الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

46/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التحميد والتسبيح والتعطيل والتشبيه

 

كنا في هذا المقطع من اية الكرسي ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسية السماوات والارض .

فالعلم المضاف اليه تعالى والاحاطة مرت بنا ليست جغرافية جسمانية وانما احاطة تمام القدرة وتمام التصرف وتمام العلم او قل الحضور المطلق او الهيمنة المطلقة فلا تتفاوت القدرة ولا انما بتفاوت نفس المقدور عليه نعم جغرافيا يتفاوت لكن القدرة عليه لا تتفاوت ، فقدرة الله على شرق الارض عين قدرته على غربها وقدرة الله على الارض عين قدرة الله على المنظومة الشمسية وقدرته على المنظومة الشمسية عين قدرته على المجرة وقدرة الله على المجرة عين قدرته على جميع المجرات والكواكب وقدرته على الكواكب عين قدرته على كل السماء، فاي قدرة فيها هكذا هيمنه بحيث هي لا تتفاوت بتفاوت الاشياء ؟

 

مر بنا كل العوالم الجسمانية وكل المخلوقات حاضرة بحضور واحد تنعدم فيها المسافات والازمان وهذه احد تفسيرات وما امرنا الا كلمح البصر او وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة يعني لا يتفاوت عنده تعالى المتفاوت زمانا جسمانيا شدة ضعفا فيما بينها تتفاوت ولكن عند الله واحدة وشيء واحد كلمة واحدة ان قلت بتفاوت المخلوقات الى تفاوت صفات الله وقدرة الله وقعت في التشبيه الباطل فلا تنسب ما في الخلق من تشتت وتفاوت وضعف وقوة لا تنسبه الى الباري .

 

وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ، هذه مفاتيح الغيب لا تنقص فبالتالي هذه الخزانة ما تتفاوت ولو كانت تتفاوت لنفدت فمن الضوابط المهمة التي شدد اهل البيت في بيانها بلغة عقلية فهم يؤكدون على انه لا تقم بنسبة الشؤون الناقصة في المخلوقات الى الخالق وهو بيان عقلي بديع جدا يفوق قدرة الفلاسفة والصوفية والعرفاء وهذه من مهمات نفي التشبيه .

 

مربنا انه من المهم في تكامل معرفة الانسان ان يعرف المحاذاة بين لغة العقل الفكري النظري واللغة العقل القلبي العملي الروحي هناك يعبر توحيد وهنا يعبر اخلاص هنا يعبر تحميد وهناك يعبر توصيف وكمالات وجمال ، فالتحميد لغة قلبية روحية والتوصيف لغة عقلية لان المشكلة اننا مشبعين بلغة العقل الفكري وعلم الكلام بينما لغة الوحي تعتمد على كلتا اللغتين.

 

فنفي التشبيه هو نفسه التسبيح ونفي التعطيل هو نفس التحميد ، في زيارة امير المؤمنين الثامنة عشرة في نبراس الفائزين نجد امير المؤمنين شرح التوحيد بالتحميد والتسبيح ، التحميد يعني التثبيت لان التعطيل باطل ، فالغلاة وقعوا في مشكلة التعطيل الخفي والمقصرة وقعوا في مشكلة التشبيه فانت كيف تنزه بنحو لاتقع في التعطيل ؟

 

لاحظ القران الكريم فسبح بحمد ربك ، فربط بين التسبيح والحمد، فالتسبيح ربطه بالحمد والا التسبيح المطلق قد يفهم منه التعطيل انت تريد ان تفر من التشبيه فتوقع نفسك في التعطيل الخفي ، قضية الجبر والاختيار تاتي بعينها في التعطيل فلا تعطيل ولا تشبه ولكن تثبيت وتوحيد وتحميد وتسبيح ولابد من توازن التسبيح مع التحميد وتوازن التحميد مع التسبيح ، فالتحميد بلا تسبيح يصير تشبيه والتسبيح بلا تحميد يصير تعطيل ، فسبح لكن بحمد ربك .

 

من اعظم مقامات فاطمة انه اهداها النبي التسبيح والتحميد والتكبير لمعرفة التوحيد ، والامام الصادق يقول اضف اليه التهليل ولعل هذا كان موجود ولكن ما بين في زمن فاطمة وانما بين زمن الامام الصادق فيصير تسبيح وتكبير وتحميد وتهليل .

 

صلاة جعفر الطيار هي ايضا اربعة امور والسيد اليزدي يفتي بجواز ان تاتي بصلاة الفريضة مع تسبيحات جعفر الطياروتكون الصلاة اشد رجحانا لان الذكر المطلق في الصلاة جائز وحتى في الركعة الاولى قبل ان تركع تاتي بخمسة عشر مرة سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وتركع وكذلك تنزل في الركوع تقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر عشر مرات ، لان التسبيح والتحميد كله توحيد .

 

هناك عبادات معرفية لتطويع القوى على طاعة لله وليست عبادات بدنية ، كلا اعظم من هذا ، عندنا صلاة قلبية وروحية وصلاة نفسانية وصلاة بدنية وعندنا صلاة كمعرفة علمية بكل قوى الانسان ، هناك روايات عديدة عن امير المؤمنين ان الذي ياتي بالصلاة ولا يعرف تاويل افعال الصلاة واجزاءها حظه من الصلاة سطحي يعني المعنى الموجود في الركوع والسجود والتسبيح والمثول بين يدي الله .

 

فهذا الجانب الملكوتي من الصلاة والذي لا يعرف تاويله ما صلى صلاة بدنية وما صلى صلاة حقيقية وانما صلاة بدنية ولم يتعايش الصلاة الملكوتية .

 

هناك عدة بيانات يؤكد امير المؤمنين هذا المعنى فتارة ياتي بهذا البيان بكل اجزاء الصلاة يذكر تاويلها الملكوتي وتارة يذكر تاويله مثلا خصوص الركوع وخصوص السجود ، حتى التورك في الصلاة له تاويل معرفي يعني اقيم الحق وادحض الباطل فاليمين حق واليسار باطل يعني هذه التورك لها في الصلاة بعد معرفي .

 

قراءة سوره الحمد صحيحة ضرورية ولكن الاعمق منه ان تعرف ما هو معنى سورة الحمد كي يؤدي الانسان الصلاة الملكوتية وهي اعظم من الصلاة البدنية الدنيوية فالتسبيح معرفة سبحان الله معرفة يعني تنزيه معرفي والتحميد يعني في ما يعني عدم التعطيل ولكن عدم التعطيل وعدم التشبيه جناحان يلتقيان بشكل متوازي في درجات في التوحيد والتثبيت كما يقول امير المؤمنين اول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به يعني هناك درجات وكمال التصديق به .. يعني التصديق هناك فيه كمال وغير كمال وكمال توحيده يعني التوحيد ايضا درجات فيه كمال وكامل واكمل وفيه متوسطه وفيه ادنى التوحيد .

 

اذا التفت الانسان يعلم الترادف بين اللفظ الوحياني للعبادة المعرفية مع اللفظ المعرفي الفكري وهو معنى التاويل فمن لم يعرف تاويل الصلاة يعني تعرف ترجمان اللغة القلبية او العبادة الروحية البدنية ترجمتها باللغة الفكرية ما هو اذا لا تعرفه فانت عايش في السطح .

 

هناك عدة روايات لو تجمعها تصير حقيبة المؤمن فيها اسرار الصلاة وفلسفتها وحقيقة الصلاة الباطنة الملكوتية التي يامر اهل البيت بها وهي بجانب الصلاة الفقهية البدنية ، ايضا الصلاة القلبية ضرورية ومعرفتها ضرورية امروا بها ونحن نؤمن بما اتى به اهل البيت سواء رضي الاخرون ام لا .

 

ورد في زيارة فاطمة انا مصدقون بكل ما اتى به ابوك و وصيه فهذه نكتة جدا مهمة في بحث تاويل التسبيح والتحميد فالتحميد تثبيت عن التعطيل وعلاج عن التعطيل والتسبيح علاج عن التشبيه فالتسبيح بلا تحميد يصير تعطيل وايضا تحميد بلا تنزيه يصير تشبيه ومر بنا التعطيل درجات خفية وجلية ، والتشبيه درجات جلية وخفية واخفى وخفي وهلم جرا ، فربما الانسان يطهر من التشبيه الجلي ولكنه لا زال معشعشا في التشبيه الخفي فيظن نفسه موحدا قد وصل الى كمال التوحيد وهو بعد متوسط في التوحيد ، لا نقول انه كافر ولكنه متوسط في التوحيد .

 

فعندما يؤكد اهل البيت ان هناك تسبيح اعظم يعني هناك تسبيح ليس اعظم هذه لغة معرفية لكن بلغة القلب وبلغة العبادة ، فالتنزيه لله درجات انت اذا تنسب شؤون الاسماء بما هي اسماء مخلوقة الى الله لم تقم بالتسبيح والتنزيه الاعظم لله وللذات وللمسمى .

 

كثير من المقصرة يظنون انه اذا نسبوا شؤون الاسماء بما هي شؤون اسماء الى ذات المسمى احترزوا عن الشرك والغلو كلا بل هم وقعوا في التشبيه ، فالجبر درجات والتفويض درجات هناك درجات خفية صعبة التخلص منها قلبيا وعلميا ما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون .

 

الان المعرفة الالهية مع انه لا تنسب اوصاف المخلوق للخالق نزهوه من دون تعطيل ولا تشبيه، مر بنا في دعاء يوم الغدير والذي اورد هذا الدعاء لعله السيد ابن طاووس ان التنزيه درجات انت ايها المؤمن بعدك لم تطهر من كل مراتب التشبيه والتعطيل انت معطل من دون ما تشعر، وموجود في القران انه يدعو الانسان فيعطيه الله فيحسب هذه العطية للاخرين هذا شرك خفي وفي هذا الدعاء اشارة الى ان نصب العداء لاهل البيت درجات وما يطهر الانسان منها تماما الا بمجاهدة .

 

الغلو ايضا نوع تعطيل وهو درجات والتقصير كذلك يعني هذه الامور الباطلة في المعارف الكل مشبع بها في باطنه ولا يتخلص منها المؤمن الا ان يرتقي في معرفته خطوة خطوة ودرجة درجة فسقاهم ربهم شرابا طهورا والطهور درجات .

 

في سورة الانسان عينان عين الكافور وعين السلسبيل وليس درجة واحدة بل العيون في القران درجات وفي سورة المطففين ذكرت طبقات من العيون هذه الطبقات ليست من نصيب كل اهل الجنة هذه العيون تطهر قلب الانسان ومعرفته وفكره فبالتالي في هذا الدعاء في يوم الغدير الانسان الهمها فجورها والفجور الفكري اخطر من الفجور البدني والتقوى الفكرية اعظم من التقوى البدنية والنفسية فهذا الفجور الفكري كيف يتخلص منها الانسان حيث الفجور الفكري انجس من الفجور الشهوي وابغض الى الله من الفجور الحيواني ، فالمعصية الفكرية والقلبية اشد من الشهوة والمعاصي البدنية والنفسية .

 

هؤلاء المعاصي ليس نستهين بها ولكن هناك كبائر واكبر من الكبائر ، فالمعاصي ليست على درجة واحدة كذلك رجس القلوب اشد من رجس الابدان ، ابن سينا عنده رسالة لطيفة لكي يبرهن هذا المطلب الشرعي ، ففي هذه الرسالة يثبت هذا المطلب الديني ان الرجس البدني والنجاسة البدنية في الكفار معلولة ومتولدة من النجاسة الفكرية ، فالنجاسة الفكرية عين وينبوع النجاسة النازلة ، مثلا اذا الانسان اجنب من الحرام على الاقل مانع من الصلاة اذا لم يكن نجسا لذلك قال من احيا نفسا تاويله الاعظم هو البعد الفكري .

 

فمن الضروري الالتفات الى ان معرفة الأوصاف الإلهية ليست في قراءة جسمانية وحسية او مادية وانما يجب ان تكون بقراءة تنزيهية وتحميدية.