدالله عليه السلام الا حديثا أو حديثين. اكثر من مأتين حديث يرويها حريز عن ابي عبدالله عليه السلام مباشرة.

نعم ذكر السيد السيستاني انه يمكن بحساب الاحتمالات يحصل لنا الاطمئنان بان المرسل عنه الذي حذفه حريز كان ثقة لان اغلب مشايخ حريز ثقات. مثلا هو استفاد من مأة استاذ، ‌كلهم ثقات عدی‌ واحد منهم، ‌فاحتمال ان الذي ارسل عنه ذاك الواحد الضعيف واحدبالمئة هذا احتمال لا يعتنی به. هذا اشكال مهم تری.

نحن حاولنا ان نصل الی حد الوثوق بخطأ ما رواه الكشي عن يونس لوجود عدة ‌روايات تنص علی ان حريز سمع من الامام الصادق عليه السلام مباشرة، اكثر من عشر حديث نص فيها ان حريز سمع من الامام عليه السلام مباشرة.

و لكن لو اصر احد علی توجيه تلك الروايات بنحو و آخر، فقال لعل تلك الروايات كانت قطعات من حديث أو حديثين، فليست عشرة، كما نقل عن بعض الافاضل، فوصلنا الی التمسك بحساب الاحتمالات كيف نطمئن بان مشايخ حريز كلهم ثقات الا عدد قليل منهم، لانه تارة يوجد دليل معتبر علی ان مشايخ فلان ثقات كما ورد في حق ابن ابي عمير و صفوان و البزنطي من انهم لا يروون و لا يرسلون الا عن ثقة، اما بالنسبة ‌الي حريز لم يرد هذا التعبير، و نحن نحتمل اننا لا نعرف مشايخ حريز في الغالب، بعد علمنا بالارسال الكثير في رواياته، مضافا الی انه في رواية واحدة ممكن تقولوا بانه يحصل الوثوق بانه ليس هذا المرسل عنه ذاك الضعيف لكن كل مكان نتمسك بما رواه حريز عن ابي عبدالله بحجة انه يطمئن بان هذا الراوي ليس ضعيفا؟ مثل ما كنا نقول مأتين ماء فالواحد جاء بماء واحد و خلی مكانه ماء مضاف فاشتبه الماء المضاف بين مأتين ماء، السيد السيستاني يقول ميخالف توضأ من هذا الماء الاول لان احتمال كونه ذاك الماء المضاف واحد من مأتين، و هذا يعني انك تطمئن بان هذا ماء، ميخالف افرض ان هذا الاطمئنان حجة، في صلاة الصبح توضأت من هذا الماء، ‌في صلاة الظهر توضأت من ماء ثاني و هكذا، لاحظوا المجموع!‌ انتم مطمئون بان كل ما توضأتم منه كان ماء مطلقا لانه احتمال كون الماء الاول مضافا احتمال واحد بالمأتين، احتمال احد المايعين الذي توضأت منهما لصلاة الصبح و الظهر يصير اثنين من مأتين، توضأت لصلاة العصر بماء ثالث يكون احتمال احد هذه المياه ماء مضاف يصير ثلاثة من مأتين الی حد ان يبلغ حدا يزول الاطمئنان، انتم تريدون تفتون بكل رواية حريز عن ابي عبدالله عليه السلام و انتم مو مطمئنين بان كل هذه الروايات روايات حريز عن الثقات.

هذا الاشكال السندي و اما الدلالة، بلحاظ الدلالة هذه الرواية ‌لاتختص بصوم رمضان، الصائم اذا خاف علی عينيه من الرمد افطر، و ظاهر الامر بالافطار هو التعيين، هذا يختلف عن رواية جميل بن دراج التي هي قضية شخصية و في مقام الافتاء علی قولة ‌السيد السيستاني هذا كان مريضا حممت بالمدينة يوما من شهر رمضان فبعث لي ابوعبدالله عليه السلام بقصعة فيها خل و زيت و قال افطر، هذا يختلف عن بيان حكم كقضية حقيقية و في مقام تعليم الاحكام الكلية كما في صحيحة حريز أو روايته، الصائم اذا خاف علی عينيه من الرمد افطر. فهذه الرواية لو تم سندها كما لا يبعد فدلالتها تامة و لا فرق في ذلك بيان ان نقول الذي بعينه رمد مريض أو مو مريض فانه لو كان مريضا فنلغي الخصوصية عنه الی كل مريض اذا لم يكن مريضا كما هو ظاهر كلام صاحب العروة يقول المريض أو الارمد، جعل الارمد في قبال المريض، فنلغي الخصوصية عن الارمد الی كل من اضر بالصوم و بالنسبة الی الرمد يوجد احتمالان من يخاف علی عينيه من ان يصير بهما رمد في المستقبل، الان عيونه صحيحة كل شيء ما بها، لكن هو يقول اذا انا اقوي روحي ما آكل كباب، ما آكل اشياء مقوية فاخاف يصير رمد في عيني، أو لا، الاحتمال الثاني ان نقول كما هو الظاهر، انه لاجل الرمد بعينيه يخاف عليهما من ان يشتد الوجع فيهما أو الالتهاب فيهما. هذا هو الظاهر حسب الواقع الخارجي، انسان اشلون عيونه سليمة و صحيحة يخاف علی عينيه من الرمد هذا خلاف المتعارف. [نعم لو] يحس بمشكلة في عينيه فيخاف علی عينيه من ان تشتد هذه المشكلة، مشكلة الرمد يحس بها لكن يخاف علی عينيه ان تشتد تلك المشكلة، الصائم اذا خاف علی عينيه من الرمد افطر.

و هناك رواية مرسلة في كتاب من لا يحضره الفقيه يقول الصدوق قال عليه السلام كل ما اضر به الصوم فالافطار له واجب. هذا ايضا مطلق بلحاظ انواع الصوم و قد دل علی ان الافطار فيه واجب. لكنه خاص بضرر البدني كما ان رواية حريز ايضا كذلك، اما من يخاف من ضرر عرضي أو مالي علی نفسه أو يخاف من ضرر علی غيره هذا لا يدخل في هذه الروايات و لا يدخل في الآية الكريمة. و لاجل ذلك من يخاف من ضرر مالي يقول انا اذا اصوم هذا اليوم اخاف يلحق بي ضرر مالي، تغرمني الحكومة مثلا أو اخسر في المعاملات مثلا، خوف الضرر المالي، من اين نستفيد انه رافع لوجوب الصوم؟ الضرر المالي قد يرفع وجوب الصوم لاجل لاضرر اما خوف الضرر المالي من اين يكون رافعا لوجوب الصوم؟ الوارد في الرواية خوف الرمد، خوف الضرر، خوف ضرر البدني، دون غيره، و لكن كلمات الاعلام مطلقة تری.

نعم قد يصل الخوف الی مرتبة يوجب ان يكون الصوم حرجيا علی الانسان، ‌السيد السيستاني يذكر اذا كان الجنين معاقا، كان الجنين به مشكلة في دماغه، يقول لا يجوز اجهازه، لا يجوز اسقاطه للام الا اذا كانت الام تعلم بانها تقع في حرج من بقاء الجنين و لو في المستقبل. طبعا هذا اذا لم تلد فيه الروح و الا فبعده لا يجوز علی الاحوط، و اما لا تعلم بالحرج في المستقبل فهنا قد يكون نفس هذه الحالة تؤدي الی غلق نفسي، يصير حرج نفسي، نعم هنا نتمسك بدليل لاحرج لان خوف الوقوع في الحرج الخارجي في المستقبل هذا الخوف قد يؤدي الی غلق نفسي يوجب هذا الغلق النفسي الحرج النفسي، هنا ايضا كذلك، خوف الضرر المالي اذا ادی الی ان هذا الشخص صار غلق و ابتلي بالحرج النفسي نعم يمكن التمسك بدليل لاحرج لنفي وجوب الصوم عنه لكن لا يعني ان صومه باطل، نحن كلامنا الان في شرائط صحة الصوم لا في شرائط وجوب الصوم.

الرواية الاخری موثقة سماعة قال سألته عن حد المرض الذي يجب علی صاحبه فيه الافطار قال هو مؤتمن عليه موفض اليه فان وجد ضعفا فليفطر و ان وجد قوة فليصم كان المرض ما كان.

السؤال عن حد المرض الذي يجب علی صاحبه فيه الافطار يعني اذا صام فصومه ما يكون صحيحا، فالامام عليه السلام اجاب بانه ان وجد ضعفا فليفطر و ان وجد قوة ‌فليصم كان المرض ما كان.

سند هذه الرواية موثقة انما الكلام في دلالتها، ‌تاملوا في دلالتها من ناحية انه يستفاد منه ان المريض يجب عليه الافطار و لا يشرع منه الصوم، صومه باطل، لكن لا يستفاد منه الاطلاق لكل صوم، لانه لم يكن في مقام البيان من ناحية انه في اي صوم يكون صوم المريض فيه باطلا، لا، ما حد المرض الذي يجب علی صاحبه فيه الافطار كما يجب عليه في السفر و من كان مريضا أو علی سفر، قرأ هذه الآية و هذه الآية مختص بصوم رمضان دون غير صوم رمضان. و لكن يستفاد منه ان الصوم في شهر رمضان علی المريض باطل. لو كنا نحن و الآية الكريمة لكنا نقول بان المريض و ان لم يضر به الصوم لكنه يشق عليه الصوم لا يجب عليه ان يصوم، المريض الذي يشق عليه الصوم لا يجب عليه الصوم لان الآية مطلقة و ان كنتم مرضی و من كان مريضا فعدة ‌من ايام أخر، ما قال و من كان مريضا يضره بالصوم، ابد، يشق عليه الصوم هذا يجب عليه قضاء ذلك الصوم. فلو كنا نحن و الآية الكريمة لم نكن نقيد عدم الصوم علی المريض بما اذا ادی صومه الی الحاق ضرر عليه، لكن هذه الروايات قد توجب تقييد الآية الكريمة بما اذا كان المرض مرضا يضر معه الصوم كما استفدنا من هذه الروايات ان صومه يكون باطلا لا انه مو واجب.

تاملوا في ذلك و تاملوا في رواية تدل علی صحة صوم المريض، هذه من جهة، تاملوا فيها، رواية عقبة بن خالد عن ابي عبدالله عليه السلام رجل صام شهر رمضان و هو مريض قال تم صومه و لا يعيد يجزيه حيث دلت علی ان صوم المريض صحيح و ان لم يجب عليه. هذا مما ينبغي ان يبحث عنه كما ورد في الروايات ان من يوجب الصوم وجع في رأسه، صداع، الرجل يجد في رأسه وجعا من صداع شديد، يجوز له الافطار هل هذا من مصاديق المريض ام لا، تاملوا في ذلك الی الليلة القادمة ان‌شاءالله.