بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

46/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: من سافر في بعض الوقت/ الشرط الخامس: ان لا يكون مسافرا / شرائط صحة الصوم

 

كان كلامنا فيمن سافر في نهار شهر رمضان هل يصوم أو يفطر أو ان فيه تفصيلا؟

ذكر السيد الزنجاني هنا مطالب ننقلها مع ملاحظاتنا عليها:

المطلب الاول: ذكر السيد الزنجاني ان هناك اقوال كثيرة يوجد قول بوجوب الافطار مطلقا فيمن سافر في نهار شهر رمضان سواء سافر قبل الزوال أو بعد الزوال مع نية السفر من الليل بدون نية السفر من الليل، يوجد هذا القول في ستة عشر كتب من كتب القدماء. و قال لعلهم احسوا بالتعارض بين الروايات فاسقطوا جميعها عن الحجية و رجعوا الی ما دل علی ان الصوم في السفر باطل. من جملة القائلين صاحب فقه الرضا يقول في كتاب الصوم: ان خرجت في سفر و عليك بقية اليوم فافطر. و نقل ذلك عن والد الصدوق و ابن ابي عقيل. السيد المرتضی في كتاب جمل العلم و ابن البراج في شرح جمل العلم قالا ببطلان الصوم مطلقا. و هذا ظاهر ابن الزهرة في الغنية بل ادعی عليه الاجماع قال يوجب القضاء السفر الذي بينا انه يوجب قصر الصلاة بدليل الاجماع. و يوجد كلام للشيخ الطوسي في الخلاف قد يظهر منه خلاف ذلك مطلقا قال اذا تلبس بالصوم في اول النهار ثم سافر لم يكن له الافطار، علی خلاف هذا القول يقول بوجوب الاستمرار في الصوم لمن كان في بلده حين طلوع الفجر ثم سافر. و يدعي عليه الاجماع، يقول عليه اجماع الفرقة.

السيد الزنجاني قال: حيث ان المسألة ذات اقوال كثيرة فلا بأس ان يحدث الانسان قولا جديدا كما هو الحال في كل اجماع مركب. كما ذكرنا ذلك في الليالي السابقة. يقول السيد الزنجاني هنا: لعل الاعلام الذين قالوا بوجوب الافطار مطلقا رأوا ان الروايات متعارضة فاسقطوها عن الاعتبار و رجعوا الی عموم ما دل علی ان المسافر لا يصوم. ثم اشكل السيد الزنجاني عليهم فقال نحن نری حجية الروايات المتعارضة في الجملة. اشلون؟ اذا حدثكم ثقة بان الصلاة الجمعة واجبة تعيينا و حدثكم ثقة آخر بان الصلاة الجمعة واجبة تخييرا، فالقدر المشترك بينهما ان الصلاة ‌الجمعة مشروعة فاي مانع من ان تفتي بمشروعية الصلاة الجمعة و عدم حرمتها و عدم تعين الصلاة الظهر؟ التعارض بينهما اوجب العلم الاجمالي بكذب احدهما لا بكذب كليهما، ‌فالعقلاء يرون الكاشفية لاحد الخبرين لا بعينه يقولون بعد ما لا تعلم بكذب كليهما ان ‌شاء الله احدهما صادق. نظير ما قاله صاحب الكفاية في تعارض الخبرين من انه بعد تعارضهما يعلم بكذب احدهما و الثاني حجة فينفی به الاحتمال الثالث القول الثالث.

و لكن الانصاف ان ما ذكره السيد الزنجاني وفاقا لصاحب الكفاية ‌لا يتم في المتعارضين بالذات، نعم يتم في المتعارضين بالعرض. اشلون؟ في هذا المثال الذي ذكرناه واحد يقول صلاة الجمعة واجب تعيينا ثاني يقول صلاة ‌الجمعة ‌واجبة تخييرا اك تعارض بالذات بينهما يعني لم يحصل لنا اتفاقا العلم بكذب احدهما، لا، ‌هما لا يجتمعان بالذات، ‌اكل مضادة بين مفادهما، لا يجتمع الوجوب التخييري مع الوجوب التعييني لصلاة الجمعة. الناس ما يقولون؟ انت اذا راجعت الی الطبيب، هذا الطبيب يقول هذا الذي تحسه وجع القلب، الطبيب الثاني يقول وجع معدة، و كل منهما يخطئ الآخر، انت تطلع من مركز العيادة مالتهما انت تقول لعل هناك قول ثالث، لو انا رحلت يم طبيب ثالث و يقول هذا وجع من الرئة أو وجع آخر لا من القلب و لا من المعدة، بعد انهما تكاذبا اي كل منهما يكذب الآخر، لعل كلاهما خاطئان. انت اذا شفت واحدا قاعدا بعيد عنك، سألت صاحبك من هو ذا؟ قال ما تعرفه؟ هذا آية الله زيد، صاحبك الثاني قال روح انت مشتبه هذا آية الله عمرو، و انت تحتمل انه لا آية الله زيد و لا آية الله عمرو بل شخص آخر هل تقول: لا، احد الخبرين حجة؟ من اين؟ نعم لو كان هناك خبران تحتمل صدقهما، شفت نفرين تسأل صاحبك هذا النفر الذي قاعد علی اليمين هذا من هو؟ قال هذا آية الله زيد، ذاك الثاني من هو؟ قال انا ما ادري، فالواحد ثقة قال ذاك الثاني الذي قاعد علی اليسار هذا آية الله عمرو و انت تعلم بان آية الله زيد و آية الله عمرو ضدان لا يجتمعان في مكان واحد الا يتعاركان، لا يجتمعان، فانت تعلم اتفاقا بخطأ احد الخبرين، نعم صحيح، هنا نقبل بانه حصل اتفاقا العلم بكذب احد الخبرين، ‌هنا لا دليل علی ان تقول بان كلي الخبرين خلاف الواقع، ‌لا. فرق بين التعارض بالذات و التعارض بالعرض.

المطلب الثاني الذي ذكره السيد الزنجاني قال: نحن في العمل بروايات الباب نعتمد علی نكتة عرفية ‌لا نعتمد علی صحيحة ‌رفاعة التي اعتمد عليها السيد الخوئي، نعتمد علی نكتة عرفية و هي ان الغالب في ذاك الزمان في الاسفار ان ينوي المسافر السفر من الليل و يطلع قبل الزوال، خب ذاك الوقت السفر كان يحتاج الی تهيئة المقدمات، تشوف فالرفقة ميصير تسافر وحدك بالطريق تضل تموت من العطش تموت من الجوع، اك حرامي بالطريق، فتكون عادة ناوي للسفر من الليل، هكذا كان الغالب في الاسفار في ذاك الزمان، و السفر من دون نية السفر من الليل كان امرا نادرا. كما ان السفر بعد الزوال كان امرا نادرا. ليش؟ لانهم كانوا يريدون يسافرون و يقطعون في المسافة معتد بها فيطلعون من بداية ‌الصبح الی قريب من الغروب لان السفر في الليل كان خطرا، ما كانوا يعاينون الطريق و لعل هناك قطاع الطريق بالليل يسرقون اموالهم، بالنهار يشوفون الضوء و يطلعون. المتعارف في السفر في ذاك الزمان السفر من بدايه النهار الی قريب من غروب الليل و لاجل ذلك سمي السفر في ذاك الزمان لثمانية فراسخ مسيرة يوم، ما قالوا مسيرة ليل.

فاذن صحيحة الحلبي التي سنذكر في الليلة القادمة انها قالت هي الوحيدة لاثبات التفصيل بين السفر قبل الزوال و السفر بعد الزوال بنظر السيد الزنجاني و اما بقية الروايات فالاستدلال بها علی هذا التفصيل لا يخلو عن اشكال. هذا ما سنحوّل بيانه الی الليلة القادمة. صحيحة الحلبي التي تفصل بين السفر قبل الزوال فيفطر و السفر بعد الزوال فيصوم. المتعارف في السفر قبل الزوال هو السفر مع تبييت النية من الليل. كما ان السفر بعد الزوال كذلك، من يسافر بعد الزوال و ان كان يرتكب امرا نادرا لاننا قلنا في ذاك الزمان كان المتعارف الشروع في السفر من بداية النهار لكن ذاك الذي قلنا اولا من انه كان متعارف ان يهيأ مقدمات السفر من الليل و لو كان يخرج من بلده بعد الزوال و لكن لا يخرج من بلده بعد الزوال فجأة بل يرتب امورا، ‌ينسّق امور الرفقة و الحملة من الليل، فاذن المتعارف في ذاك الزمان السفر مع تبييت النية من الليل فان سافر قبل الزوال فيفطر حيث يجتمع امران: السفر قبل الزوال و تبييت النية من الليل، و اذا سافر بعد الزوال فيصوم. و لا يوجب ذلك اخراج الفرد المتعارف، لو قلنا بانه لو اتفق ان سافر قبل الزوال أو بعد الزوال بدون تبييت النية نقول من سافر قبل الزوال بدون تبييت النية لا يكون مشمولا لصحيحة الحلبي نخرج هذا الفرد النادر عن صحيحة الحلبي، و هكذا بالنسبة الی موثقة ابن يقطين التي تفصل بين تبييت النية من الليل و عدم تبييت النية من الليل. المتعارف هو الشروع في السفلر قبل الزوال في ذاك الزمان، نحمل التفصيل بين تبييت النية و عدمه علی ما هو المتعارف في ذاك الزمان من كون المقسم هو الخروج في السفر قبل الزوال. و اما من سافر بعد الزوال من دون تبييت النية من الليل فيبقی تحت اطلاق قوله و من سافر بعد الزوال فليصم، لان حل التعارض بين الروايتين رواية ‌تفصل بين السفر قبل الزوال و انه يفطر و بين ما لو يسافر بعد الزوال فيصوم و رواية تفصل بين تبييت النية من الليل فيفطر و من لا يبيّت النية ‌من الليل فيصوم، الاخذ بهذين العنوانين تبييت النية و السفر قبل الزوال، مع ابقاء الفرد المتعارف تحتهما لا يمكن الا بان نقول اذا اجتمع السفر قبل الزوال مع تبييت النية ‌من الليل هذا يفطر و هذا هو المتعارف في ذاك الزمان، و اما لو لم نحمل قوله في الرواية الاولی من سافر قبل الزوال فليفطر علی هذا الفرض المتعارف و هو تبييت النية من الليل بل قلنا بانه مطلقا يفطر سواء مع تبييت النية أو لا فهذا يعني حمل قوله اذا بيّت النية ‌فليفطر علی كون سفره بعد الزوال تلك الرواية الثانية التي فصلت بين تبييت النية من الليل فيفطر و اذا لم يبيّت النية من الليل فيصوم لو اخذنا باطلاق من سافر قبل الزوال فليفطر قلنا سواء مع تبييت النية ‌ام لا كما عليه المشهور فهذا يعني ان نحمل الرواية الثانية التي تقول بان من لم يبيّت النية فليصم و من بيّت النية فليفطر علی السفر بعد الزوال و السفر بعد الزوال امر نادر خلاف المتعارف. فالحمل علی المتعارف في الجمع بين هاتين الروايتين يقتضي ان نقول اذا سافر قبل الزوال مع تبييت النية من الليل هذا يفطر. فعملنا بما دل علی ان السفر قبل الزوال يوجب الافطار في فرضه المتعارف و انما اخرجنا عنه فرضا غير متعارف و هو ما لو سافر قبل الزوال بدون تبييت النية من الليل لاننا قلنا في ذاك الزمان لم يكن الناس عادة يسافرون بدون تبييت النية من الليل هذ امر نادر كان. كما ابقينا الفرض المتعارف في الرواية الثانية، من بيّت النية من الليل فليفطر هذا عادة حسب المتعارف كان يسافر قبل الزوال لان السفر بعد الزوال ايضا كان غير متعارف، ‌لانه يريد يقطع مسافة معتد بها، فلماذا لا يشرع في السفر قبل الزوال؟ يؤخر السفر الی ما بعد الزوال فلا بد ان يستمر في السفر في جزء من الليل و الليل مظلم و يكون فيه خوفا من اين يضل أو يهجم عليه قطاع الطريق.

هذا محصل ما ذكره السيد الزنجاني و حاصل كلامه اننا نقبل هذا التفصيل الذي اختاره السيد الخوئي و نقول بان شرط الافطار اجتماع الامرين:‌ كون السفر قبل الزوال مع تبييت النية من الليل لا اعتمادا علی صحيحة رفاعة حيث يأتي الاشكال فيها بل لاجل ان هذا التفصيل اي القول بانه اذا اجتمع امران السفر قبل الزوال و تبييت النية من الليل فهذا يوجب افطار الصوم و اما اذا سافر بعد الزوال أو سافر قبل الزوال بدون تبييت النية من الليل فيصوم هذا يبقي كلتي الروايتين تحت الفرض المتعارف فيهما بدون هذا القول نفقد في احدی ‌الروايتين الفرض المتعارف، نخرج الفرض المتعارف و هذا غير صحيح.

هل هذا البيان صحيح ام لا؟ تاملوا فيه. نعم ما ذكره السيد الزنجاني من ان ما ادعاه السيد الخوئي من انه حتی لو لم يكن لدينا صحيحة رفاعة كنا نقول بان من سافر قبل الزوال مع عدم تبييت النية من الليل يصوم و اذا كان مع تبييت النية يفطر لاجل اننا نقول بذلك و لو لم يكن لدينا صحيحة رفاعة لاننا لو لم نقل به فلا بد ان نقول بان من سافر بعد الزوال مع تبييت النية ‌من الليل هذا يفطر ما لم يقل به احد، ‌يقول السيد الزنجاني كيف لم يقل به احد؟ أليس صاحب الوسائل يقول به؟ يا سيدنا الخوئي اشلون تدعي انك لو لم تقل بان من سافر قبل الزوال ففيه تفصيل بين من بيّت النية للسفر من الليل فيفطر و من لا يبيت النية فيصوم، تقول لو اقول بهذا التفصيل احتفاظا علی كلتي الروايتين يجب ان اقول بان السفر قبل الزوال يوجب الافطار مطلقا حيث لم اقول بذاك التفصيل بين تبييت النية ‌و عدمه فلا بد ان نقول بالتفصيل بين تبييت النية ‌و عدمه للسفر بعد الزوال و هذا لم يقل به احد، ‌يقول السيد الزنجاني أليس صاحب الوسائل قائلا بهذا التفصيل؟

انا بس اذكر ملاحظتي علی هذا المطلب الاخير للسيد الزنجاني اقول صاحب الوسائل قال بكفاية ‌احد السببين إما السفر قبل الزوال أو تبييت النية و لعل السيد الخوئي لم يقل به احد من القدماء و الا صاحب الوسائل كجمع عرفي حمل الروايتين علی التخيير علی الجمع الأوي يعني اكتفی باحد الامرين إما السفر قبل الزوال أو تبييت النية. نعم صاحب الوسائل يقول بان السفر بعد الزوال مع تبييت النية ‌من الليل يوجب الافطار كما ان السفر قبل الزوال يوجب الافطار. و لكن لعل السيد الخوئي يقول لم يقل به احد يعني قبل صاحب الوسائل يعني من القدماء لم يقل به احد. لكن مشكلة هذا الكلام ان هنا الاجماع المركب ما يفيد بعد تشتت الاقوال، ‌يجي واحد يبدع رأيا جديدا لم يقل به احد من القدماء بعد ان لم يكن الاجماع بسيطا، الاجماع مركب، و الاجماع المركب يجوز فيه احداث قول جديد كما قرأناه في كتاب المعالم.

و بقية الكلام في الليالي القادمة ان‌شاءالله.