46/03/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الاسلام و الايمان/ شرائط صحة الصوم/
كان الكلام في الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم علی بطلان عبادة المخالفين حيث ورد فيها سمعت اباجعفر عليه السلام يقول كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه أو يجهد فيها نفسه و لا امام له من الله فسعيه غير مقبول و هو ضال متحير و الله شانئ لاعماله و مثله كمثل شاة ضلت عن راعيها و قطيعها فهجمت ذاهبة و جائیة فلما جنّها الليل بصرت بقطيع مع غیر راعيها فحنّت الیها و اغترّت بها و باتت معها فی مربضها فلما ان ساق الراعي قطيعة انكرت راعیها قطعيها فهجمت متحيرة تطلب راعيها و قطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت اليها و اغترت بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك و قطيعك فانت تائهة متحيرة عن راعيك و قطيعك فهجمت ذعرة متحیرة نادة لا راعي لها یرشدها الی مرعاها او یردها فبينا هي كذلك اذا اغتنم الذئب ضیعتها فأكلها و كذلك و الله يا محمد من اصبح من هذه الامة لا امام له من الله ظاهر عادل اصبح ضالا تائها.
قلت لكم التقييد بالامام الظاهر لا يظهر منه الاحتراز عن الامام الغائب حتی يقال بانه لا يمكن الالتزام بكوننا من اهل الضلال لانه ليس لنا امام ظاهر بل لنا امام غائب، لا، العرف يفهم منه انه في قبال امام الذي كان جمع من الشيعة منحرفين يقولون به من ان الامام المتوفی هو الامام و لا امام حي لنا من الله، كالواقفة و لعل الزيدية ايضا هم كذلك.
و ان مات علی هذه الحالة مات ميتة كفر و نفاق. المراد من الكفر الكفر في قبال الايمان لا الكفر في قبال الاسلام حتی يقال بان هذا المضمون خلاف ما دل علی ان المخالف مسلم، ميخالف، مسلم و ليس بكافر في قبال مسلم و لكنه كافر في قبال المؤمن. مضافا الی انه مسلم في الدنيا لكن بعد ان يموت هل يموت مسلما و لاجل ذلك قد يقال بانه مسلم في الدنيا و كافر في الآخرة كما لعله ورد هذا التعبير في كلمات السيد الخوئي. فليس المراد من الكفر ما يقابل الاسلام في الدنيا حتی يقال بانه قطعا لا يصح ان نقول بان المخالف ليس بمسلم، لا، الكفر في قبال الايمان أو الكفر في الآخرة. و اعلم يا محمد ان ائمة الجور و اتباعم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا و اضلوا فاعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا علی شيء ذلك هو الضلال البعيد.
قلنا بان ظاهر هذه الصحيحة المباركة الميمونة هو فساد عبادة المخالفين و لكن يدعی انه هناك قرائن علی خلاف هذا الظهور وصلنا علی القرينة الخامسة و هي صحيحة حمران حيث ورد فيها قلت فهل للمؤمن فضل علی المسلم في شيء من الفضائل و الاحكام و الحدود و غير ذلك فقال لا هما يجريان في ذلك مجري واحد و لكن للمؤمن فضل علی المسلم في اعمالهما و ما يتقربان به الی الله عز و جل قلت أليس الله يقول من جاء بالحسنة فله عشر امثالها و زعمت انهم مجتمعون علی الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج مع المؤمن قال عليه السلام أليس قد قال الله تعالی فيضاعفه له اضعافا كثيرة فالمؤمنون الذين يضاعف لهم الحسنات.
اقول اولا: هذه الصحيحة مخالفة للاخبار المستفيضة من ان الايمان دخيل في استحقاق الثواب فاذا هذه الصحيحة ترفض ذلك و تقول لا فرق بين المؤمن و المخالف في الاحكام و يعطی الثواب لكل من المؤمن و المخالف فهذا مخالف للروايات المستفيضة كصحيحة زرارة أما لو ان رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدق بجميع ماله و حج جميع دهره و لم يعرف ولاية ولي الله فيواليه و يكون جميع اعماله بدلالته اليها ما كان له علی الله حق في ثواب و لا كان من اهل الايمان.
و الجمع العرفي بين صحيحة حمران و مثل صحيحة زرارة يقتضي ان نقول المخالف يشارك المؤمن في الحقوق الاجتماعية، الناس امام الحق كاسنان المُشط، يعطی من بيت المال للشيعي ما يعطی لغير الشيعي كما كان سيرة امير المومنين عليه السلام و يقام الحد علی الشيعي كما يقام الحد علی المخالف. و اما صحة العبادة هذا امر يكون بين المكلف و بين ربه لا يرتبط بالحقوق الاجتماعية.
و ثانيا: حتی في الاحكام الاجتماعية من ضروريات الفقه ميزة المؤمن علی المخالف في قبول شهادته، في امامته للجماعة، في استحقاقه للزكاة دون المخالف، الی غير ذلك. فهذه الصحيحة مما لم يلتزم به احد، لم يلتزم احد بمساواة المؤمن مع المخالف في الاحكام.
علي انه لو استقرت المعارضة بين صحيحة حمران و صحيحة زرارة و نحوها كان الترجيح مع صحيحة زرارة لانها مخالفة للعامة و خذ بما خالف العامة فان فيه الرشاد.
القرينة السادسة ما يقال من انه ورد في صحيحة منصور بن حازم ان كان الرجل شقيا فان عمل صالحا احب الله عمله و ابغضه، هذا الرجل الشقي مبغوض لكن عمله الصالح محبوب، فيقال هذا المخالف شقي و كيف لا يشقی و قد تولی غير ولي الله، كيف لا يشقی و وليه الجبت و الطاغوت، شقي، لكن الله سبحانه و تعالی يحب عمله الصالح و اذا احب عمله الصالح كيف لا يكون صحيحا؟
نقول في الجواب اولا: العمل الصالح اعم من العبادة. نحن كلامنا في شرطية الولاية في صحة عبادة المكلف، العمل الصالح التوصلي أو العمل الصالح المشروط بقصد القربة قد لا يكون عبادة، التصدق علی الفقراء، عتق العبيد، قد يشترط فيه القربة لكن لا يسمي هذا عبادة، الوقف المشهور قالوا بانه يشترط فيه قصد القربة و لكن ليس عبادة، العبادة كالصلاة و الصوم و الحج و الزكاة و ما شابه ذلك، هنا وقع الكلام في شرطية الولاية في صحة هذه العبادات.
و ثانيا: اذا كانت العبادة مشروطة بالولاية و مع فقد الولاية تفسد العبادة فلا ينطبق عليها عنوان العمل الصالح، ان عمل صالحا احب الله عمله كما ان اعطاء الزكاة لغير اهل الولاية فاسد الله لا يحبه و لاجل ذلك بعد استبصار المخالف قال الامام يعيد الزكاة لانه وضعها في غير موضعها فالصلاة بدون الولاية فاسدة بناءا علی شرطية الولاية في صحة العبادة فكيف ينطبق عليه عنوان العمل الصالح.
و بهذا وصلنا الی نتيجة ان صحيحة محمد بن مسلم تمت دلالتها علی بطلان عبادة المخالفين و لا توجد قرينة واضحة علی حمل هذه الصحيحة علی معنی آخر علی خلاف ظهورها.
و يضاف الی هذه الصحيحة روايات تدل علی بطلان عبادة المخالفين كرواية اسماعيل بن نجيح أما و الله ما لله حاج غيركم أو ما ورد في رواية معاد بن کثیر ما الحج الا لكم أو رواية الكلبي و الله ما يحج احد لله غيركم يعني لا يثاب علی هذا الحج غير المؤمن أو لا، اصلا ليس حجا ما اكثر الضجيج و اقل الحجيج و هكذا ورد في بحار الانوار عن ابي جعفر عليه السلام سواء علی من خالف هذا الامر صلی أو لم يصل، ظاهره ان صلاته كالعدم.
في البحار الجزء 27 صفحة 235 نقل عن ثواب الاعمال بسند لا يخلو عن ضعف لاشتماله علی محمد بن علی الهمداني، ابو سمينة الضعيف، عن حنان بن سدير عن ابيه قال سمعت ابا جعفر عليه السلام ان عدو علی لا يخرج من الدنيا حتی يجرع جرعة من الحميم و قال سواء علی من خالف هذا الامر صلی أو زنی. هذا التعبير سواء علی من خالف هذا الامر صلی أو زنی لم يوجد في كتاب ثواب الاعمال، الموجود فيه سواء علی من خالف هذا الامر صلی ام صام، لا انه سواء علی من خالف هذا الامر صلی أو زنی. صلی أو صام يعني صام أو لم يصم، صلی أو لم يصل، سواء عليه من حيث انه لا يخلصه من عذاب النار. و الا فلا يحتمل ان يكون عقاب المخالف الذي يصلي مساويا لعقاب المخالف الذي يزني لان صلاته ليست محرمة ذاتية، بل فاسدة، نعم سواء عليه صلی أو لم يصل، صحيح، اما انه سواء عليه صلی أو زنی هذا التعبير لم يرد في حق المخالفين. نعم ورد في حق الناصب في ثواب الاعمال هكذا نقل: ان الناصب لا يبالي صام أو صلی أو زنی أو سرق. و لكن مع ذلك الظاهر منه عرفا انه سواء صام أو زنی هو يدخل الجحيم، اما ان الناصب الذي لا يزني عقابه مثل عقاب الناصب الذي يزني؟ هذا غير محتمل. مراتب العذاب تختلف لكن لا يبالی الناصب صام أو صلی أو زنی أو سرق من حيث انه لا يخلصه صلاته أو صومه من الجحيم اما انه عذاب الناصب الزاني اشد من العذاب الذي يعذب به الناصب غير الزاني هذا لعله موافق للمرتكز. و علی اي حال لم يرد هذا التعبير في حق المخالفين، هذا التعبير ورد في حق الناصب. اما بالنسبة الي المخالفين ورد سواء علی من خالف هذا الامر صلی ام صام يعني صلی أو لم يصل، صام أو لم يصم. و هذا ظاهر في بطلان صلاته و صومه.
و هكذا ورد في رواية عمر بن ابي المقدام عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام انما يعرف الله و يعبده من عرف الله و عرف امامه منا اهل البيت و من لا يعرف الله و لا يعرف الامام منا اهل البيت فانما يعرف و يعبد غير الله ضلالا. من يعبد غير الله عبادته صحيحة؟ ميصير، من يعبد غير الله عبادته لا تكون صحيحة لانه يعبد غير الله. فهذه الرواية مع غمض العين عن سندها تؤيد بطلان عبادة المخالفين.
و بذلك تم هذا البحث. فالاقوی و لااقل من انه الاحوط ان لم يكن اقوی شرطية الولاية في صحة العبادة فلا تصح عبادة المخالفين. فان قلنا بان الذبح في الحج عبادة تصدر من الذابح كما عليه جمع من الفقهاء و منهم السيد السيستاني فلا يصح استنابة المخالف لذبح الهدي أو لذبح الكفارة لكن السيد السيستاني مع انه يری ان ذبح الذابح في الحج بل و في الكفارات عبادة تصدر من الذابح مثل الطواف الذي النائب يأتي به فانه عبادة صادرة من هذا النائب فالذابح ينوب عن الحاج أو المكلف بدفع الكفارة في الذبح عنه و هو عبادة صادرة من هذا الذابح مع ذلك يقول لا يشترط الايمان في الذابح حسب مبناه الفقهي من الولاية ليست شرطا في صحة العبادة و انما هي شرط في استحقاق الثواب. لكن السيد الخوئي قال بصحة ذبح الذابح المخالف و نحن نقول به مع اننا نری كالسيد الخوئي شرطية الولاية في صحة العبادة لاننا نری ان ذبح هذا الذابح ليس عبادة منه و انما هو فعل تسبيبي من الحاج فالحاج مكلف بالذبح الاعم من المباشر أو التسبيبي فاذا امر غيره بالذبح عنه فيصدق ان هذا الحاج ذبح كما انه لو امر غيره بحلق رأسه فهذا الحاج يصدق انه حلق رأسه فليس الذبح و لا الحلق عبادة صادرة من الذابح أو الحلاق و لاجل ذلك لا يشترط انه هو يقصد القربة، فالحاج بنفسه يقصد القربة في تسبيب الغير في الذبح عنه أو في تسبيب الغير في حلق رأس هذا الحاج.
فاذن عرفنا ان ظاهر كلام السيد السيستاني و السيد الخوئي متفق لايشترط الايمان في الذابح لكن فتوی السيد السيستاني تنطلق من مبدأ فقهي يخالف المبدأ الفقهي الذي تنطلق منه فتوی السيد الخوئي . السيد الخوئي يقول ذبح الذابح عن الحاج لا يعتبر فيه ايمان الذابح لان الذبح ليس عبادة صادرة من الذابح و انما هو فعل تسبيبي من الحاج فالحاج ذبح الهدي حينما امر غيره بان يذبح عنه فهو عبادة صادرة من هذا الحاج و لا يعتبر في ذبح الذابح ان يقصد الذابح القربة بخلاف الطواف عن العاجز عن مباشرة الطواف فانه عبادة صادرة من النائب لانه حينما يأمر الحاج العاجز عن الطواف غيره بان يطوف عنه لا يقال هذا الحاج طاف يقال امر غيره بان يطوف عنه، بينما انه حينما يأمر غيره بالذبح عنه يقال بالنسبة الی هذا الحاج ذبح أو حلق رأسه حينما يأمر غيره بان يحلق رأس هذا الحاج. اما السيد السيستاني يقول: لا، سواءالذبح أو الحلق عبادة صادرة من هذا الذابح أو الحلاق و لكن حيث لا يعتبر الولاية في صحة العبادة فنقول بصحة هذا الذبح الذي هو عبادة صادرة من هذا الذابح و ان كان مخالفا. كما انه يری ان الحلق عبادة صادرة من الحلاق و لكن مع ذلك حيث لا يعتبر في صحة العبادة الولاية فيصح ان يكون الحلاق من المخالفين.
اذكر هنا نكتة لطيفة :
السيد السيستاني يقول اذا حلق المحرم رأس محرم آخر أو قصّر من شعره لا يصح و ان كانا ناسيين و ان كانا جاهلين قاصرين. لماذا؟ يقول الحلق عبادة صادرة من هذا الحلاق و لا دليل علی كفاية نيابة هذا الحلاق المحرم في هذه العبادة عن الحاج بينما ان السيد الخوئي يقول حتی لو كان الحلاق محرما اذا كان غافلا فيصح حلقه لمحرم آخر، نعم اذا كان نهي عنه كما في مورد الجهل من باب امتناع اجتماع الامر و النهي نقول بعدم اجزاءه فلو كان ناسيا، هذا الحلاق ناسي، معتقد بالخلاف، اصلا ما يحتمل ان حلقه لمحرم آخر مو صحيح و حرام، ما يحتمل ذلك، جاهل مركب قصوري أو ناسي، السيد الخوئي يقول حلقه مجزئ لانه اذا لم يكن مجزئا فمن باب اجتماع الامر و النهي و هنا سقط النهي بالجهل المركب أو النسيان اما السيد السيستاني يقول لا، هذا عبادة و نيابة صادرة من هذا الحلاق و لا دليل علی الاجتزاء بنيابة محرم عن محرم آخر في حلق رأسه.
بهذا انتهينا عن هذا البحث و اذكر هنا بحثا بسيطا حول ما ذكره السيد الخوئي من ان الكافر لا يصح صومه مضافا الی ما ذكر لاجل انه ليس مكلفا بالفروغ، فمن لا يكون مكلفا بالصوم كيف يصح صومه؟ من لا يكون مكلفا بالصلاة كيف تصح صلاته؟ هل هذا الكلام من السيد الخوئي صحيح ام ان الصحيح ما عليه المشهور من تكليف الكفار بالفروع، ما هو دليل السيد الخوئي علی عدم تكليف الكفار بالفروع. نتكلم عن ذلك بالاختصار و نستمر في البحث عن احكام الصوم.