بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

46/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: صوم النذر و المندوب في السفر/ الشرط الخامس: ان لا يكون مسافرا / شرائط صحة الصوم

صوم النذر في السفر

كان الكلام في استثناءات عدم مشروعية الصوم الواجب في السفر فوصلنا الی المورد الثالث الذي استثني من عدم مشروعية الصوم في السفر و هو صوم النذر، اذا نذر ان يصوم في السفر أو نذر ان يصوم إما في السفر أو في الحضر فانه يشرع صومه في السفر. نعم من نذر صوما مطلقا بدون ان يقيده بالسفر أو يصرح باطلاقه للسفر لا يجوز له ان يصوم في السفر.

صحيحة ابن مهزيار

هذا الحكم متسالم عليه بين الاصحاب عدا ان المحقق في الشرائع توقف في ذلك و ذلك لما يری من ضعف مستند هذا الحكم. مستند هذا الحكم ما رواه ابن مهزيار قال كتب بندار مولی‌ ادريس يا سيدي نذرت ان اصوم كل يوم سبت فانا ان لم اصمه ما يلزمني من الكفارة فكتب اليه و قرأته، ‌ابن مهزيار يقول و قرأت خط الامام عليه السلام، ‌لا تتركه الا من علة و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض الا ان تكون نويت ذلك و ان كنت افطرت من غير علة فتصدق بعدد كل يوم علی سبعة مساكين نسأل الله التوفيق لما يحب و يرضی. الرواية واضحة الدلالة علی ان من نوی ان يصوم في السفر صوما مندوبا فعليه ان يصوم.

الجواب عن الشبهة في السند

ان كان اشكال المحقق الحلي في سند هذه الرواية من اجل ان بندار مجهول الحال فليس بمهم، ‌المهم ان ابن مهزيار يقول فكتب اليه و قرأته.

ان كان اشكاله بلحاظ انه لم يذكر اسم الامام عليه السلام فجوابه واضح، ابن مهزيار هل ينقل عن بندار انه كتب الی غير الامام ثم يقول ابن مهزيار فكتب غير الامام و قرأته و لا يذكر ان المسؤول ليس هو الامام؟ هذا خلاف الظاهر جدا خصوصا مع جلالة ابن مهزيار الذي لم يسمع منه انه روی من غير الامام عليه السلام.

و اما الوسيط بيننا و بين ابن مهزيار فهو احمد بن محمد بن عيسی الاشعري و عبدالله بن محمد بن عيسی الاشعري، اخوه، عن ابن مهزيار. كما ان الكليني روی عن ابي علی الاشعري عن محمد بن عبدالجبار عن علی بن مهزيار، و كلهم ثقات.

الخللين في الرواية

نعم يوجد هنا اشكال دلالي و هو ان هذا المضمون الذي ذكر في الرواية يوجد فيه خللان:

الخلل الاول ان المذكور في هذه الرواية لا تصمه في سفر أو مرض الا ان تكون نويت ذلك، و القدر المتيقن رجوع الاستثناء الی المورد الاخير و هو المرض فهل يلتزم ان من نذر ان يصوم سواء في حال الصحة أو في حال المرض فيصح صومه لو صام في حال المرض و يجب عليه ذلك؟ لم يلتزم به احد، فهذا المضمون مهجور عند الاصحاب.

الخلل الثاني:‌ ذكر في ذيل الرواية ان كفارة حنث النذر التصدق علی سبعة مساكين، ‌هذ امر غريب لان كفارة حنث الذر ان كانت هي كفارة افطار شهر رمضان فهي كفارة اطعام ستين مسكينا و ان كانت كفارة ‌اليمين فهي اطعام عشرة مساكين، فلا مجال للتصدق علی سبعة مساكين.

الجواب عن الخلل الاول

يجاب عن الخلل الاول فيقال كما ذكر السيد الخوئي بانه لا مانع من الالتزام بان من نذر ان يصوم و لو كان مريضا يجب عليه ان يفي بنذره و يصوم و لو كان الصوم مضرا بحاله الا اذا كان الضرر شديدا لا يجوز تحمله و ليس كل ضرر بدني مما يحرم تحمله، ‌لا دليل علی حرمة الاضرار بالنفس مطلقا، ‌الحرام هو الاضرار البليغ الواصل الی حد هلاك النفس عرفا. لا، افرض هذا يحس بوجع في معدته فاذا صام اشوي اشتد وجعه، يبلغ حباية الی شهر الی شهرين يبرأ من مرضه، هذا مو حرام. ‌نعم دل الدليل علی عدم صحة الصوم من المريض لكن كل دليل عام يمكن ان يرد عليه المخصص فلا مانع من الالتزام بمضمون هذه الرواية الا اذا تم الاجماع علی خلافه. و السيد الخوئي يقول لا يبعد تحقق الاجماع علی عدم مشروعية صوم المريض حتی لو نذر ان يصوم في حال مرضه فلاجل الاجماع نرفع اليد عن مضمون هذه الرواية و نحمل الا ان تكون نويت ذلك علی عوده الی ما قبل الاخير. و لا تصمه في سفر أو مرض الا ان تكون نويت ذلك يعني الا ان تكون نويت ان تصوم في سفر.

ما ذكره السيد الخوئي كلام متين.

الجوابان عن الخلل الثاني

اما الخلل الثاني و هو ان المذكور في هذه الرواية ان كفارة ‌النذر التصدق علی سبعة مساكين فيقال في الجواب:

اولا: افرض هذا الذيل مقطوع البطلان، لا يوجب ذلك ان نرفع اليد عن صدر الرواية الصحيحة.

ثانيا: نقل في المقنع عشرة مساكين. هكذا في المقنع، يقول يتصدق علی عشرة مساكين. فإما ان نقول "سبعة" تصحيف عشرة أو ان نرفع اليد عن هذا الذيل للعلم ببطلانه لكن لا يوجب ذلك العلم بخلل في الصدر.

فاذن لا بأس بان نلتزم بمضمون هذه الصحيحة و بذلك نصحح نذر الصوم في السفر مع نية ان يصوم في السفر إما بالخصوص أو يقول سواء كنت في حضر أو سفر دون ما اذا اطلق ذلك فانه لا يصح ان يصوم في السفر لا بد ان يصرح و لو في نفسه ينوي في نفسه ان يصوم و لو في سفر.

النذر فی نفس السفر

و يمكنه ان ينذر ذلك و لو في نفس سفره هو سافر الی مشهد يريد يصوم باچر، يقول لله علیّ ان اصوم غدا في سفري هذا، باچر يصوم، نعم في نفس النهار قبل زوال الشمس يقول ليش ما انا مو صائم اليوم، اصدقائي كلهم صائمون فلله علیّ ان اصوم هذا اليوم في سفري، ميفيد، لان الرواية ‌تختص بما لو كان النذر سابقا علی نهار ذلك اليوم.

ان قلت: أما سمعنا ان النذر ليس مشرعا، لا بد ان يثبت رجحان متعلق النذر في رتبة سابقة، الصوم المندوب في السفر ليس راجحا فكيف يكون النذر سببا لرجحانه؟ هذا خلاف ما يقول الاعلام بان النذر ليس من اسباب رجحان الفعل بل لابد من ثبوت رجحان الفعل في الرتبة ‌السابقة.

نقول مقصودهم من ذلك ان دليل وجوب الوفاء بالنذر لا يمكن ان يثبت رجحان متعلقه اما لو دل دليل آخر علی رجحان متعلق النذر فاي مانع من ذلك. كما في نذر الاحرام قبل الميقات أو نذر الصوم في السفر. نحن لا نتمسك بدليل وجوب الوفاء بالنذر لاثبات رجحان هذا النذر، هذا دوري لان موضوع وجوب الوفاء بالنذر هو ما لو كان النذر راجحا فلا يمكن ان نثبت بهذا الخطاب موضوعه و هو رجحان متعلق النذر. فيكون مثل ما لو نريد ان نثبت بدليل وجوب اكرام العالم كون زيد عالما، ‌وجوب اكرام العالم انما يشمل زيدا لو كان عالما فيتوقف شموله بالنسبة ‌الي زيد ان يثبت كونه عالما في رتبة سابقة فلا يمكن ان نثبت كونه عالما بنفس هذا الخطاب، هذا صحيح، و الامر هنا كذلك، لكن لو دل دليل آخر علی رجحان متعلق النذر في المقام كفی.

بل كما ذكر السيد الخوئي انه قد لا توجد حاجة الی دليل خاص، قد يكون وجوب الوفاء بالنذر رافعا تكوينا للمانع من الرجحان.

‌يوجد هناك مانع من الرجحان، يقول الاب اذا انت تصوم صوم مستحب فانا اتأذی شفقة عليك، انما لا اتأذی اذا صمت صوما واجبا باي نحو كان، اما تصوم صوم مستحب انا اتأذی شفقة عليك، فيصير الصوم مرجوحا، انا ماذا اصنع، المؤمن يحتال، ‌يقول لله علیّ ان اصوم غدا، وجوب الوفاء بالنذر اذا شمل نذري فيكون صومي غدا من الصوم الواجب الذي قال لي ابي انا لا اتأذی اذا تصوم صوم واجب، انما اتأذی اذا صمت صوما مستحبا. دليل وجوب الوفاء بالنذر بشموله لهذا النذر يرفع موضوع حرمة عقوق الوالدين لان ايذاء الوالدين اذا كان لشفقتهما علی الولد حرام، ابوك يتأذی تصوم صوم مستحب شفقة عليك، فاذا تؤذيه و تصوم صوم مستحب هو يتأذی‌ و يصير حراما، لكن اذا كان صومك صوم واجب و لو بالنذر هو ما يتأذی‌. فيكون دليل وجوب الوفاء‌ بالنذر واردا علی حرمة مخالفة الوالدين بايذاءهما اذا تأذيا شفقة علی الولد.

فاذن هذا المورد الثالث لاستثناء عدم مشروعية الصوم في السفر تام و لا بأس به و لكنه كما ذكرنا خاص بالنذر لا يأتي في اليمين و لا في العهد.

الصوم المندوب في السفر

اما الصوم المندوب، نسب الی المشهور انهم قالوا بمشروعية صوم المندوب في السفر مطلقا بلا حاجة الی النذر. و قد عقد صاحب الوسائل بابا خاصا اكّد فيه ان الصوم المندوب في السفر مشروعا، باب جواز الصوم المندوب في السفر علی كراهة. المقصود من الكراهة اقلية الثواب. و نسب ذلك الی الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي.

صحيحة سليمان الجعفري

نحن نقرأ اولا ادلة هؤلاء الاعلام علی استحباب الصوم المندوب في السفر ثم نقرأ روايات مخالفة لها. اهم رواية قد يستدل بها علی مدعی‌ هؤلاء الاعلام صحيحة سليمان الجعفري، لماذا اقول صحيحة، لان الشيخ رواها باسناده عن حسين بن سعيد عن سليمان الجعفري و سند الشيخ الطوسي الی الحسين بن سعيد صحيح كما ان سليمان الجعفري ثقة كما في رجال النجاشي و رجال الشيخ الطوسي. قال سمعت ابا الحسن عليه السلام يقول كان ابي يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف و يأمر بظل مرتفع فيضرب له.

لعل المراد منه الامام الهادي عليه السلام، ‌الامام الهادي قال كان ابي الامام الجواد يصوم يوم عرفة، يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف الامام كان مسافرا بعد مع ذلك كان يصوم.

فهذه الرواية صحيحة سندا كما يستدل بها علی ان الصوم المندوب في السفر مشروع لان الامام لو رأي ان الصوم المندوب في السفر لا يصح الا بالنذر كان ينبغي ان يشير الی ان ابي كان يصوم بالنذر حتی لا يشتبه الامر علی المخاطب.

و يؤيد هذه الرواية روايتان ضعيفتان سندا، احدهما اسماعيل بن سهل عن رجل عن ابي عبدالله عليه السلام خرج ابوعبدالله عليه السلام من المدينة في ايام بقين من شعبان فكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فافطر فقيل له تصوم شعبان و تفطر شهر رمضان قال نعم شعبان الیّ ان شئت صمت و ان شئت لا و شهر رمضان عزم من الله عز و جل علیّ الافطار. الله سبحانه و تعالي اوجب عليه الافطار في شهر رمضان، اما شعبان صومه مستحب الامر بيدي ان شئت صمت و ان شئت لم اصم. فهي واضحة الدلالة ‌علي مشروعية صوم المندوب في السفر.

الرواية ‌الثانية مرسلة للحسن بن بسام الجمال عن رجل و مضمون هذه المرسلة نفس مضمون الرواية السابقة حيث ينقل عن الامام جعلت فداك امس كان من شعبان و انت صائم و اليوم من شهر رمضان و انت مفطر قال ان ذلك تطوع و لنا ان نفعل ما شئنا و هذا فرض فليس لنا ان نفعل الا ما امرنا.

ماذا نصنع رواية صحيحة و روايتان ضعيفتان مؤيدتان لتلك الرواية الصحيحة فهل نلتزم بما التزم به المشهور من مشروعية صوم المندوب في السفر و لو من دون نذر ام لا. هذا بحث لابد من تحقيقه في الليالي القادمة ان‌شاءالله و الفتوا نظركم الی ان ما ذكرنا من مشروعية صوم النذر في السفر خاص بالصوم المندوب كما أكّدت سابقا و لا يشتبه علی من يريد ان يصوم صوم قضاء فينذر في السفر ان يصوم صوم قضاء هذا ليس صحيحا ابدا.