الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

46/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الصفات الذاتية والفعلية وأحكام الأجسام

 

وصل بنا الكلام في اية الكرسي الى ﴿يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض﴾ هذه الجمل المتعددة كلها مرتبطة بطبقات العلم الالهي ، طبعا الباري علمه بالاشياء قبل تكوينها وقبل انشائها وقبل تصويرها وقبل ان يبرأها فهو عالم اذ لا معلوم بقول مطلق فهذه طبقة من العلم الالهي فهذه صفة ذاتية .

اما اذا انيط العلم الالهي بالمعلوم والوجود الخارجي المعلوم والمخلوقات هذه ليست من الصفات الذاتية وانما من الصفات الفعلية وهذا هو الضابط في الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية ان الصفات الفعلية وصف يتكون في حين ان الصفات الفعلية حادثة وليست ازلية نعم الصفات الفعلية منبثقة من صفات ذاتية ازلية يرزق من يشاء او يقبض ويبسط فكونها صفة الهية لا يعني انها ليست حادثة وليست مخلوقة فمع انها صفة فعلية لكنها حادثة ومخلوقة ناجمة من الفعل الالهي

اذا هي صفة الهية بمعنى ان منشأها يرجع الى الصفة الذاتية يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فبالتالي اذن الصفات الفعلية يختلف حكمها عن الصفات الذاتية الصفات الذاتية هي الاخرى حادثة لكن لا ينظر الى حدوثها وانما ينظر بها فلا يلتفت الى جانب حدوثها فهذا ليس تناقض مثلا صفة الازلية صفة السرمدية كيف يصير حادث؟

هذا البحث اثير في العقليات مثل ازلية الزمان او ازلية الرتبة كما ان نفس السبق واللحوق والتأخر والحدوث كحدوث زماني وحدوث ذاتي وحدوث رتبي فليس المراد من الحدوث هو حدوث زماني كما انه ليس المراد من الحدوث حدوث عوالمي ، في العقليات ذكروا ربما ثمانية اصناف واضاف عليها ملا صدرا نوعين فصار قريب عشرة انواع من الحدوث وهذه الانواع المتعددة من الحدوث احكامها التكوينية مختلفة وليست احكامها التكوينية على وتيرة واحدة فمن الخطأ تعميم احكام الحدوث الزماني لانواع اخرى من الحدوث بل الحدوث الزماني هو الاخر فيه طبقات ودرجات وليست درجة واحدة .

فالزمان مثلا زمان الضوء تختلف عن زمان حركة الصوت والضوء ايضا طبقات وطاقات انت لاحظ الان رسالة نصية في شبكات التواصل الاجتماعي باقل ترسل من ثانية من شرق الارض الى غربها الاف الكيلومترات فكما عندنا يوم وشهر واسبوع وكذا عندنا ثانية ودقيقة الثانية ستين ثالثة والثالثة ستين رابعة والرابعة ستين خامسة والخامسة ستين سادسة فتلك ازمنة لطيفة كلها مجردة كانها كن فيكون وكانها دفعية فحتى الحدوث الزماني هو الاخر يختلف عن بعضه البعض في احكامه .

احد الحداثويين عندما يريد ان يشكل على الوحي مع انه درس فلسفة الى حد ما فيقول كيف نصدق ان جبرائيل يعرج من النبي الى الله ثم ينزل في اقل من لحظة يعني هو يريد ان يقيس الوحي على الجسمانيات وهذه لها تداعيات انحرافية الى ما شاء الله او حتى بعض تعابير المتكلمين في كيفية تلقي النبي لاصوات الوحي او الامام كانما هو تلقي زماني تدريجي ممتد كالذي نحن نتلقاه فالاحكام الجسمانية تختلف عن بعضها البعض لطافة وغلظة وشفافية وسرعة وزمانا فثبت العرش ثم انقش .

فهل الاجسام كلها زمانها واحد وحركتها واحدة وسرعتها واحدة وكيفيتها واحدة ؟ هذا اول اشتباه وذكرت لكم انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فجل الفلاسفة والمتكلمين والعرفاء والمفسرين حتى الشيخ احمد الاحسائي يقولون عالم الامر مجرد وكذا العلامة الطبطبائي انه ليس من عالم الجسمانية وانما تدريجي كانما دفعي ولكن بحسب بيان الوحي كل هذا تصورات هو ليس من عالم المجردات المطلقة لكنه من لطافته ولطافة زمانه وكانما بالنسبة للعوالم ما دونه مجرد والا كن فيكون دليل على التدريج نعم المجردات موجودة وهذا يترتب عليه بحوث معرفية الى ما شاء الله ان نقول عالم الامر هل هو عالم المجردات المطلقة؟ او التجرد النسبي ؟

مثلا الطاقة في علم الفيزياء الفيزيائيون كانوا يبنون على ان الطاقة ليس من عالم الاجسام وبعد ذلك التفتوا الى ان الطاقة جنس للاجسام ولذلك العلامة في نهاية الحكمة بنى على ان الطاقة جنس للاجسام وليست من الاجسام وهذا ايضا غفلة لانه رجع الفيزائيون عما قالوا ، قالوا الطاقة ايضا جسم لكنه لطيف له طول وعرض وعمق لكن بشكل الطف .

فالمقصود ان هذا المطلب هو من الامور الغامضة وبقيت غامضة على الفلاسفة والعرفاء والمفسرين والمتكلمين وقد اشار اليه الوحي وهو ان الاجسام والزمان والمكان ولوازم الجسمانيات وتبع الجسمانيات ذا عرض او ذات قائمة طويلة الذيل في درجات التفاوت في اللطافة والاحكام ولعل الاشارة في قوله تعالى ان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون يعني يوم الزماني للعروج بالنسبة اليكم الف سنة يعني لو يطوى بالجسمانيات الارضية هذه مسافة العروج تكلف بالجسم الارضي وقتا مقداره الف سنة وفي اية اخرى يعرج اليه الملائكة والروح في يوم مقداره خمسون الف سنة مما تعدون ، فقطعا ليس مراده ان عروج الملائكة ونزوله يستغرق وتمضي خمسين الف سنة على الارض كي يصير عروض ونزول الملائكة وانما عروج نزول الملائكة كاللحظة .

المقصود ان هذه الاجسام الغليظة الثقيلة وارادت ان تتحرك حركة الملائكة وتنزل وتصعد تستغرق خمسين الف سنة ارضية او حتى عندنا في الروايات ان الجن ريحها يشم كذا الف سنة وهل هناك مسافة بين الجسم اللطيف والجسم الغليظ؟ الى الان في علم الفيزياء والرياضيات هذه من الغوامض التي لم يستطع اكتشافها فاي معنى له؟ اذا كان بين جسم لطيف وغليظ او بين جسم لطيف ولطيف هذا صح والالطف والالطف هذا صح والغليظ والغليظ صح اما بين الغليظ واللطيف كيف نقيس الزمان والمكان ؟ لان عالم الاجسام اللطيفة لها زمانها الخاص بها ومسافتها الخاص بها حتى المساحة الجغرافية .

الان لما يقال الكرسي وسع السماوات يعني هل جسم غليظ لاجسام غليظة ؟ كلا اذا كان جسم غليظ لاجسام غليظة يعني احاطة جغرافية غير نافذة في السماوات ليس هذا المراد الاحاطة في الاجسام الغليظة هذه احاطة سطحية ، فاحاطة الجسم اللطيف في الغليظ هو ليس من قبيل احاطة السطح ، واللطيف في الغليظ داخل في الغليظ لا بالممازجة وخارج من الغليظ لا بالمزايلة النسبة الجغرافية حتى بين الجسم مع انه جسم لطيف وجسم غليظ النسبة الجغرافية والزمانية والمكانية ليست كالنسبة الزمانية بين اللطيف واللطيف او الغليظ والغليظ او الالطف والالطف ، فالالطف والالطف هو نفس الزمان والالطف والالطف هو نفس الزمان وهو نفس المسافة ونفس المقادير اما بين الالطف واللطيف نفس المقادير او شيء اخر ؟ وكذلك بين اللطيف والغليظ او الالطف والغليظ الكلام الكلام .

فالبعد الكمي زمانا ومسافة وجغرافية مع اختلاف الاجسام في اللطافة والغلظة ليست على وتيرة الاجسام الغليظة وانما لها معادلات اخرى فهذا كيف يمكن اكتشافه ؟ كما انه والله بكل شيء محيط هل احاطة الله جغرافية غليظة جسم لجسم ؟ كلا .

الفلاسفة يصورون ان احاطة الله بالعالم المادي كاحاطة الروح بالجسد كلا هو اعظم من ذلك هذا تشبيه بالمخلوق فيقولون احاطة الروح للجسد هذا غير صحيح الروح جسم لطيف يحيط بالجسم الغليظ ولكن الله انزه من هذا لان الروح مفتقر الى الجسد في اعمال البدن والروح لا تستطيع ان تفعل افعال البدن الا بالتعلق بالبدن ومحتاجة للبدن كآلة والله منزه عن الاحتياج .

فاذن احاطة الباري بالاجسام المادية ليست كاحاطة الروح بالجسد فضلا عن احاطة الجسم الغليظ بجسم غليظ او جسم لطيف بجسم لطيف اذن لو افترضنا في عالم الجسمانيات المختلفة لطافة وغلظة المقادير الكمية زمانية مسافية هذه المقادير الكمية تأخذ طابعا اخر ومعنى اخر ونوع اخر وحركة اخرى .

ربما الحداثويون او العلمانيون يقولون كيف ورد في روايات المعراج ان عزرائيل يقول الارض لدي بما مكنني منه ربي كالكف مثلا او كالدرهم في الراحة هذا التساؤل سببه بانهم يظنون ان كيفية احاطة عزرائيل وهو من الملائكة في السماء الاولى او الثانية او السابعة يظنون ان احاطته كاحاطة الاجسام المتساوية عرضا لبعضها البعض في جانب الغلظة واللطافة ، كلا ليس الامر هكذا فكلما يشتد الجسم لطافة يحيط بالغليظ كاحاطة المجرد بالجسم ان المجرد نسبته الى الجسم والى كل مقادير الجسم احاطته على السواء .

كما قوله تعالى الرحمن على العرش استوى الفلاسفة يقولون العرش مجرد وهكذا جملة من المتكلمين وحتى الشيخ احمد الاحسائي او الصوفية والعرفاء لكن الصحيح العرش في نفسه ليس بمجرد بقول مطلق نعم لا انه جسم غليظ وانما هو الطف من السماوات والطف من الجنة ولكن كونه الطف لا ينفي العامل والبعد الكمي الزماني ومسافة ومقداره ولكن بدرجة من اللطافات اذا تمت المقايسة بينه وبين عالم الجنة فضلا عن عالم القيامة وعن عالم البرزخ وعن الارض كأنما هو وجود دفعي فهل نحن نستطيع ان نرصد الثانية كم العدد من الثالثة؟ او نرصد الرابعة اللي هي اقل من الثانية واقل من الثالثة او نرصد الرابعة اللي هي ستين مرة من الرابعة تصير ثالثة وستين مرة من الثالثة ثانية وستين ثانية تصير دقيقة ؟؟ كلا لا نستطيع ان ندركها وعدم استطاعتنا لادراكها لا يعني انها ليست من احكام الجسم فادراكنا لها لاننا مأنوسين بدرجة من الاجسام لا نستطيع ان ندرك ادراك بقية الاجسام لكن ليس معناها انها ليست بجسم هي جسم ولكن الطف كانما بالنسبة الينا مجرد لكن هي ليست مجرد بقول مطلق .

هناك فرق بين المجرد بقول مطلق عن الجسمية وهذا ما قبل خلق عالم الاجسام وفي بيانات الوحي ان اول عالم جسماني خلقه الله كذا كذا ولكن بينه وبين العرش او عوالم لا متناهية هذا اول عالم جسماني وكانه مجرد يعني احكامه مجردة لكنه ليس مجرد .

اذن هذا التصور صعب رياضيا هندسيا عقليا فلسفيا كلاميا عرفانيا انه كيف الاجسام مع بعضها البعض تختلف لطافة وسرعة وزمانا .

هناك نقطة ذكروها في المباحث العقلية مهمة ان كل جسم له زمانه الخاص به افترض جسم من رتبة جسمانية عرضية واحدة مع ذلك زمان هذين الجسمين ليس مشترك فكل جسم له زمان الان عمر الارض وعمر الشمس بالدقة يقولون زمان الشمس غير زمان الارض لان كل جسم له حركة خاصة ومسافة معينة فعندما نقول حركة الشمس زمان لنا والقمر وحركته زمان لنا وجعلنا الشمس والقمر ايتين فقدرنا كذا كذا بالدقة هذا حساب نسبي اضافي والا ليس هو زمان الان جنابك عمرك يختلف عن زمان عمري ويختلف حتى في الزمان وفي نمط الزمان نعم نحن نقول اننا متعاصرين ولنا زمن واحد هذه نظرة سطحية والا بالدقة عمر كل جسم يختلف زمانه عن زمان جسم اخر وهذه نقطة صار فيها غفلة كبيرة من الفلاسفة والمتكلمين والعرفاء والصوفية ان الزمان في الاجسام على وتيرة واحدة .