46/05/09
الموضوع : التفاوت في المخلوق دون أفعال الباري وصفاته
وصلنا الى هذا المقطع في اية الكرسي ﴿ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض ...﴾
هذه كلمة وسع عبارة اخرى عن الاحاطة وترادف عقلي بين وسع واحاطة وليس ترادف لغوي فالمراد من وسع ان يحيط الكرسي فورد في رواية المعارف الكرسي يحيط بالسماوات ليس الاحاطة الجغرافية لان الاحاطة الجغرافية من جسم في عرض جسم اخر في نفس الرتبة هذه احاطة قشرية سطحية حشوية بينما المراد الاحاطة الحقيقية .
كما ان استعلاء الباري تعالى على العرش او على المخلوقات ليس استعلاء جغرافي لانه استعلاء خواء قشري حشوي وانما استعلاء الرحمن على عرش المخلوقات استواء يعني سواء اليه المخلوقات ومقهور لديه علما وقدرة واللطيف في الاية في الجملة التي بعدها ولا يؤوده حفظهما يعني لا يثقل كاهله لان على هو هيمنته وقدرته ناجم من العلم فعلمه بكل المخلوقات وقدرته عليهم سواء يعني سواسيا .
ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة فخلق البعوضة وكل المخلوقات سيان ، فكيف العقل يستطيع ان يستوعبها ؟ يعني خلق كل المخلوقات وخلق ادنى المخلوقات عند الله في القدرة والعلم سواء وهذا ليس عند الله فقط بل عند اسماء الله فضلا عنه ، فهو فوق هذه الامور فشأن عالم الامر هكذا .
طبعا هذه الملكات والكمالات التي للاسماء تسند اولا للمسمى ثم للاسماء ، لا ان الاسماء مستقلة ، كلا هي مملوكة ولله الاسماء الحسنى فالملك لهذه الكمالات اساسا للمسمى وللذات الالهية تبعا للاسماء ، تبعية حكاية الحقيقة فقط له تعالى البقية حقائقها ايات لا انها مستقلة انتم الفقراء ولستم انتم اغنياء مستقلون .
اذن قدرة الله تعالى على خلق مخلوق لا تتفاوت قدرته مع خلق جميع المخلوقات وكل العوالم ، فالتفاوت في المقدور وفي المخلوق لا في قدرة الخالق ، مثلا ورد يا من لا يبرمه الحاح الملحين ولا يغلطه السائلون لكل مسألة منك سمع حاضر وجواب عتيد فاذن شأن الباري شأن ربوبي لا تفاوت فيه ولا في صفاته ولا في افعاله ولو فرض التفاوت فالباري لا في ذاته تفاوت ولا في افعاله مع ان افعاله مخلوقة فافعاله من جهة فاعلية الرب لا تفاوت فيها.
شبيه قوله تعالى ما يبدل القول لدي وما انا بظلام للعبيد ، فليس هناك تفاوت في ذات الباري بل ليس هناك تفاوت في صفات وافعال الباري وانما التفاوت في المخلوقات فهذه يبين ان افعال الباري مخلوقات لكن هذه المخلوقات من جهة اضافتها اليه تعالى لا تفاوت فيها .
ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ، الباري تعالى ليس عنده شيء اهون من شيء ، فكل شيء سواء ، لا عنده شيء ولا شيء اهون هذا حسب ذهن البشر وعقله وقدرته وقدرة المخلوقات والا هو تعالى يقول لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ، مثل هذا التعبيرات كالاشدية والاكبرية بحسب المخلوقات فيما بينهم لا بحسب الاضافة اليه تعالى وانما بحسب الاضافة اليهم لا اهون ولا هين ولا اصعب كل ذلك لا معنى له .
مثلا قول الامام الصادق وهو قول عظيم في السياسة والاجتماع وعلم الحضارات الاستراتيجية انه ازالة الجبل عند الله اهون من ازالة ملك ، لم ينقض اجله يعني نظام سياسي فكل نظام له امد وهذا ليس معناه ان الانسان يخمد ولا ينشط سياسيا لكن لا يستأخر الفرج .
المقصود انه الاهون والاصعب ليس في فعل الله انما بلحاظ نفس المخلوقات والا ورد ان الله اذا شاء ان يفرج عن صاحب العصر لسهل ذلك في ليلة واحدة ولاصلح امره في ليلة واحدة كخراج السبحة ، فبالنسبة اليه لا يوجد شيء هين وصعب كله هين بلا تفاوت بل الهين مسامحة وانما نقولها بلحاظ نظرة البشر وعقل المخلوقات .
مثلا ورد في الايات ان كيد الشيطان كان ضعيفا ويقول وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ، فالتفاوت فيما بين المخلوقات ومقايسة بعضهم الى بعض طبقات اما بالنسبة اليه تعالى لامعنى له .
مثلا خلق السماوات والارض في ستة ايام بلحاظ المخلوقات نفسها اما بالنسبة لفعل الله انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فكيف نجمع بين كن فيكون وستة ايام ؟ اربعة ايام وستة ايام بلحاظ المخلوق اما يكون عند الباري كون فيكون فكيف تجتمع الشيء الدفعي والشيء التدريجي؟ فمن جهة وجعل من الماء كل شيء حي وخلقكم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها ثم بث فيها ... يعني هذا تدريج بالنسبة للمخلوقات لكن بالنسبة اليه تعالى لا يتكأده شيئ .
اذن بالاضافة اليه تعالى لا تفاوت لا في الصغر ولا الكبر مثلا من باب تقريب الذهن كانما كل المخلوقات في نقطة واحدة عنده تعالى هذا تمثيل حسي جسماني منتظم بعقل التنظيم علما قدرة تدبيرا فالمسافات المكانية فيما بين بعضها البعض متباعدة ولكن عند الباري هي نقطة واحدة او القرب والبعد هذا ليس جغرافي وانما هو يحتوي الجغرافيا ونقطة واحدة وهو يحتوي كل العالم الجسماني في نقطة واحدة فالعالم الجسماني ابعاده فيما بينها متباعدة مختلفة اما بالنسبة للباري ليس بعد وانما هو كله قرب في قرب ، قرب في التصرف وفي القدرة وفي العلم بل العوالم الجسمانية كلها مع عوالم جسمانية اخرى كلها نقطة واحدة مع اختلافها حتى في اللطافة والغلظة فالجنة والنار والاخرة والدنيا والاولى كلها عند الله نقطة واحدة .
هل اولية الله تباين اخريته؟ هل اوليته تصرمت؟ ابديته ستأتي او حاضرة ؟ اذا قلنا ستأتي وليست موجودة هذا نقص في الله فاوليته عين اخريته واوليته عين ابديته ، هذه في المخلوقات سيأتي ولم ينوجد بعد اما في الباري لا يمكن ان نقول سرمديته لم تنوجد فلا تفاوت في ذاته ولا في صفاته ولا في اسمائه ، فالاسماء فيما بينها متفاوتة اما بالاضافة الى المسمى لا تفاوت وحتى لا يتفاوت هو حاله بلحاظ الاسماء كيف الان هذا يتصور؟ يعني ازليته ابديته او اوليته عين اخريته فقدمه وعين بقائه كيف يكون؟ بالنسبة للمخلوقات هذا تفاوت وتغاير اما بالنسبة اليه كالنقطة .
الان لاحظوا الدائرة فيها ثلاثمائة وستين نقطة اما النقطة المركزية في الدائرة هي نقطة واحدة هذه النقطة المركزية في الكرة نسبتها الى الدرجات الاولى في المحيط كنسبة الدرجات مئة وثمانين ومئتين وسبعين وثلاث مئة وعشرين ثلاث مئة وخمسة وخمسين هذه النقطة مع انها حسية مادية في الدائرة هي على سواء واستواء مع النقاط المتكثرة .
طبعا في علم المعارف والعلوم الغريبة المحللة او المحرمة الدائرة لها خصوصية خاصة في الطلسمات والاحراز وفي المعارف فالدائرة لمحة من ملامح التوحيد والالوهية ونوع تشبيه المعاني المعنوية التوحيدية المجردة الغامضة تمثيلها بامثلة هندسية .
مثل تعبير النبي حبل ممدود فالتمثيل الحسي له معاني غامضة غيبية فكيف النقطة في الدائرة سواء ؟ يعني الان حركة المتحرك في بدء الدائرة الى ربعها الى نصفها الى ثلثيها الى ثلاثة ارباعها النقطة هي هي ، قرب وبعد النقطة من المحيط هو هو وسواء ، لذلك بعض الفلاسفة او القدماء يعبرون عن الباري كالنقطة في عوالم المخلوقات ولو كان هذا الكلام غير صحيح فالمخلوقات بالنسبة الى عندية الباري كنقطة فلا تفاوت جغرافي ولا زماني ولا مكاني ولا في الطاقة ولا في الكمالات بمعنى ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فما دونها ما فوقها يعني بالنسبة اليكم تتفاوت البعوضة عن السماء وكل علم الجسماني اما بالنسبة اليه لو تتفاوت لتفاوتت قدرة الله .
﴿وَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ هذه الاية لها معاني عديدة نعم روح الانسان اعظم من خلق السماوات والارض اذن اي شيء في السماوات اعظم من الانسان؟ هو الجانب البدني فبدن السماوات والارض اعظم من بدن الانسان فهذا بلحاظ البدن لا الروح والا السماء مسخرة للانسان وكذلك الارض ، والمسخر له افضل من المسخر فكيف يكون اعظم؟ اعظم يعني من جهة البدن والمادة .
سيد الانبياء بدنه بشري وليس كسعة السماوات والارض لكن هذا المبنى البشري طبقات روحية اعظم من العرش والكرسي وان تعلقت ببدن محدود الجثة فيجب ان نعي هذه المطالب والا ليس لدينا توحيد اذا كنا نظن ان هذا تفاوت عند الله اذن هذا ليس مخلوق وانما صورت له خالقا اخر والاخر الذي ظننته هو الله .
هذي كلها ببركات اهل البيت فبالنسبة الى الباري كل المخلوقات وكل العوالم المجردة وغيرال مجردة وجسمانية كلها نقطة واحدة لا يتفاوت عندها شيء لكن فيما بينها تتفاوت فكيف يمكن تصويره؟ هذه الطبقات في معرفة التوحيد وفي معرفة الله وفي تصديق الله وفي اخلاصه وفي نفي الشرك في معرفة الانسان .
انت كيف تتصور كل الجغرافيا نقطة واحدة وكل الزمان نقطة واحدة ؟ يمثلون به بالنقطة المركزية في الكرة والدائرة ، بدء المتحرك في المحيط ونهاية حركتها بالنسبة اليه النقطة مشرفة على كل البقاع الزمانية والجغرافية في آن واحد وفي دفعة واحدة وفي نسبة واحدة ومادة واحدة فكيف بالله .
ورد في الاخبار توصيف الائمة بالقطب لكن الصوفية سرقوها وكثير من المتكلمين الامامية عبروا هذا التعبير بالنسبة للامام انه قطب عالم الامكان ولكن بالنسبة للباري هكذا يا من هو هكذا وليس هكذا غيره ، كيف يمكن تصويره ؟
لاحظوا ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ، ولذلك لا معنى ان تقول الباري يباشر ، هو متى كان معزول كي يباشر ؟ الذي ينعزل ويبتعد ويقترب هذا يقال له يباشر فاي شيء يبتعد عنه واي شيء يقترب منه ؟ هذه بالاضافة الى الباري لا بالاضافة للمخلوقات فيما بين بعضها البعض ، ففي الحالة الاخيرة هناك مبعد ومقرب وتصوير هذا الامر ماديا عقليا تجرديا دوما بحاجة الى التدبر وتفهم كي يلتفت الانسان اليه.