46/05/03
الموضوع : الفارق الأعظم بين أفعال الباري و المخلوقين
وصلنا في اية الكرسي الى هذا المقطع المرتبط بالعلم الالهي باعتبار ان اية الكرسي هي من امهات محكمات القرآن كما ورد ذلك في الروايات .
﴿يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض﴾ هنا وسع ايضا اشارة الى العلم وسع كرسيه وهنا وسع بمعنى الاحاطة وليس المراد سعة جغرافية ، والسعة المعنوية او القدرة اعظم من السعة الجغرافية فان كان في السعة الجغرافية كمال ونواقص ففي السعة المعنوية هذا الكمال من دون نواقص وهذا امر يجب على الانسان ان يتصوره ويتفكر فيه ويتدبره .
﴿الرحمن على العرش استوى﴾ العرش ليس المراد به الجسمية وان كان العرش عبارة عن ملك عظيم ولكنه جسماني وجسمانيته الطف من الجنة والطف من السماوات ولكن الاستعلاء هنا يعني الهيمنة وليس استعلاء جغرافي ، فالمراد به هيمنة قدرة تسلط فالتسلط المعنوي لا يفتقر الى الحضور الجغرافي والذي يفتقر الى الحضور الجغرافي ناقص في الفاعلية .
طبعا النقص في فاعلية الفاعل لا تنحصر بمثال الحاجة الى الحضور الجغرافي والذي يعبر عنه المباشرة يباشر يعني يحضر جغرافيا فالبعض ربما يتوهم انه عندما تقول الله لا يفعل مباشرة يعني يفعل بالواسطة ، يعني الباري معزول عن الفعل ؟ كلا ليس هذا المراد نعم هذا في المخلوقات وفي البشر لما تقول ما يفعل مباشرة يعني مثلا الوكالة اعتبارية مثل الجيش او فريق عمل يقوم به فالمراد من توقف الفعل والفاعل على المباشرة الجغرافية افتقاره لها والباري تعالى متى ابتعد عن خلقه كي يحتاج الى ان يقترب ؟ فقربه ليس جغرافي ولا بعده جغرافي .
فالباري لا يفعل مباشرة جغرافية لانه نقص كما ان الباري في فعله لا يفتقر الى المباشرة الروحية الان مثلا ملك الموت اذا اراد ان ينزع ارواحنا وكذلك اعوانه لابد ان يحصل بيننا وبينهم حضور روحي لانهم ليسوا حاضرين دوما معنا حتى اذا جاء احدهم الموت يعني الملائكة تبتعد روحيا وتقترب فيقال لها حضور مباشري روحي والباري منزه عن ان يقترب ويبتعد فلا يقترب ويبتعد روحيا ولا جغرافيا .
فالباري يميت وملك الموت يميت ما الفرق بين الفعلين؟ كذلك اعوان ملك الموت يميتون وملك الموت مأمور بطاعة خليفة الله تكوينا ومر بنا ان ادم كخليفة لله له ولاية تكوينية وان لم تكن جبرية فالملائكة المقربين وكل قبائل وصنوف الملائكة يشتركون في هذا .
معنى قلنا لملائكة اسجدوا ليس فقط ولاية تشريعية فلخليفة الله ولاية تكوينية وان لم تكن جبرية فطبقات الملائكة اذا كانت تميت وتحيي فهو يفترق عن احياء واماتة الله واحياء اسرافيل يفتقر الى الصور وهو جهاز ملكوتي ينفخ فيه فاسرافيل وعزرائيل عندما يقومون بالاماتة يحتاجون الى ارتباط روحي بينهم وبين الانسان او الجن او اي مخلوق بينما الباري منزه عنه .
التعبير في القرآن الكريم ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ والملائكة باسطوا ايديهم اخرجوا انفسكم فالقرآن يبين ان هذه الاماتة فيها تباشر الروح اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن اياته تستكبرون .
هاي الايات الناطقة هي الحجج ولا يستكبر على ايات او على ايات الافاق وانما يستكبر على خليفة الله وابليس تكبر على ادم ، فابى واستكبر فاذن هناك افعال بالمباشرة الجسمانية الجغرافية وهناك افعال يصدرها المخلوقات بالمباشرة الروحية القلبية والباري منزه عن الاحتياج لا للمباشرة الروحية ولا القلبية ولا البدنية فلا مباشرة روحية ولا جغرافية ففعله تعالى ليس على نمط فعل عزرائيل او اسرافيل فملك الموت ينظر الى كل بيت في كل يوم خمس مرات يعني يصفح وجوههم يعني صفحة وجهي تتقابل مع صفحة الروح والروح وجه للانسان اعظم من هذا الوجه البدني احد اسماء روح الانسان هو وجه الانسان ولعل المعنى فول وجهك شطر المسجد الحرام زيادة على الوجه البدني هو وجه القلب تجاه المسجد الحرام لان الروح ايضا يسمى بوجه للانسان بل اعظم .
فالوجه القلبي والروحي اعظم من الوجه البدني ولعل قوله تعالى عن لسان ابراهيم وجهت وجهي للذي فطر ... ووجهت قلبي قبل ان اوجه بدني فبالتالي اذن غير الباري يفعل ما يفعل سواء بافتقاره الى الحضور الجغرافي او الروحي او الحضور القلبي لكن الباري منزه عن الحاجة هنا ايضا لغز معرفي موجود ان كل الافعال التي تصدر من المخلوقات لابد ان تكون لها نسبة الى الله والا لكانت مساحة مستقلة في الوجود .
قوله تعالى وان تصبهم سيئة تطيروا بك فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك ، يقول الصدوق في كتاب الاعتقادات وهو كتاب عظيم وان كان قضية السهو النبي زلة فيه لكنه كتاب عظيم جدا فيه مباني وحيانية عظيمة فمن ضمن ما يذكره يقول ان عقيدتنا في الخير والشر ان الخير تقديره بيد الله لكن الشر فعله من العباد والخير من الله هذا نص الاية الكريمة وهذه نكتة مهمة ان الشر وان لم يكن سببه من الله لكن الهيمنة وتخطيط الشر بيد الله فالقضاء والقدر تحت يده فمن جهة الشر لا تنسبه الى الله ولكن ليس الشر منفلت وانما هو تحت هداية الباري .
شبيه الان الدولة تستطيع ان تقضي على الاشرار لكنها تفسح لهم المجال لحكمة او لاخرى فاذا فعلوا جريمة هذا ليس معناه انهم خارجوا عن سيطرة الدولة وهل سببها الدولة ؟ كلا وانما كتخطيط وقضاء وقدر الدولة مهيمنة ومشرفة لكنها لا تعاقب قبل الجريمة وبالتالي السيطرة على الاشرار في نطاق محدود معين .
فاذن فرق بين ان نقول الشر من الله وليس عندنا اله شر هو اله واحد فقضاءه وتقديره وتخطيطه من الله واله واحد يصدر الخير ولكنه لا يصدر الشر افعال الخير تنسب الى الله والشر ليس اليه فالافعال الحسنة تسند الى الله وافعال الشر تسند للمخلوقات ولا تسند تسبيبا اليه ولكن يسند القضاء والقدر اليه يعني هو مسيطر عليه وليس خارج عن قدرته .
فاذا كانت الافعال طرا تسند اليه تعالى فبالتالي هي مادية كيف تسند اليه؟ ان كان اسناد هذه الافعال المادية او حتى الفكرية والقلبية بمعنى ان الله محتاج الى هذه الاليات فهذا اسناد باطل فيعني حتى الصفات الفعلية في الافعال اما نكون مشبهة او معطلة او امر بين امرين .
اذن افعال الخير في المخلوقات طرا تسند الى الله لكن بدون تشبيه لايحتاج الى الاليات البدنية ولا الروحية ولا القلبية ولا الوساطات وانما المخلوق يحتاج اما مباشرة دنيوية اومباشرة روحية لا ان الباري يتوقف على المباشرة الجغرافية او الروحية او الفكرية او القلبية او العقلية حاشاه فلا يتوقف فعله على الية ولا يفتقر فعله الى اي فعل من افعال تسند اليه .
اذن هذه سلسلة الاسباب والمسببات يحتاج لها المخلوقين ففاعلية الله للافعال الحسنة لا تتوقف على المباشرة الروحية فالمقصود ان افعال الله ليست كافعال المخلوقات مع ان افعال المخلوقات في جانبها الخيري يسند اليه تعالى مع ذلك هو لا يحتاج الى الاسناد والوسائط فلا تشبيه في الافعال تقول ان المخلوقات مستقلة في الافعال صحيح بل هي امر بين امرين فاذن الباري هو منزه عن الوسائط وفعله ايضا منزه عن الوسائط والاسباب ولكن المخلوقات تحتاج الى وسائط واسباب .
فالامر دقيق وغامض ففي حين ان الافعال تسند اليه لكن لا بنحو التشبيه فمن اسند الاماتة اليه كما يسند الاماتة الى عزرائيل فقد شبه في حين ان المخلوقات تحتاج الى وسائط هو لا يحتاج الى وسائط .
هناك بعض اشكالات للعرفاء وللصوفية غير محلها ان الباري لا يحتاج الى وسائط فاذن الوسائط غير موجودة هذا لا ربط له ، فالوسائط موجودة لحاجة المخلوقين وليس لحاجة الخالق ، وهذا لايفككون فيه ان المخلوق في الفعل والافعال تحتاج الى واسطة والباري في نفس الفعل لا يحتاج الى واسطة يعني الفعل باسناده الى الباري لاعلى نحو التشبيه لكن في اسناد هذا الفعل الى المفعول به يحتاج الى وسائط فكيف يصير ؟ هذه حزورة ما فهمها ابليس وكثير من العلماء لا يفهمونها او الصوفية لكن في بيانات اهل البيت تفسير لها .