بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/11/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فصل في موارد وجوب القضاء دون الكفارة

 

كان الكلام في انه اذا كان هناك غيم في السماء فحصل الظن بدخول الليل فهل يجوز الافطار بمجرد الظن؟ و لو افطر ثم انكشف الخلاف هل يجب عليه قضاء صوم ذلك اليوم ام لا؟

اما بالنسبة الی جواز الاعتماد علی الظن عند وجود غيم في السماء فالظاهر انه هو المشهور و قد افتی به صاحب العروة، و السيد الخوئي ايضا ذكر في المنهاج انه اذا حصل الظن بدخول الليل في فرض وجود الغيم في السماء فيجوز الافطار دون ما اذا وجدت علة اخری كالغبار في السماء . لكن رأيت ان السيد السيستاني يستشكل في ذلك و نعم ما استشكل به كما ذكرنا في البارحة انه لا دليل علی حجية الظن بدخول الليل حتی لو كان السماء مغيما، لماذا؟ لان هذه الروايات التي تقول فظن دخول الليل فافطر لا يعني انه لم يطمئن بدخول الليل، اعتمد علی الظن فافطر، لان الظن قد يستعمل في الاعتقاد المخالف للواقع، ظننت ان زيدا فعل كذا ثم علمت بانه لم يفعله، يقول العرف ذلك، ليس معناه الاحتمال الراجح دائما، الظن يستعمل بمعاني مختلفة قد يستعمل الظن في الاعتقاد المخالف للواقع و من المحتمل ان يكون المراد بالظن هنا هذا المعنی لانه قال ظن دخول الليل فافطر يعني فرض ان ظنه اوجب افطاره فليس له اطلاق في ان كل ظن يجوز معه الافطار اذا كان في السماء غيم.

اقرأ فتوی السيد الخوئي اولا ثم اقرأ فتوی السيد السيستاني حتی تقايس بينهما. منهاج الصالحين للسيد الخوئي الجزء 1 صفحة 273: اذا كان غيم فلا قضاء و لا كفارة . يقول الافطار قبل دخول الليل لظلمة ظن منها دخوله فان لم يكن في السماء غيم وجب القضاء بل الاحوط ان لم يكن اقوی وجوب الكفارة، نعم اذا كان غيم فلا قضاء و لا كفارة، و اما العلة التي تكون في السماء غير الغيم ففي الحاقها بالغيم في ذلك اشكال و الاحوط وجوبا عدمه.

اما السيد السيستاني يقول في المنهاج الجزء 1 صفحة 329 في موارد يجب فيها القضاء دون الكفارة الخامس الافطار قبل دخول الليل باعتقاد دخوله حتی في ما اذا كان ذلك من جهة الغيم في السماء علی الاحوط بل الاحوط ان لم يكن اقوی وجوب الكفارة فيه ايضا اذا لم يكن قاطعا بدخوله. اذا لست قاطعا بدخول الليل حصل لك الظن بدخول الليل و السماء مغيم لماذا تعتمد علی الظن؟ الاحوط ان لم يكن اقوی، احتياط وجوبي، ‌ميخالف، ‌لكن لم يقبل كلام السيد الخوئي، ‌السيد الخوئي قال ليس عليه الكفارة، الاحوط ان لم يكن اقوی وجوب الكفارة فيه ايضا اذا لم يكن قاطعا بدخوله.

و رأيت ان السيد الصدر ايضا علق علی كلام السيد الحكيم قدس سره في المنهاج الجزء 1 صفحة 386 فقال الاحوط وجوبا الالتزام بالقضاء كلما افطر قبل دخول الليل سواء كان ظانا بدخوله أو قاطعا كان هناك غيم ام لا و الاحوط ايضا، احتياط وجوبي بعد، ثبوت الكفارة مع عدم احراز دخول الليل من دون فرق بين وجود الغيم و عدمه.

اما بالنسبة الی ما لو حصل له الوثوق بدخول الليل أو حصل له الظن بدخول الليل و قلنا بانه في فرض الغيم في السماء يمكن الاعتماد علی الظن كما هو المشهور فاذا افطر المكلف ثم تبين له ان النهار كان باقيا حين افطاره فقلنا بان الروايات متعارضة، بعض تلك الروايات تنفي وجوب القضاء و هناك رواية معتبرة تثبت وجوب القضاء .

امس قلنا بان هذه الرواية موثقة اعتمادا علی السيد الخوئي ثم طرحنا البحث ان الخبر الموثق هل يعارض الخبر الصحيح ام لا، لكن هذه الرواية لها سندان: السند الاول موثق، اي، عثمان بن عيسی عن سماعة و لكن السند الثاني صحيح، محمد بن عيسی عن يونس عن ابي بصير و سماعة، ليس عن ابي بصير أو سماعة بل عن ابي بصير و سماعة، و ابو بصير امامي عدل، ‌اما الليث المرادي فواضح و اما يحيی بن القاسم كما ذكر السيد الخوئي في المعجم هو من اجلاء الشيعة و ان اتهموا بانه كان يعتقد بالوقف لكنه توفی في حياة الامام الكاظم عليه السلام و لم يدرك وفاة الامام حتی يصير واقفيا و ما ينسب اليه من بعض الروايات المشيرة الی الوقف أو الی تمامية المذهب الوقف هذا دس و تزوير و كذب من الواقفة عليه لان علی بن ابي حمزة البطائني كان قائد يحيی بن القاسم، فكان يقوده علی بن ابي حمزة البطائني و لم يظهر خباثته بعدُ، كان يعتمد عليه ابو بصير و ينسب الی ابي بصير يحيی‌ بن القاسم انه كان يروي بعض الروايات الدالة علی الوقف و لكنه مكذوب عليه كما فصّل الكلام في ذلك السيد الخوئي في كتاب المعجم.

فهناك طائفتان من الروايات و كل من الطائفتين فيها رواية صحيحة، فماذا نصنع؟ ذكر السيد الخوئي اننا نعمل بطائفة الاولی الدالة علی عدم وجوب القضاء كصحيحة زرارة أو معتبرة زرارة لان مفاد معتبرة ابي بصير و سماعة موافق لمذهب العامة فنطرح معتبرة ابي بصير و نأخذ بصحيحة زرارة لاجل الترجيح بمخالفة صحيحة زرارة للعامة .

انا اقرأ كلمات من كتب العامة لاحظوا! المغني لابن قدامة : مسألة : ان اكل يظن ان الشمس قد غابت و لم تغب فعليه القضاء . مثل ما ورد في معتبرة ابي بصير و سماعة . بعد ذلك يقول ابن قدامة : هذا قول اكثر اهل العلم من الفقهاء و غيرهم و حكي عن عروة و مجاهد و الحسن و اسحاق انه لا قضاء عليهم لما روی زيد بن وهم قال كنت جالسا في مسجد رسول الله صلی الله عليه و آله في رمضان في زمن الخليفة الثاني فاويتنا بعساس فيها شراب من بيت حفصة فشربنا و نحن نری انه من الليل ثم انكشف السحاب فاذن الشمس طالعة فجعل الناس يقولون نقضي يوما مكانه فقال عمر و الله لا نقضيه ما تجانفنا لاثم هذا مستند هؤلاء الذين يقولون لا قضاء عليهم و لكن اكثر اهل العلم قالوا ‌بوجوب القضاء عليه.

في كتاب المجموع يقول: اذا اكل أو شرب أو جامع ظانا غروب الشمس فقد ذكرنا ان عليه القضاء و به قال ابن عباس و معاوية، ما كنا ندري ان معاوية من الفقهاء، و به قال ابن عباس و معاوية بن ابي سفيان و عطاء و سعيد بن جبير و مجاهد و الزهري و الثوري و به قال ابو حنيفة و مالك و احمد و ابو ثور و الجمهور و قال اسحاق و داود صومه صحيح و لا قضاء . و عليه فتكون هذه المعتبرة معتبرة ابي بصير و سماعة موافقة لمذهب جمهور العامة و تلك الروايات الصحاح مخالفة للعامة و خذ بما خالف العامة فما خالف العامة ففيه الرشاد.

المسألة الاولی: اذا اكل أو شرب مثلا مع الشك في طلوع الفجر و لم يتبين احد الامرين يعني لم يتبين انه لا طلوع الفجر و لا بقاء الليل لم يكن عليه شيء .

يقول السيد الخوئي تارة نتكلم عن الجواز التكليفي و تارة نتكلم عن الحكم الوضعي. اما الجواز التكليفي فالظاهر انه لا ينبغي الاشكال فيه عملا باستصحاب بقاء الليل و عدم دخول الفجر مضافا الی قوله تعالی كلوا و اشربوا حتی يتبين فهذه الآية تدل علی انه ما لم يتبين طلوع الفجر يجوز الاكل و الشرب.

لكن ذكرنا سابقا ان المحتمل في هذه الآية ان المراد بالتبين لكم التبين في السماء لا علم كل مكلف بخصوصه، يتبين لكم يعني يتبين للناس العائشين في الارض، و قد لا يعلم به المكلف.

ثم استدل السيد الخوئي بصحيحة الحلبي التي ورد فيها و كان بلال يؤذن للنبي صلی الله عليه و آله و ابن ام مكتوم، ابن ام مكتوم كان اعمی يؤذن بالليل، اذا اعمی اشلون يشوف الافق و يروح يؤذن؟ لاجل هذا كان يؤذن بالليل و يؤذن بلال حين يطلع الفجر، فقال النبي صلی الله عليه و آله اذا سمعتم صوت بلال فدعو الطعام و الشراب فقد اصبحتم. يقول السيد الخوئي شوفوا النبي قال لا تعتنوا باذان ابن ام مكتوم الذي لا يفيد اذان مثله الا الشك و اعتمدوا علی اذان بلال لانه عارف بالوقت و اذانه حجة.

اقول: لا، قد يكون المقصود للنبي صلی الله عليه و آله ان اذان ابن ام مكتوم يقطع بكونه مخالفا للواقع لانه اذا رؤي الفجر كان يؤذن بلال، ابن مكتوم كان يؤذن قبل اذان بلال فكان يطمئن ببقاء الليل و الا لو كان طلع الفجر كان بلال يعاين ذلك و يقوم يؤذن.

يكفينا ذلك الاستصحاب، استصحاب بقاء الليل.

و اما بلحاظ الحكم الوضعي انه هل يجب القضاء ام لا؟ تارة يبقی الشك و لو بهذا النحو يأكل و يطلع الفجر لا يدري هل طلوع الفجر كان متقدما علی اكله كي يبطل صومه أو ان اكله كان قبل طلوع الفجر كي يصح صومه. السيد الخوئي هنا يقول: استصحاب بقاء الليل الی زمان الاكل أو فقل استصحاب عدم طلوع الفجر الی زمان الاكل يتعارض مع استصحاب بقاء الاكل الی طلوع الفجر. انت كنت تأكل في زمان، الاستصحاب يقول اكلك كان مستمرا الی طلوع الفجر و هذا يثبت وجوب القضاء، يعارض ذلك استصحاب عدم طلوع الفجر الی نهاية الاكل. فاذا تعارض الاستصحابان يرجع الی اصالة البراء ة عن وجوب القضاء لان القضاء بامر جديد. افتهمتم اشلون خرّب السيد الخوئي علی مثل السيد الحكيم الكبير و السبط؟ خرب عليهما الطريق، لماذا؟ لان السيد الحكيم في المستمسك و كذا السيد الحكيم السبط في مصباح المنهاج ما يعترفان بالبراء ة عن وجوب القضاء لانهما يقولان بان هناك وجوب متعلق بطبيعي صوم ثلاثين يوما من طلوع الفجر الی غروب الشمس و هناك وجوب آخر بصوم شهر رمضان من طلوع الفجر الی غروب الليل. بالنسبة الی وجوب طبيعي ثلاثين يوما تجري قاعدة الاشتغال، الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، و ليس التكليف بالقضاء مترتبا علی موضوع الفوت حتی نقول بان فوت الصوم الواجب مشكوك.

هذا اولا و ثانيا: سيدنا! انت خرّبت علی الذي يصوم صوم القضاء، ‌كثير من الناس يصومون صوم القضاء، لو بطل صومهم لهذا اليوم لا يترتب عليه وجوب قضاء آخر و انما تبقی ذمتهم مشغولة، هناك وجوب واحد لطبيعي قضاء الصوم لا يدري هل صومه لهذا اليوم صحيح كان حتی تبرأ ذمته أو لم يكن صحيحا حتی تبقی ذمته مشغولة بالقضاء، اهنانه ماكو مجال للبراء ة عن وجوب القضاء . فماذا نصنع هل نقبل تعارض الاستصحابين ثم بعد ذلك نتورط، من الذي يخلصنا من هذه الورطة هل نتلزم بتعارض الاستصحابين أو ان هناك مخلصا و طريقا لحل التعارض بين استصحاب بقاء الاكل الی طلوع الفجر و نتيجة ذلك بطلان الصوم و استصحاب عدم طلوع الفجر الی آخر الاكل الذي ينفی به وجوب القضاء أو يثبت به صحة الصوم، الاول يثبت به بطلان الصوم و الثاني يثبت به صحة الصوم هل هذان الاستصحابان متعارضان كما يقول به السيد الخوئي فاذا تعارضا ماذا نصنع؟ هل الطريق الوحيد لحل المشكلة الی البراء ة عن وجوب القضاء و الذي لا يتم هذا الطريق الا بالنسبة الی صوم شهر رمضان دون سائر الصيام كما لا يتم حتی في صوم شهر رمضان بناء ا علی مبنی السيد الحكيم في المستمسك و السيد الحكيم في مصباح المنهاج. تاملوا في ذلك الی الليلة القادمة ان‌شاء الله.