46/05/22
الموضوع: الصفات الفعلية والتعطيل والتشبيه والغلو
كنا في هذا المقطع من اية الكرسي ﴿يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض﴾ .
هذه الايات في صدد بيان العلم كصفة فعلية يعني فعل الله عز وجل ، الفعل في عالم نحو والبلاغة والعلوم اللغوية الفعل بمثابة الوصف حتى لما تقول ضرب زيد عمرا يعني تصف زيدا بانه ضارب لعمرو فالفعل صفة لكن صفة فعلية وليست صفة ذاتية فاذن مبحث الصفات الفعلية مبحث طويل قائم بذاته يعني بترامي ابحاثه ففعل للباري صفة وان كان فعلا من الافعال وان كان مخلوقا من المخلوقات ويسمى هذا المخلوق بالفعل ، فهو مخلوق لكن صفة لله فيكون هذا المخلوق صفة لله في مقام الفعل او صفة لله مع تصفية هذا المخلوق عن الشوائب والنقائص .
فهذا المخلوق ان قمت بتصفيته عن شوائب النقص تستطيع ان تجعله صفة لله فانت تصفيه عن شوائب النقص بلحاظ جهات الكمال فيه فهذه الجهات اذا تمحضت سوف يكون اية لله تعالى لا انه هو نفس المخلوق متمحض لكن هذا المخلوق اذا لاحظت الكمال في ملاحظتك متمحضة في الكمال وسوف تكون اية لله يعني صفة الباري تعالى وهي ترادف وحيانيا او ترادف وجوديا ترادف الصفة والاسم والدلالة .
فالصفة اذن اية واسم ومن ثم طبقة الاسماء وعالم الاسماء لا ينحصر بالطبقات العليا ، هناك طبقات متوسطة وطبقات انزل من المتوسطة فكل مخلوق اية من ايات الله يعني اسم بدرجته فالاسماء طبقات كما ان الصفات طبقات كما ان الايات طبقات اية كبرى وكبيرة ووسطى .
مر بنا مرارا ان الاية يرادفها عقلا او وحيانيا فضلا عن الوجود يرادفها ربما خمسين عنوان او مئة ومئتين عنوان الله اعلم ، والمراد في الاية الاسم والصفة والدلالة والدليل والحرف والتجلي والظهور ... فكل هذه العناوين بينها جامع مشترك معنوي عقلي .
وان كان لا يصح هذا التعبير ولكن من باب تقريب المعنى يعني نقول بمثابة الجنس والفصل فالمقصود هناك جزء من المعنى مشترك بين هذه المترادفات عقلا يعني هناك جزء من المعنى مشترك متكرر في معاني عديدة فاذن متى يصلح للمخلوق ان يكون اية لله? اذا قمت بتصفية شوائب النقص فيه ولاحظت جانب الكمال سيكون اية فهناك تصفيات كثيرة وحتى في الجنة تصفيات وعندنا بيانات من الائمة تدل على ذلك .
من باب التشبيه انت اذا اخذت الطفل الى الروضة وقلت له امامك عشرين سنة دراسة سوف يقول لا اريده ، ولكن انت تقول له ادخل سنة واحدة فيقتنع ويدخل الروضة ثم تقول له الابتدائية خمس سنوات ويقبل ثم المتوسطة والاعدادية والثانوية وان كان الان يقال في الدراسات العلمية الغربية بان هذا النظام العالمي من الابتدائية والمتوسطة والاعدادية والثانوية والماجستير والدكتوراة نظام تعليمي فاشل يحرق عمر المتعلم وانما الاصح هوالدورات المركزة هي اقل عمرا ووقتا واكثر تأثيرا فبعض الدراسات الغربية الاخيرة كم دورة منها يغنيك عن عشرين سنة دراسة بل تزداد مهارة.
المهم ان اية المخلوق في حالة تكامل ومر بنا هذا السؤال الغامض ما معنى قرب المخلوق من الخالق? الخالق ليس موضع جغرافي ولا جسماني ولا روحي كيف يكون مقرب ؟ وملائكة مقربين ؟ ما معنى تصلي قربة الى الله ؟ كيف تتقرب? هل لله موضع جسماني روحاني مادي ؟
مر القرب معناه المحصل ان الانسان كلما يتكامل تكون ايتيته لله اكبر فيكون اقرب في الحكاية والاية لكمالات الله ولقد رأى من ايات ربه الكبرى فتجلي الله فيه بحسب كمالات الايات فكلما كان المخلوق اكثر كمالا تجلى الله فيه اكثر فيكون اقرب بهذا المعنى فهو اقرب لحكاية كمالات الله فالمخلوق اية و صفة فعلية بشرط القيام بتصفيته عن الشوائب وتمحيضه في الكمال وان كان هذا التمحيض في الكمال درجات وليس درجة واحدة .
فاذن باب الصفات الفعلية ملحمة ، ... وسع كرسيه السماوات الكرسي مخلوق فلماذا يتباهى الباري بسعة الكرسي ؟ ورد في بيان الائمة ان الكرسي والعرش علمان من علوم الله فالكرسي الذي هو مخلوق يسمى علم لله يعني في مقام الفعل ومر بنا الصفات الفعلية بالدقة حكاية للصفات الذاتية والصفات الذاتية حاكية للذات فالصفات الفعلية بالدقة هي صفات حاكية عن كمالات الذات الالهية بالواسطة وليست بدون واسطة .
كما هو الحال في المرآة تحكي لك ما في المرآة الاخرى والمرآة الاخرى تحكي لك ما في الثانية والمرآة الثالثة ما في الرابعة الى ان تصل الى الحقيقة التي تنعكس فيها فالصفة الفعلية بالدقة هي صفة الصفة ولذلك المتكلمون والفلاسفة يرجعون الصفات الفعلية الى الصفات الذاتية كما ان الصفات الذاتية ايضا طبقات ، ولذلك ورد عندنا ان الاسماء طبقات الطبقة الاولى منها اشتق منها والطبقة الثانية الى الثالثة الى ثلاث مئة وستين اسما وكذلك الصفات الذاتية طبقات فضلا عن الاسماء والصفات الفعلية كالرزاق اسم الهي لكن اسم نابع من الصفة الفعلية كذلك المميت هي صفة لكن نابعة من الفعل .
اذن الصفة الفعلية اذا طهر هذا المخلوق واستبعد جوانب النقص فيه يستحق ان يكون اية لله والا ليس المخلوق من حيث نقصه يكون اية وانما من حيث كماله فاذن عملية نفي التشبيه لا بد منه في الصفات الفعلية كي تكون هذه الصفات صفاتا للباري فتسمى بعملية نفي التشبيه ، والتشبيه عن النقائص الموجودة في المخلوق اذا نفي التشبيه اصبح فعلي وكذلك يجب ان تنفي التعطيل ولا تقل ان المخلوقات ليست ايات لله وليست حاكية لعظمة الله فلا تعطل رؤية الله ومعرفة الله في مقام من المقامات .
مر بنا انه لا تعطيل للمعرفة التوحيدية في اي مقام من المقامات ولا تشبيه بان تقول هذا المخلوق بقضه وقضيضه وجهات زواياه الناقصة حكاية للباري اذن المخلوق يصلح ان يكون صفة لله واسما لله بحسب طبقته ودرجته فاذا قمت بتصفيته عن الشوائب وبالتالي الصفة ليس مباشرة او مستقيمة وانما صفة للصفة للصفة وهلم جرا فالصفات الفعلية مرآة للصفات الذاتية والصفات الذاتية بدورها طبقات وليست طبقة واحدة وهي مرآة الذات الالهية فلا تشبيه ولا تعطيل في الصفة الفعلية .
اذا نفينا ان يكون اية مهما كان هذا المخلوق يعني انت قطعت الصلة بينه وبين الله وهذا لا يمكن اذا كانت الصلة او النسبة او الارتباط موجود بين كل مخلوق والخالق انما هو من جهة كماله ، مثلا ابليس الجانب الكمالي فيه هو اية لله وليس في جانب النقص والشرور فابليس مخلوق لله وفي عظمة الباري ايات حتى في الابالسة والشرور والشياطين اللهم رب الشياطين وما اظلت فليس ابليس خير وانما خلقة الله لابليس خير .
فعالم المخلوقات والصفات الفعلية لا تعطيل لها فاذا تقول لا صلة لها بالله اذن هذا صار ند لله وقائمة بنفسها بل هي مخلوقة واذا كانت مخلوقة فلها نسبة مع الله وهي الحكاية ، فالحكاية مرادف للاية وللاسم وللصفة وللدلالة والظهور وكذلك المرآة والحكاية ربما هناك ثلاث مئة ترادف عقلي موجود وحياني يعني هي معاني مشتركة وفي مقام الفعل .
يحرم علينا ان نكون معطلين لله وان نكون مشبهين ودائما هذه الضوابط في المعرفة العقائدية على صعيد الذات تأتي على صعيد الصفات والاسماء وتأتي على صعيد الافعال .
اذا اتضح الحال في الصفات الفعلية يتضح في الصفات الذاتية بشكل اكثر يعني الاسماء من الطبقة العليا ، اذن في مقام الافعال او المخلوقات هي شؤون الهية يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله يعني ليس لكم من انفسكم شيئ فذاتكم فقيرة فهل الذات الفقيرة اية لله? كلا وانما الكمال الذي اعطاها الله اية ، ففقر المخلوق يدل على ان هذه الكمالات من غيره ، الحرف ما انبأ عن معنى في غيره ، فالمخلوق حرف انبأ عن معنى في غيره .
اذا استعراضنا لعظمة الكرسي يرجع الى عظمة الله فليس غلو في الكرسي نعم عدم تعظيم الكرسي هو عدم تعظيم لله وتفخيم العرش والكرسي تفخيم لله نعم الغلو باطل ولكن هذا توحيد وليس غلو فتفخيم عرش والكرسي او الحط من شأنهما يرجع الى الله ، مثلا انت رأيت شخصا كريه الخلق لا تعيبه فهذا فعل الله وهذه اشارة الى نفس النقطة التوحيدية التي وردت في الروايات .
اذن تعظيم المخلوق ليس غلوا فيه اذا قلت انت مخلوق فقير ولكن عظمته اتية من عند باريه فهذا ليس غلوا انت لو قلت للمخلوق عندك مال متوسط او متواضع لكن من نفسك وذاتك هذا يصير غلو لانك اسندت الكمال للمخلوق .
الان من باب المثال بعض دول الاقتصادية الكبيرة كل الاموال الموجودة فيها هي اموال اجنبية وليست حقيقية وهذه الاموال انما تكون لها اذا ورثت البلد النمو والازدهار اما اذا كانت الاموال تنمو لنفسها ولم يحصل شيء لهذا البلد المستضيف وانما هو فقط ناطور وحارس لاموال الاجانب يقولون هذا نمو كاذب مزيف .
الان تقول انت الدولة الفلانية من اكبر واعظم الدول ازدهارا والحال ان الازدهار الاقتصادي كله لاموال الاجانب وليس لهذه الدولة فحينئذ انت لم تغال في توصيفك لتلك الدولة ان لديها ازدهار اقتصادي لان نسبة الازدهار ليس لها وانما للاجانب . او الدولة الفلانية عندها قوة عسكرية عجيبة خطيرة ولكنها تشغل من قبل الاستعمار فهذه هاوية عسكرية فهذا ليس غلو .
نرجع الى بحثنا فاذا اثبتت الكمال لهذا المخلوق لنفسه هذا غلو ولو برأس الابرة واذا اثبتت كمال اضعاف السماوات والارض لكن كله ليس له هذا ليس غلو فضابطة الغلو ليست في انه يحيي كم ميت فليس الكلام في الكم والكيف وانما هل الضابط العقلي لنفسه فيه غلو ام لا ? اما اذا كان باذن الله وهو ليس له من الامر استقلال في شيء فليس غلو .
لذلك فلاسفة الشيعة المتأخرين يصرون على ان ضابطة الغلو ليس للاموال ضخمة او للاموال القليلة وانما ان اسندتها لنفس المخلوق هو غلو واذا كانت الاموال لا متناهية واسندتها لله هذا ليس غلو وانما هذا عين الفقر نعم النظرة السطحية المادية للغلو تقرأ الغلو والتوحيد بنظرة مادية هذا بحث اخر اما اذا تنظر لها بنظرة دقية عقلية فضابطة الغلو والتوحيد غير هذا .
القرآن والوحي ذكر ضابطات اخرى وامن بها الفلاسفة فهم في هذا الجانب مؤمنون فهي باذن الله ومن الله ، اذا لم نضبط هذه المعادلة تصير عندنا همجية في التفكير وهوجائية في البحث عقدي غامض يجب التدقيق فيه وليس بحث عرفي .