46/03/24
الموضوع: بين الشفاعة والوساطة والاذن الإلهي
وصل بنا الكلام في اية الكرسي الى هذا المقطع ﴿من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه﴾ ربما العام الماضي خضنا في الاذن الالهي وان لم نستوف كل ايات اذن الله فالاذن في هذه الاية يفهم انه ليس اعتباري فربوبية الرب وخالقية الخالق لا يقاومها استحقاق اعتباري فحقيقة ربوبية الباري تعالى وخالقية الخالق وميزه عن المخلوق ليس انشاء اعتباري بل هذا الاذن تكويني كقوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلم الا من اذن له الرحمن فليس هنا الاذن انشاء اعتباري فالمراد من الاذن الالهي ان المخلوق ليس له من نفسه ومن ذاته شيء وانما من الباري فافعاله ووجوده كلها من الخالق فباذنه يعني هذه الحقائق فيض منه تعالى سواء حقيقة وجود المخلوق او افعاله .
ربما في الروايات بين اذن الله ان لها معاني عديدة الا ان الشيء المهم في اذن الله هو الاضافة الى الخالق والنسبة اليه نسبة تكوينية وليست اعتبارية من ذا الذي يشفع ... والشفاعة كما مر بنا هي وساطة تكوينية فهذه وساطة وليست اصالة مع ان الوساطة هي ايضا فيها نسبة الى الله وفيها نسبة الى العبد تقول ان العبد شافع او واسطة في فيض الله ولكن فيها نسبة الى الله .
نلاحظ هذا البيان في كلام أمير المؤمنين التركيز على النسبة من الجهة التي تلي الرب يعني النسبة فيها جهتان كما لو قلت فوق وتحت هي نسبة واحدة او نسبتان متكررتان فمن الجهة التي الى السقف تقول فوق ومن الجهة التي الى الارض تقول تحت وهذه الفوق والتحت شيئان والمخلوق له نسبة الى الباري تعالى نسبة تكوينية فهذه النسبة من الجهة التي تلي الرب اذنه تعالى والنسبة الى الجهة التي تلي المخلوق هي الشفاعة وهذا بحث حساس واستعرضنا كلام امير المؤمنين الهي كفى بي فخرا ان تكون لي ربا فملاحظة النسبة الى الجهة التي تلي الرب وكفى بي عزا ان اكون لك عبدا والعبودية هي ملاحظة النسبة من الجهة التي تلي العبد المخلوق .
اذن العبودية لله ليست ذل بالعكس هي عز لان هذه العزة ترتبط وتتصل بالفخر والفخار وهي ان تكون لي ربا وكذلك قوله تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب انظر هنا وصفه قريب لنفس النسبة والجهة التي تلي الرب لا الجهة التي تلي العبد ، قرب الرحمن كمال للرحمن وسيطرة منه على المخلوقات لكن لا تعني قرب المخلوق ، فقرب الرحمن يعني سيطرته وهيمنته واستحواذه على المخلوقات سواء المطيع والعاصي .
لذلك عندنا في بيانات اهل البيت عليهم السلام اطاعة المطيع لا تعطي السيطرة لله على العبد اكثر بسبب طاعة المطيع فالله مسيطر على العبد قبل الطاعة ومع الطاعة وبعد الطاعة فالطاعة لا تؤثر ولا تزيد في طاعة الطائعين وفي ملك الله للمخلوقات فلا الطاعة تزيد في ملك الله ولا المعصية تنقص من ملك الله فملك الله صفة لكمال الله تعالى فهذه الصفة لا الطاعة تؤثر فيها بالزيادة ولا العصيان ومعصية العصاة تنقص منها .
اذن هو قريب مسيطر مهيمن مستحوذ على الطائعين والعصاة سواء في هيمنته وسيطرته سواء الرحمن على العرش استوى سيطرة المخلوقات استوت قدرته على المخلوقات هذه بيانات اهل البيت فالرحمن على مقام التحكم والكنترول على المخلوقات سواء في قدرته فقدرة الله وعلم الله هو سواء على الانبياء والفراعنة ، فطاعة الانبياء وتقرب الانبياء الى الله لا يزيد الباري في قرب وسيطرته عليهم شيء يا من هو هكذا وليس هكذا غيره كما ان العصاة مهما عصوا قرب سيطرة الله وهيمنته وتحكمه فيهم لا ينقص، فعفاريت الشياطين والابالسة ربما تفر من الملائكة وربما تتمرد عليهم لكن هل تستطيع ان تخرج قيد انملة عن قدرة الله او عن ملك الله ؟ فالباري تعالى قريب من الطائعين وقريب من العصاة ، قريب قدرته قريب علمه قريب هيمنته ولم يقل قريب رحمته .
العرفاء والصوفية خلطوا بين الامرين رحمة الله قريب من المحسنين وليس قريب من المسيئين فهذه صفات الله من الجهة والنسبة بين الخالق والمخلوق التي تلي الرب غير الجهة التي تلي المربوب والمخلوق فالجهة التي تلي المربوب هناك ملائكة مقربين وملائكة غير مقربين مع انهم ملائكة .
فخطاب الباري لابليس اخرج منها مذئوما مدحورا وعليك اللعنة ابد الى يوم الدين مع هذا تجد كبار الفلاسفة والعرفاء والمفسرين والمتكلمين والوهابية يخلطون بين الصفات التي تلي الرب والصفات التي تلي المخلوق وهي تختلف ليسوا سواء .
فمع ان الشفاعة وساطة لكن هذه الوساطة نسبة فمن الجهة التي تلي الرب باذنه ومن الجهة التي تلي المربوب والمخلوق شافع مشفع شفاعة فالجهتان تختلف من ثم نقلنا عن الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه منهج الرشاد لمن اراد السداد ان من الجهة التي تلي الرب كلها باذن الله ونسبة الى الله ومن الجهة التي تلي المربوب وسلسلة المربوبين شفاعة واستغاثة وتوجه وتوسل وتبرك بالفاظ مختلفة ، ففي دعاء التوسل يا وجيها عند الله اشفع لنا عند الله لانه من الجهة التي تلي الرب هو باذنه .
هنا مطلب عقلي صناعي دقيق في بيانات القرآن وبيانات الروايات وما اشار اليه امير المؤمنين في مناجاته كفى بي عزا ان اكون لك عبدا ملاحظة هذا المطلب ان صرف ملاحظة الوساطة والمعنى الحرفي لا يكفي في التوحيد بل لابد ان تلحظ في المعنى الحرفي الصفات التي تلى الرب لكي يكون توحيد شبيه قولهم الحرف ما انبأ عن معنى في غيره فهو حرف لكن لابد ان تلتفت الى المعنى الذي في غيره فالمعاني الذي في الغير وفي الباري وصفاته ينبئك الحرف عنها .
الان المرآة واسطة تنظر بها او تنظر اليها ؟ فكونها واسطة لا بأس لكن لابد ان تنظر بها فهو توغل في الحرفية ومزيد اشتداد في حرفية ان تنظر بها فهي واسطة هي حرف هي انعكاس هي حكاية لكن مع ذلك يلتفت الى انك تنظر بها مثلا في القرآن الكريم بلقيس لما رأته حسبته لجة فكشفت عن ساقيها فهنا كمال قامت به بلقيس ولكن فيه جهل مغتفر وقعت فيه فلما رأته الضمير راجع على الصرح وليس الى اللجة فهي حسبت الصرح لجة فكشفت عن ساقيها فقيل لها انه يعني هذا الذي ترينه ليس لجة وانما صرح لكن لماذا لا تنتبهي له? لانه انانيته فانية وممرودة فالفناء ليس بمعنى العدم وانما بمعنى الخلوص فالصرح لا يري نفسه وانما يري ما وراءه .
قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن اي ما تدعوا فله الاسماء الحسنى فقيل لك ايها الداعي انها اسماء ممردة يعني ذاتيتها وانانيتها واشرف مخلوقات الله هي الاسماء لذلك لما تراها لا تراها قال انه صرح لكن التفت الى انها اسماء وهذا توحيد اعظم انك لا تحسب ان الصرح لجة فهذا ليس اكمل الكمال فبلقيس ليس كمالها في المعرفة ان ترى بالصرح اللجة فقط ولو كان كمال اذن لم تشتبه وطبعا العرفاء والفلاسفة يقولون هذا اشتباه محمود نعم صحيح هو نوع من الكمال بلا شك ولكن ما هو اكمل منه في التوحيد واكثر منه خلوصا .
فالشفاعة وساطة ولكن يوجد وساطة وفناء وتوحيد اعظم من ذلك انه باذنه فما الفرق بين اصل الوساطة وباذنه? لاحظ كمال درك بلقيس هذا المقول القول يكون معرفة بلقيس .