بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

46/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط الخامس: ان لا يكون مسافرا / شرائط صحة الصوم/

 

الشرط الخامس لصحة الصوم ان لا يكون مسافرا

الشرط الخامس لصحة الصوم ان لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة مع العلم بالحكم في الصوم الواجب.

طبعا شرط صحة الصوم ان لا يكون الصائم مسافرا سفرا شرعيا.

ما هو السفر الشرعي؟ السفر الذي يوجب القصر في الصلاة فاذا وجب القصر في الصلاة فبمقتضی الروايات الصحيحة كلما قصرت افطرت، اك ملازمة بين وجوب التقصير و وجوب الافطار. و لاجل ذلك ذكر صاحب العروة ان شرط صحة الصوم ان لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة.

الا في ثلاثة مواضع، اك ثلاث مورد الصوم فيه واجب لكن يصح في السفر:

المورد الاول من لم يكن له هدي في حج تمتعه فوجب عليه صوم عشرة ايام، فيجوز له ان يصوم ثلاثة ايام منه في السفر.

المورد الثاني صوم الكفارة لمن افاض من عرفات قبل الغروب عمدا و هو صوم ثمانية عشر يوما.

المورد الثالث الصوم المستحب مع النذر إما بان ينذر ان يصوم في السفر صوما مندوبا أو يقول اصوم هذا الصوم المندوب سواء في السفر أو في الحضر.

کلام السيد الخوئي في التمسک بالآية الکريمة لاثبات عدم مشروعية الصوم في السفر

قبل ان ادخل في تفاصيل هذه المسائل ننقل كلام السيد الخوئي حيث قال يكفينا في عدم مشروعية الصوم في السفر في شهر رمضان الآية الكريمة: يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علی الذين من قبلكم لعلكم تتقون اياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو علی سفر فعدة من ايام أخر و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له و ان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون شهر رمضان الذين انزل فيه القرآن هدي للناس و بينات من الهدي و الفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه و من كان مريضا أو علی سفر فعدة من ايام أخر يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة ‌و لتكبروا الله علی ما هداكم و لعلكم تشكرون. السيد الخوئي قال هذه الآية قسّم المكلفين الی ثلاث طوائف: الطائفة الاولی الحاضرين في بلدهم فهم مأمورون بالصيام. الطائفة الثانية المرضی و المسافرون مأمورون بقضاء الصوم، و من كان مريضا أو علی سفر فعدة من ايام أخر ظاهر في الوجوب التعييني، يجب علی المرضی و المسافرين قضاء الصوم لا اداءه في شهر رمضان.

اقول بين الهلالين:‌ لا ينافي ذلك ما ورد في القرآن الكريم في هذه الآية يريد بكم اليسر، ‌لا يقول احد: هذه الآية حيث اقترنت بهذه الجملة يريد الله بكم اليسر فلا يستفاد منها اكثر من الامتنان بنفي الوجوب، لا، ارادة الله سبحانه و تعالی اليسر بالعباد حكمة لان يوجب علی المرضی و المسافرين قضاء الصوم بدل اداءه.

الطائفة الثالثة الشيخ و الشيخة و نحوهما ممن لا يطيق الصوم الا بمشقة عظيمة أو حرج شديد. يقول السيد الخوئي وظيفتهم اعطاء فدية لكل يوم ثلاثة ارباع كيلو من الحنطة أو الشعير و نحو ذلك فلو صاموا لم يصح صومهم. هذا الرأي للسيد الخوئي خلاف المشهور، المشهور يقولون بان الشيخ الكبير لا يضر الصوم بصحته يمكنه ان يتحمل الحرج و يصوم، ‌الله يقبل منا، و لا يجب عليه الفدية، السيد الخوئي يقول: لا تصوم، انا ايضا ما صمت انا شيخ كبير، السيد الخوئي قال انا من الزمان الذي شخصّت اني صائر شيخا كبيرا ابدا ما صمت و لا يوم واحد، ‌ليش؟ لانه اصلا مو مشروع، الصوم من الشيخ الكبير مو مشروع، لا مستحب. و وظيفته ماذا؟ اعطاء الفدية لكل يوم ثلاثة ارباع كيلو من الحنطة أو الشعير و نحو ذلك. بينما ان المشهور قالوا بان ذيل هذه الآية تقول و ان تصوموا خير لكم. يقول السيد الخوئي تستفيدون من هذه الجملة ان الصوم مستحب في حق الشيخ الكبير؟ ‌لا، شوفوا!‌ بدّل ضمير الغائب الی ضمير الخطاب، و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ثم عدل الی مخاطبة الناس و ان تصوموا خير لكم ما قال و ان يصوموا خير لهم، ‌هم عليهم فدية، و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، خلوهم علی كتب و اما انتم ان تصوموا خير لكم، ايها الجماعة الذين ليسوا شيخا كبيرا و لا مرضی و لا مسافرين هم اذا صاموا يكن خيرا لهم. يعني صومكم لا يرجع نفعه الی الله سبحانه و تعالی يرجع نفعه اليكم، الله لا يستفد من صومكم شيء، انتم تستفيدون من صومكم.

الان ليس كلامنا في من لا يطيق الصوم كالشيخ الكبير هل صومه مشروع فان صام من دون ان يتضرر و انما وقع في الحرج هل صومه صحيح و لا يجب عليه الفدية أو كما يقول السيد الخوئي صومه باطل و يجب عليه الفدية، هذا بحث نحوّله الی المستقبل، كلامنا الان في ان المستفاد من هذه الآية الكريمة ان صوم المرضی و المسافرين في شهر رمضان ليس صحيحا، هذا كلام صحيح.

الاستدلال بالروايات

و ان شككتم في دلالة الآية علی العزيمة و قلتم بان اقتران الآية بقوله تعالی يريد الله بكم اليسر قد يمنع من ظهور هذه الآية في بيان حكم الزامي و قد يكون رفع وجوب الصوم عن المرضی و المسافرين من باب الرخصة لانه يوجب التسهيل عليهم مع اننا قلنا بان هذا الذيل حكمة و لكن لو بقي الشك في نفوس بعض الناس فنرجع الی الروايات التي لا شك في دلالتها علی بطلان الصوم في السفر، الصوم في السفر معصية، هكذا وردت في موثقة عمار. روايات كثيرة تدل علی ان الصوم في السفر ليس مشروعا.

قد ينسب الی الشيخ المفيد ان عدم مشروعية الصوم في السفر خاص بشهر رمضان و الصوم الواجب غير صوم شهر رمضان مشروع في حق المسافر.

انا لم اجد كلاما من الشيخ المفيد يدل علی ذلك. هو بالنسبة الی صوم الكفارة قال يصح صوم الكفارة من المسافر، في المقنع صفحة 350 يقول لا يجوز لاحد ان يصوم في السفر تطوعا و لا فرضا الا صوم ثلاثة ايام بدل الهدي و من كانت عليه كفارة يخرج عنها بالصيام يعني من كان عليه كفارة الصوم يجوز له ان يصوم في السفر، ‌شنو علاقة ببيان ان الصوم الواجب مطلقا مشروع في السفر؟

فاذن الصوم في السفر ليس بمشروع اذا كان الصوم واجبا و اما الصوم المندوب في السفر فقد ذهب جماعة الی استحبابه مطلقا و لو بدون نذر كما سيأتي بيانه.

الاستثنائات عن بطلان الصوم الواجب في السفر

الان نتكلم عن الاستثنائات عن بطلان الصوم الواجب في السفر.

الاول: الصوم بدل الهدي

الاستثناء الاول الصوم بدل الهدي. يدل عليه القرآن الكريم: فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة، و كثير من الناس في الحج يقصرون في صلاتهم لانهم مسافرون. مضافا الی صراحة بعض الروايات بان صوم ثلاثة ايام يصح ان يوقعه المكلف في السفر، ثلاثة ايام من صوم عشرة ايام بدل الهدي. في رواية رفاعة سألت اباعبدالله عليه السلام عن المتمتع لا يجد الهدي قال يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة قلت فانه قدم يوم التروية قال يصوم ثلاثة ايام بعد التشريق قلت يصوم و هو مسافر قال نعم. فاذن لا كلام في هذا المورد.

الثاني الافاضة من عرفات قبل الغروب متعمدا

المورد الثاني من افاض من عرفات قبل الغروب متعمدا يجب عليه نحر بدنة اولا.

فالسنة رحنا عرفة في اليوم الثاني احتياطا فكنا خائفين فقلنا للسائق اطلع من عرفة نخاف من الشرطة ذاك الوقت فالواحد من اصدقائنا الله يحفظه سألني قال شنو كفارة الافاضة من عرفة قبل الغروب؟ قلت له كفارة بدنة قال ارجعوا كفارة بدنة انا ما اتحمل فرجعنا و ظلينا الی الغروب، كل شيء ما صار، كنا خائفين حتی لو كنا نطلع لم يكن علينا كفارة.

علی اي حال، من افاض من عرفات قبل الغروب متعمدا فعليه بدنة فالواحد يقول انا اما املك بدنة، ما املك ثمن البدنة من وين اجيء عشرين مليون اشتري بعيرا و انحر، فان في صحيحة ضريس الكناسي سألته عن رجل افاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس قال عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله.

النقاش الدلالي في الروايات و الجواب عنه

اشكلوا جماعة قالوا هذا مورده الناوي لاقامة عشرة ايام، صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله لعله في مكة نوی اقامة عشرة ايام، لعله في الطريق ذاك الوقت كانوا يرجعون من مكة الی بلدهم و في الطريق يظلون اشهر يتعبون قد يصلون الی مكان ينوون اقامة عشرة ايام، فيقال بان هذه الصحيحة ليست صريحة في جواز هذا الصوم للمسافر الذي لم ينو اقامة عشرة ايام.

نقول في الجواب:

اولا: هذا خلاف المتعارف، هذا يوجب حمل الصحيحة علی المورد النادر. المسافر الذي ينوي اقامة عشرة ايام بالطريق هذا مورد نادر، فتكون الصحيحة كالنص في مشروعية هذا الصوم في حق المسافر الذي لا ينوي اقامة عشرة ايام.

ثانيا: حتی لو كانت الصحيحة مطلقة يقول السيد الخوئي (حسب ما فهمت من كلامه) ان هذه الصحيحة ‌اخص مطلقا مما دل علی انه لا يشرع الصوم في السفر، ان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق يعني في السفر، ‌ما دل علی ان الصوم في السفر معصية اعم مطلقا من هذه الصحيحة. هذه الصحيحة تقول هذا الصوم في السفر مشروع، اطلاق الدليل الخاص ألا يقدم علی عموم العام؟ اكرم كل عالم، ورد خطاب خاص: لا تكرم العالم الفاسق، اطلاق هذا الخاص يشمل العالم الفاسق غير المتجاهر بفسقه و لكن اطلاق الخاص يقدم علی عموم العام، الخاص يقدم علی العام و لو في اطلاقه. هذه الصحيحة تقول صوم كفارة الافاضة من عرفات في السفر مشروع هذا اطلاقه يشمل السفر الذي لا ينوي فيه اقامة عشرة ايام، اطلاق الدليل الخاص يقدم علی عموم الدليل العام الذي يقول لا يشرع الصوم في السفر.

انا عندي ملاحظة علی هذا الكلام انا اقول: ألا ينصرف ما دل علی عدم صحة الصوم في السفر الی السفر الذي يوجب التقصير في الصلاة؟ هل يكون اطلاقه شاملا للسفر الذي ينوي فيه اقامة عشرة ايام؟ يعني لو كنا نحن و ما دل علی انه لا يصام في السفر لكنا نلتزم باطلاقه لمن نوی اقامة عشرة ايام في بلد؟

لعل السيد الخوئي يقول نعم كما قال في بحث صلاة الجمعة حيث ورد في الرواية ‌انه لا جمعة علی المسافر قال هذا مطلق يشمل المسافر الناوي اقامة عشرة ايام، من يصدق عليه المسافر و لو نوی اقامة عشرة ايام لا يجب عليه الحضور في صلاة الجمعة مع ان السيد الخوئي يحتاط وجوبا في الحضور في صلاة الجمعة اذا اقيمت في البلد بشرائطها و لكنه قال استثني من ذلك من كان مسافرا و لو نوی اقامة عشرة ايام، ‌هذا مسافر، لا يجب عليه الحضور في صلاة الجمعة.

لكنه علی خلاف عمله، الله يرحمه من يجيء ايران راح مشهد ابوه رحمة الله عليه سيد علی الخوئي كان في مشهد فنوی اقامة مدة اكثر من عشرة ايام و كان يری وجوب الحضور في صلاة الجمعة عند اقامتها فسمع في اثناء الاسبوع ان المرحوم سيد يونس الاردبيلي يقيم صلاة الجمعة أو غيره كان معروفا بالشيخ غلامحسين كان يقيم صلاة الجمعة، السيد الخوئي في اثناء الاسبوع قال شتسوي؟ نكون نحضر صلاة الجمعة في يوم الجمعة، ينسی، في اثناء الاسبوع الثاني يقول نروح صلاة الجمعة ايضا في الاسبوع الثاني كان ينسی تاليها نسي ان يحضر صلاة الجمعة الی آخر اليوم الذي كان في مشهد مع انه رحمه الله لو كان ملتفتا الی هذا الذي قاله بعد ذلك من انه لا تجب الجمعة علی المسافر مطلقا و لو نوی اقامة عشرة ايام ارتاح.

لكن الانصاف انه لا ينعقد اطلاق في هذه الادلة التي تستثني المسافر بالنسبة الی من نوی اقامة عشرة ايام. الصوم في السفر معصية أو كل ما دل علی انه لا يصام في السفر أليس منصرفا الی سفر لا يكون بحكم الحضر، السفر الذي تنوي فيه اقامة عشرة ايام و يجب عليك التمام ألا ينصرف عنه هذا الحديث الذي يقول الصوم في السفر معصية أو لا تصم في السفر؟ انصافا يكون منصرفا عنه.

فاذن لو قبلنا اطلاق صحيحة ضريس و لم نقل بكونها كالنص في المسافر الذي لا ينوي اقامة عشرة ‌ايام فتكون النسبة بين هذه الصحيحة و بين ما دل علی عدم مشروعية الصوم في السفر عموم و خصوص من وجه لان ما دل علی انه لا يصام في السفر لا يشمل السفر الذي ينوي فيه اقامة عشرة ايام، بينما ان صحيحة ضريس تشمل السفر الذي ينوي فيه اقامة عشرة ايام، فاطلاقهما بالنسبة الی السفر الذي لا ينوي فيه اقامة عشرة ايام يكونان متعارضين بالعموم و الخصوص من وجه. و لكن المهم ما ذكرناه من انه حيث ان المتعارف في السفر السفر الذي لا ينوي اقامة عشرة ايام يصوم ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق، ‌اشگد يبقی في الطريق عشرة ايام مع نية الاقامة؟ هذا امر نادر، و مع غمض العين عن ذلك قد يقال بانه بعد كون النسبة بينهما عموم و خصوص من وجه فيتعارضان و يتساقطان فيرجع الی البراءة عن مانعية السفر في صحة هذا الصوم، انا يجب علیّ اذا افضت من عرفات قبل الغروب متعمدا يجب علیّ اذا لم اقدر علی نحر بدنة يجب علی صوم ثمانية عشر يوما فلا ادري هل هذا الصوم مشروط بعدم السفر ام لا، تجري البراءة عن هذه الشرطية لانه ليس هناك مرجح لما دل علی ان الصوم في السفر غير مشروع بعد كون التعارض بين تلك الادلة و بين هذه الصحيحة بالعموم من وجه. و لكن المهم ما ذكرناه من ان حمل هذه الصحيحة علی السفر مع نية اقامة عشرة ايام حمل علی الفرد النادر فتكون الصحيحة كالنص في السفر الذي لا ينوي اقامة عشرة ايام.

يقع الكلام في المورد الثالث و هو صوم النذر لا صوم اليمين لا صوم العهد، ‌صوم النذر قلت لله علیّ ان اصوم في السفر، أو لله علیّ ان اصوم سواء في الحضر أو السفر، المشهور قالوا بان حينئذ يكون صومه في السفر صحيحا لكنه خاص بالصوم المندوب لا صوم القضاء و لو عن غيرك، ‌لا، صوم مندوب.

ما هو مستند هذا الحكم الذي التزم به المشهور و خالف فيه بعض الفقهاء نتكلم عن ذلك في الليلة القادمة ان‌شاءالله.