الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

46/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الجمع بين النظر بالايات وإليها نجاة من التشبيه والتعطيل

 

كان الكلام في هذا المقطع من اية الكرسي ﴿من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه﴾ ومر ان هنا الشفاعة مع انها وسيلة ووسيط الا ان له في الوحي تبيان لاخذ قيود اكثر في الوساطة وكما مر بنا الوساطة درجات وكذلك الحكاية والوسيلة ففي الاحاديث المتواترة بين الفريقين ان الوسيلة درجاتها العليا لسيد الانبياء والدرجة اللاحقة لامير المؤمنين وبعبارة اخرى الوسيلة ليست مستقلة وليست خالق وانما هي مخلوق ومع ذلك النظر الى المخلوق اذا كان بنظر يتفانى في هذا النظر حكاية المخلوق في الخالق يكون نظرة توحيدية اكثر فهذا البيان ايات كبرى كما في القرآن الكريم حيث هناك ايات كبيرة وايات متوسطة وهناك ايات عادية مثلا في القرآن الكريم وجعلنا ابن مريم وامه اية ليس فيها اية كبرى طبعا ايات الله كلها عظيمة ومقدسة ولكنه لم يصفها بالكبرى او الكبيرة او ان الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها ولم يقيد الايات بدرجة معينة .

فاذن بمنطق الوحي حكاية الاية او قل ايتية الاية درجات ومن ثم في منطق الوحي الاسماء درجات فالاسم الاعظم مقابل للاسم العظيم وهذا تعليل معرفي عقلي عظيم من الامام الباقر اللهم اني اسألك من بهائك بابهاؤه وكل بهائك بهيء اللهم اني اسألك من بهائك كله فكل اسم له درجات من الحقائق فمن اول دعاء البهاء الى اخره معارف عجيبة وغريبة وشرح هذا الدعاء عدة من الفحول اللهم اني اسألك بعلمك من علمك بانفذه وكل علمك نافذ اللهم اني اسألك بعلمك كله اللهم اني اسألك من قدرتك بالقدرة التي استطلت بها على كل شيء وكل قدرتك مستطيلة اللهم اني اسألك بقدرتك كلها وهلم جرا .

فالامام الباقر يريد ان يبين ان الاسماء طبقات بل الاسم الواحد طبقات فلا تظنن ان هذا الاسم هو اخر الاسماء وانما هناك فيما وراءه مهيمن مع ان الاسماء دلالات على ذات مسمى والذات الالهية مع ذلك الدلالة درجات في الاسماء فاذن المعرفة بالاسماء درجات والتوحيد كمعرفة بالاسماء درجات والمعرفة درجات والخلوص درجات ونفي الشرك درجات والشرك درجات وكذلك النور والظلمة وموجود في بيانات العترة ان الطريق الى الله طويل ، آه من بعد السفر فسمى امير المؤمنين لقاء الله سفر وطريق بعيد طويل ، فالاسفار الاربعة التي يذكرها العرفاء والفلاسفة مأخوذ من بيانات اهل البيت وفي بيان اخر للامام الحسن العسكري السفر الى الله يحتاج الى امتطاء الليل فعبر الامام بانه سفر يعني حركة معرفية روحية فيه .

فاذن المعرفة درجات والادراك درجات وليس درجة واحدة مثلا في بيان لهم عليهم السلام عبادة الاحرار عبادة التجار عبادة العبيد لكن مر ان الجمع اكمل وبشكل متوازي شبيه ما ورد عنهم حقيقة الايمان في قلب المؤمن ان الرجاء والخوف وتنامي احدهما لابد ان يتساوى مع تنامي الاخر والا يؤدي الى الكفر فلا بد من توازن درجات الخوف والرجاء فالايمان متقوم بالرغبة والرهبة يعني الرجاء والخوف بشكل متوازي متوازن ومر بنا ضرورة النظر بالايات والنظر الى الايات لانه اذا جمع النظر بالايات مع النظر الى الايات يرجع الى ان نظرك بالايات يحدد انه اي درجة من الحكاية لديك كي لا تغفل عما هو اقوى حكاية فاصحاب القول ان النظر بالايات اشرف من النظر الى الايات الا يطالبون بما هو اشرف؟ فكيف يلتفت الى طبقات الاشرف وطبقات النظر بالايات وطبقات دلالة الايات والاسماء ان لم يلتفت اليها ؟

فالنظر الى الايات ليس حاجب بل خلع للحجاب وهذا عكس ما يتوهمه العرفاء والفلاسفة والمتكلمون فهذا برهان عقلي ان النظر الى الايات لكي لا تحتجب انت بهذه الاية وتلتفت الى ان هذه الاية هي الاسم الاعظم وهناك اسم الاعظم الاعظم فلا تظن بان هذه نهاية المطاف في الحكاية والدلالة فلو لم تلتفت الى الاية لظننت ان ما وصلت اليه هو ذات المسمى فانت لا زلت في الطريق .

اذن النظر الى الايات ليس حاجبا بالعكس هو يخلصك من الحجاب شبيه ما مر بنا هذا المثال مرارا وهو مثال توحيدي وعرفاني معرفي في القرآن الكريم قصة بلقيس قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة ارادت ان ترتب الاثار على الصرح الممرد قيل لها انه صرح ممرد وهذا رمز اشاري توحيدي فهذا ليس اله قل ادعوا الله الاسم او ادعوا الرحمن الاسم ايا ما تدعو بعدك في الطريق هذه اسماء استغث بها ولكن وطن نفسك انها اسماء مملوكة وليست هي المسمى .

المقصرة يحسبون اثار الاسم هي المسمى فيشتركون مع الغلاة في هذا الخطأ وفي هذا الباطل يعني كل من المقصرة والغلاة هم مبطلون في هذه النظرية وان اختلفوا في الصياغة مثلا اسم له اثار يقولون هذا هو نهاية المأمول فهذا غلو المقصر يقولون هذه الاثار للمسمى وليس للاسم والحال ان المسمى منزه عن هذه الاثار فبالتالي هم يظنون ان هذه الاثار للاله فالغلاة والمقصرة اشتركوا في هذا المعنى فانظر كيف ان التخلص من الجبر صعب وكذلك التفويض ولزوم التوحيد والاختيار صعب كذلك التخلص من الغلو والتقصير .

كثير ممن يريد ان يتخلص من الغلو يقع في التقصير وكثير ممن يريد ان يتخلص من التقصير يقع في الغلو فالتخلص من كلا الجانبين ليس بالسهل كما في التعطيل والتشبيه فهناك من يريد ان يتخلص من التعطيل يقع في التشبيه ومن يريد ان يقع في التشبيه يقع في التعطيل وفي الحقيقة الغلاة والمقصرة كلاهما من جهة معطلة ومن جهة مشبهة من حيث لا يشعرون فما الذي يقي الانسان الباحث من الغلو والتقصير والجبر والتفريط والتعطيل والتشبيه ؟ هو الجمع بين النظريتين فاذا جمع بين النظر به والنظر اليه حينئذ لا يتوهم ان ما ينظر به هو اله وانما هذا حكاية وتجلي وليس هو اله .

كما مر بنا برهان من براهين كلمات اهل البيت ان ما تصورتموه وتوهمتموه في ادق عقولكم انما هو مخلوق ومصنوع لكم ومردود اليكم فنفس بيان العترة ان الانسان ليس مكلف في معرفة الله اكثر من الرؤية العقلية في حين الائمة يقولون الرؤية العقلية مخلوق لكم ومصنوع وموهوم مردود اليكم فهل هذا تناقض؟ كلا هما طائفتان متواترتان او مستفيضتان انه انظر بها ولكن لا تتخيل انك وصلت الى المعرفة الكاملة انما انت في وسط الطريق وليس نهاية الطريق ولا تقل انك احتوشت الذات الالهية وادركت كل الجمال والجلال هذا جلال الاسم وعظمة الاسم وعظمة المخلوق فكيف بعظمة الخالق .

مشكلة المقصرة ومشكلة الغلاة انهم يظنون ان وسط الطريق هو نهاية الطريق بينما اذا تلتفت الى انه صرح ممرد هذه ليست لجة البحر الاحدية فانت نظرت بها وغفلت عن النظر اليها فلما تغفل عن النظر اليها تقول وصلت الى لجة بحر الاحدية كلا ، هو ليس بسراب ولكن ليس لجة البحر الاحدية انت لا زلت في الطريق فنحن كثيرا ما اذا اردنا ان نتخلص من التعطيل نزج بانفسنا الى التشبيه وهذا خطأ فلكي لا نقول نحن معطلة نقول ما عرفناه هو الله وهذا خطأ يعني هل هو الله بتمام المعرفة وتمام الكنه؟ هذا خطأ نعم انت في الطريق وهذا صحيح على سبيل النجاة اما تقول واصل كلا . فلا تعطيل ولا تشبيه .

اذن من البراهين التي بينها اهل البيت ان الذي ينظر بالاية وبالاسم من دون ان ينظر الى الاسم يخدع ويجهل ويصير عنده تشبيه من حيث لا يشعر فيشبه احكام الاسم باحكام المسمى ويظن نفسه انه موحد وقد تفادى الغلو بالعكس انت قصرت .

هناك مراتب من التوحيد لا يقدر عليها الا اهل البيت حيث كثير من الصفات التي ننسبها الى الله هي تشبيه اكثر مما هي تنزيه لاحظوا فسبح بحمد ربك فكيف سبح وبحمد؟ سبح يعني نزه و احمد يعني اسند ، نزه يعني انف من النقائص فكيف نفي واثبات ؟ سبح بحمد ربك في عدة مواطن فكيف يجمع بينها؟ الكلام الكلام كما يجمع بين النفي والاثبات وتنظر بها .

فلا تقل هذا نهاية المطاف فهناك عدة براهين عقلية عجيبة بينها الوحي وغفل عنها الصوفية والفلاسفة والمتكلمون وحتى بعض الفقهاء مر بنا التمثيل في المرآة في العجلة السيارة المركبة يقول احذر هذه المرآة لا تريك كل الحقيقة نعم استخدمها ولا تخسر انظر بها وانظر اليها لتنزه الحقيقة عن شوبها مثلا قد الطبيب يحتاج الى مكبر لرؤية الاجهزة الباطنية في العملية الجراحية فيرى الاعضاء كبيرة كي يلتفت الى ان هذه اجزاء ناعمة .

وامثلته كما يقول الامام الرضا كثيرة والمذكور في القرآن من اوله لاخره هو كله بحث الاسماء واثارها بما هي مؤدية اليه تعالى ومر بنا الفرق بين لا هو الا هو وبين لا اله الا هو وبين لا اله الا الله فهذي درجات ثلاث لا هو الا هو هذه الدرجة ولا اله الا هو درجة ثانية ودرجة ثالثة لا اله الا الله يعني بعدنا في طريق التوحيد وليس في النهاية .

لاحظ نفس كلام امير المؤمنين : وكمال التوحيد الاخلاص له يعني اياك ان تظن انك وصلت الى نهاية التوحيد التوحيد طريق طويل والمعرفة طريق طويل اول الدين معرفته فاذن المعرفة درجات وكمال معرفته التصديق به والتصديق درجات وكمال تصديقه توحيده وكمال التوحيد الاخلاص له وكمال الاخلاص كذا ... فالاخلاص درجات والمعرفة درجات والتصديق درجات فهذه كلها تقسيمات للمعرفة وتقسيمات للدين .

فالاخلاص ايضا درجات كما الاخلاص نفي الصفات عنه فاذا تثبت تصير مشبه ويقول عليه السلام اذا تثبت بالقول المطلق تصير معطلة واذا تنفي بالقول المطلق تصير مشبهة فحسب بيان نهج البلاغة كمال الاخلاص اثبات الصفات وبينه الائمة من بعديه بالفاظ اخرى فكيف ننفي الصفات فهذا تشبيه وانت تظن انه توحيد فانى لك ان ترقى الى التوحيد الخالص؟ نعم توحيد مخلوط بتشبيه وليس توحيد خالص والاخلاص درجات فهناك اخلاص في الفكر واخلاص في القلب فما ان الانسان يظن انه قد وصل الى نهاية العلم الا هو قد وقع في الجهل مثل رجاء وخوف ورغبة ورهبة فكيف لاتقع في التشبيه ولاتقع في التعطيل امر بين امرين اذن الجمع هو اكمل .