الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث التفسیر

45/11/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المخلوقات وقرب وبعد النسبة الى الباري

 

هناك تساؤل قبل كم جلس اثرناه? ولم اذكر الجواب فيه وهو مرتبط بما مر بنا امس في هذا المقطع من اية الكرسي من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه ، هنا جعل المخلوق وفعل المخلوق وهو الشفاعة لها نسبة مع الخالق ان من شؤون الله ان يتشفع عنده فالشافع مخلوق ووفعله مخلوق والمتشفع عنده هو الباري ، فالشفاعة ذات ثلاث اطراف او اكثر تكوينا عقلا .

فاذن هذي الشفاعة رغم ان كونها فعل من الافعال هذا الفعل له نسبة الى الله ان يقبل الشفاعة او يرفضها ولا تنفع الشفاعة كذا كذا ، فقد يرد الشفاعة وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم مع انه ملك السماوات وليس ملك الارض وهو اعظم شأنا من ملائكة الارض ، فالشفاعة مع كونها فعل الا ان هذا الفعل النسبة له الى الله ان يقبله ويرد الشفاعة كما عبر الباري تعالى ان الشفاعة لله جميعا قل لله الشفاعة جميعا .

مثلا في سورة الزمر ان العزة لله جميعا ، لله جمع الجمع كلها لله يعني ملك لله تعالى ولكن نفس هذا الفعل ايضا له نسبة الى المخلوقات العالية وهم الشفعاء ، الشفاعة مقام لمن يصطفيه الله من المخلوقين ، ايضا هذا الفعل له نسبة مع المشفوع له ، فلاحظ فعل واحد كم نسبة فيه? وقد تكون اكثر واكثر اذن عالم الافعال الالهية او كل المخلوقات ليس نسبتها الى الخالق مقطوعة تماما ، حتى الشر ، الشر هو لا ينسب الى الله بلا شك لكن تقدير الشر والهيمنة والحكومة والادارة والسيطرة على الشر تنسب الى الله والا يكون عجز في الله .

وهذا محصل الايات في سورة النساء تقدير الشر يعني التحكم والسيطرة والهيمنة على الشر هذا ينسب الى الله بلحاظ الحكومة القوية هي التي لا يفلت منها الشر عن سيطرته اذا اصابتهم سيئة قالوا هذه منك وان تصبهم حسنة يقولون هذا من الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا قل كل من عند الله السيئة والحسنة ليست من الله وانما من عند الله وفرق بينهما ، حيث عند الله تقدير وقضاء والتحكم فيها اما السبب الايجابي هو ما اصابك من حسنة فمن الله وليس منك ومن اصابك من سيئة فمن نفسك ، من ثم يقطع النسبة حتى في الشرور عن الله يكون ثنويا مشركا ويقول باله الخير واله الشر ففي الشر يذهب ويتوسل باله اخر .

ابليس والجن والشياطين والسحرة والمشعوذين يريدون ان يوهموا الى البشر انهم الهة الشر يجب ان يعوذ الانسان نفسه من الشر وهذا شرك ، فالسحر لذلك شرك وكفر ومن ثم اعظم ادوية السحر والشعوذة هو التوكل على الله ذو القوة المتين لا يلفت منه صغيرة ولا كبيرة ولا خير ولا شر وليس بضارين به من احد الا ان يشاء الله او باذن الله .

فاذن نكتة مهمة ان عالم المخلوقات بخيره وبشره ما تستطيع ان تقطع النسبة بينه وبين اله واحد ، اعظم دواء للعين وللسحر وللشؤم وللانهيار نفسي وللكآبة هو التوكل على الله والتوكل غير التواكل ، التواكل الا تقوم بعمل ، التوكل تعمل لكن رجاؤك من الله وهو اعظم دواء واعظم حرز ، اما اذا كان الانسان توكله على الله ضعيف ومعرفته بالله ضعيفة يعني يحتمل ان الشر يدار من قبل اله اخر او مصدر اخر وان الله ليست سيطرته شمولية يعني في الخوف من غير الله فهذا شرك خفي ثنوي كما ان الرجاء بان ترجو غير الله شرك خفي ، فاذن كيف نحن نرجو نبي الله ووصي نبي الله? هذا ليس رجاء غير الله هذا سبيل الله وليس غير الله وهو وجه الله وانما ابليس غير الله .

فاذن عالم المخلوقات برمته بشره وخيره تقطع النسبة فيه عن الله قلت بالتعطيل وبالنقص في الباري و حددت او تناهيت في قدرة الله ان قدرة الله تتناهى ، فاذن هذا المخلوق وعالم المخلوقات برمتها خيرها وشرها بقضها وقضيضها ما يمكن ان تقطع النسبة فيها عن الله ولا ايضا هذه المخلوقات بقضها وقضيضها تنسبها الى الله بقول مطلق لا تنفيها بقول مطلق ولا تنسبها بقول مطلق يعني النقائص التي فيها والشرور التي فيها من حيث فاعل الشر الله ليس ذلك ، الله متحكم في الشر وليس فاعل ما اصابك من مصيبة فمن نفسك ويعفو عن كثير ولكن الله يتحكم ويلطف .

فاذن قطع نسبة المخلوقات تحت ذريعة التنزيه هذا تعطيل في المعرفة وتعطيل في مقام الصفات الفعلية فما لهؤلاء قوم لا يكادون يفقهون حديثا ، اثبات النسبة بقول مطلق تشبيه فلا تعطيل ولا تشبيه في مقام الفعل اي مقام صفات الفعلية وانما امر بين امرين ملأت اسماؤك اركان كل شيء ، اركان يعني هذه شيئية المخلوق من الجذور الى البذور ملأت اسماء الله فيه كل شيء فاين الله غاب واين قطعت هذه النسبة لهذا المخلوق عن الله? فمن جهة الاية ايتيته ظهور الباري .

لنكمل ما اثرناه تساؤله قبل جلستين حول قرب الباري في بعده وقرب المخلوق وبعد المخلوق ، طبعا قرب الباري كمال وبعده كمال كيف يصير البعد كمال? يعني البعد عن النقائص كمال ، حيث تنزه عن مجانسة مخلوقاته ، في البداية قل يا من قرب من خطرات الظنون ، هذا دعاء الصباح بعض المفسرين حاروا فيه ما معنى قرب من خطرات الظنون? يعني الظنون اقرب لمعرفة الله من الحس في ادراك الله فجعل القرب صفة للظن وليس صفة لله بينما المعنى الظاهر هو ذاك الاخر يعني من قربه الله قرب يعني لا يخفى عليه الظن .

وبعد عن لحظات العيون يعني ما يمكن ان تدركه بالعين الحاسة فهو كلام عقلي بامتياز وهذا يحيرون فيه رواد علماء في المعارف فانت تقول لي الراوي المغلوب على امره وعلى علمه قبل الف واربع مئة سنة يفهم هذا المعنى ؟ نعم يروي الالفاظ ولايدري المعاني اين هي ؟ فقرب الله صفة قدرته فيه هيمنته وقدرته لا يفلت منه شيء ولا يمكن لمخلوق ان يستغني عن القوام به في اصل وجوده فضلا عن توابع وجوده ، فقريب قدرته وعلمه لا اقرب منه شيء او تجلياته بمعنى انه صحيح ويستقيم وبعيد صفة لله عندما اقول زيد فقير ابوه هذه ليست صفة له بما هو هو ، بعيد عن ان تدركه المخلوقات يا من هو باطن عن المخلوقات في ظهوره وظاهر في بطونه البطون ليس ابتعاد وانما ابتعاد ادراك المخلوقات وهذه كلها وردت في بيانات الوحي .

اما قرب المخلوف هل هو قرب جغرافي? وبالدقة حتى ليس قرب معنوي روحي يعني لا الروح بينها نسبة روحية مع الله ولا العقل يجانس الباري ولا يجانس الروح ولا يجانس البدن ولا يجانس اي مخلوق من مخلوقات الله ، اذن ما معنى ان نتقرب الى الله?

متى يكون قرب المخلوق من الخالق? ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى دنوا واقترابا من العلي الاعلى ، اذن هو في عليين كتاب مرقوم يشهده المقربون ، المهم اذا قرب المخلوق ليس قرب روحي وليس مجانسة روحية الارواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف والله ليس هكذا وما تناكر منها اختلف وليس الله هكذا ، اذن ما معنى قرب المخلوق للخالق?

حسب الفحص العقلي في بيانات الوحي كلما ازداد المخلوق كمالا يكون ايتيته وحكايته لكمال الله اكثر وقربه اكثر لنأخذ هذا المثال الذي ذكره الامام الرضا انه اذا عندنا مرآة مسلحة هي اقرب لذي الصورة يقولون هي كأنما صورة حقيقية حية فلما رأته حسبته لجة لانه صرح ممرد فيه صفاء عجيب وغريب كلما ازداد صفاء وكمالا لا يرى نفسه وانما يري سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ، فكلما ازداد الاية كمالا وعلوا كانت اقرب لتجلي الله فهو قرب تجلي وقرب ظهور ، لذلك يمدح الله نبيه وهذه نقطة يذكرها اهل المعنى لطيفة ان القرآن كتاب مديحي ومدائح لسيد الانبياء تواشيح وحقائق نورية لمجلس وحياني ولمديح النبي انك لعلى خلق عظيم انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا ولا يستطيعون سبيلا .

ليس بامكان البشر والمخلوقات ان يدركوا كنه النبي وهذه ليست بالوهية النبي هذه تبين عظمة هذه الاية المخلوقة في قربها لله ان تعدوا نعمة الله لا تحصوها انظر ان لا تناهي المخلوق حاكي عن اللاتناهي الاعظم في الخالق ، لا ان اللا تناهي في المخلوق والوهية في المخلوق وانما هو قرب والقريب تنعكس فيه نورا لكي يقترب منه وشؤون من يقترب تنعكس به وهذه التي لا يستطيعون ان يفهموها لا المقصرة ولا الغلات ، ضالين بين سرطانين سرطان التقصير وسرطان الغلو وهذان السرطانان ان لم نعالجهما كليهما لانهما ينطلقان من سرطان واحد وهو سرطان ان تجلي الصفات الالهية في المخلوق يعني الوهية ، غاية الامر الغالي يؤمن بانها الهة والمقصر ينكرها وكليهما قاطع للطريق الى الله فليس هو جغرافي وليس مجانسة عقلية ولا مجانسة نورية وانما نورهم خلق من نور الله ، لم يلد ولم يولد اشتقاق بمعنى الحكاية .

كيف يصف المخلوق كأنما اوصاف الخالق هي حكاية عن اوصاف الخالق، صورة المخلوق غير الخالق وان القرآن في سورة الرحمن مثلا عبث بالايات القرآنية لان ذو الجلال والاكرام تارة يجعلها للمخلوق واخرى للخالق .

القرآن الكريم في سورة الاعلى تارة يجعل التنزيل للخالق واخرى لبعض المخلوقات العالية يعني اذا انت المخلوق لست بقدره فكيف بالخالق? القرآن يقول انتم الرسول ما يستطيعون ان تكتنهوه فكيف بخالق الرسول? اذا نعمة الله لا تستطيعون ان تكتنهوها فهل عدم احصائها هذه الالوهية في النعمة ؟ كلا وانما هي اية عظيمة تبين لك عظمة الله ان تتجلى صفاته في المخلوقات العليا فهو ليس تعطيل الصفات وانما ظهور ، القول بانحسار صفات الله يعني التعطيل في مقامات الباري ، يعني ليس معناه ان المخلوق صفته من نفسه وانما حكاية عن صفات الله ونظام الاية هو النظام الحصري للوحي الوحيد للتوحيد هي الاية ، الاسم والتجلي والظهور في كلا الجانبين .

ومن ثم القرآن يركز على نظام الايات ، والتجلي ليس كمثل الاسماء الاسماء كلها مترادفة عقلا فاذن قرب المخلوق للخالق يعني ان تجلي الله والصفات الالهية فيه اعظم فيقرب بالمرآة المسلحة يعني كأنما لا ترى المخلوق لا انه ليس مخلوق ولا تلتفت ولا تتنبه اليه فلما رأته حسبته لجة قيل لها انه صرح ممرد يعني هذا انانيته وذاتيته ومخلوقيته ممرودة فليس محو تكويني وانما محو في الصفاء ، ترادف بين ممرد او ممحو او فناء ، فهو فناء في الحكاية لا في التكوين اذن بحث القرب نلتفت ان البعد كل ما ينقص مخلوق من كمالات فليست اية الله .